في الفيديو الذي نشرته المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، على صفحتها في «فايسبوك» قبل يومين، يتناقض نقاء صوت فيروز وهي تغني «احكيلي عن بلدي»، مع المياه التي كانت «تخدق» خارجة من الفتحات الموجودة في أسفل بحيرة القرعون. عندما أعلنت المصلحة، قبل أسبوع، أن بلوغ منسوب مياه البحيرة اعلى مستوياتها يحتّم خروج المياه الفائضة من مفيض البحيرة الى مجرى النهر، طمأنت المنتقدين بأن المياه السطحية أقلّ تلوثاً من مياه القعر الملوّثة بنسب عالية، مؤكدة في الوقت نفسه أن «ما من حل آخر. فالبحيرة مثل «الكبّاية»، عندما تصب فيها المياه فوق سعتها لا بد أن تفيض»، بحسب المدير العام للمصلحة سامي علوية.
الجديد الذي أعاد القرعون الى دائرة الجدل هو القرار الجديد للمصلحة بفتح «السكورة» الموجودة أسفل البحيرة لمدة 48 ساعة لإيجاد توازن بين كمية المياه الخارجة من البحيرة وتلك الداخلة بسبب المتساقطات الشتاء ومجاري الصرف الصحي والصناعي التي تصبّ في البحيرة. صار الضغط، بحسب علوية، كبيراً على السد. فقد «زاد منسوب المياه 60 سنتمتراً عن الحد الأقصى فيما لا ينبغي أن يزيد على 13 سنتيمتراً». وأكد لـ«الأخبار»: «نحن أمر واقع لا يمكن الهروب منه. هذا ليس قراراً شخصياً أو إدارياً، بل قرار هندسي - مائي تفرضه المقتضيات الهندسية للسد بعدما وصلت كمية المياه الى مستويات قياسية، وبدأت تفيض من السطح، وتضغط على جوانات السد». وأوضح أن «مخزون البحيرة اليوم اكثر من ٢٢٥ مليون متر مكعب، وهي كانت تصرف امس من المفيض حوالي ٣٠ متر مكعب/ ثانية وهي نسبة موازية لتصريف النهر، الا ان منسوب المياه فوق المفيض استمر مرتفعاً. وهذه المستويات تستوجب عادة فتح سكورة التفريغ، لتخفيف منسوب البحيرة للحفاظ على المعدلات الطبيعية خلف السد، خاصة مع توقع استمرار مستوى تصريف النهر. هذا الامر يحدث منذ الخمسينات وسيستمر ويتكرر كلما زادت المتساقطات».
لا خطوط تماس مائية بين الحوضين ولا يمكن التعامل مع القرعون كمحطة تكرير


الباحث في البيئة المائية كمال سليم لفت الى أن «الروائح الكريهة التي انتشرت لدى فتح السكورة تشير الى أن المياه ملوثة ولا تصلح لا للشرب او للري ولا حتى للسباحة»، مشيراً الى أنه «كان يجب التأكد من نوعية المياه في القعر ليُبنى على الشيء مقتضاه»، فيما اعتبر الباحث في علوم المياه الجوفية سمير زعاطيطي أن «قرار إخراج المياه صحيح لأن البحيرة بلغت منسوبها الأقصى ودخلت المياه الى بعض القرى المجاورة»، محذّراً في الوقت نفسه من أن «الخطورة تكمن في دخول المياه الملوثة الى المخزون المائي الجوفي في الجنوب».
علوية، في المقابل، طمأن الى أنه «في ظل تحويل جزء من المياه الخارجة من البحيرة مع مياه عين الزرقا نحو معمل أنان لتوليد الطاقة الكهرومائية لكي تعمل بطاقتها القصوى، وفي ظل تحويل المياه من مأخذ عبد العال نحو معمل عبد العال الذي عاد الى العمل بعد توقف 40 يوماً بسبب تنفيذ اشغال فيه، انخفضت كمية المياه التي ستكمل طريقها نحو مجرى النهر. وهي لن تتأثر بشكل مهم مع فتح السكورة بمقدار فقط ١٠ متر مكعب/ ثانية». ولفت الى أن «السكورة على ارتفاع ثلاثة أمتار من قعر البحيرة بما يحول دون خروج الترسّبات الملوثة أسفلها»، مؤكداً أنه «لا يمكن انكار وجود التلوث ولا الجزم بوجوده ولا بنسبه. هذا الامر يوجب اخذ العينات دورياً مع تغير كميات المياه الوافدة ونوعيتها»، مشيراً الى انه سيتم الاعلان عن نتائج الفحوصات المخبرية غداً كحد أقصى.
وشدد على أن المصلحة «مسؤولة عن النهر من النبع الى المصبّ، ولا يمكننا خلق خطوط تماس مائية بين الحوضين الأعلى والأدنى، ولا التعامل مع بحيرة القرعون كمحطة تكرير»، آملاً «أن تعي الدولة خطورة التلوث الذي يشمل البقاع والجنوب وبيروت، لردع الملوثين ووقف الصرف الصناعي والصحي في النهر وإزالة مخيمات النازحين عن ضفافه. هكذا نحل مشكلة التلوث، وليس بحبس المياه خلف السد، والأولوية يجب أن تبدأ من البقاع والحوض الأعلى».