في كانون الثاني الماضي، ادّعت النيابة العامة في النبطية، برئاسة القاضي عباس جحا، على زينب الصايغ بجرم خطف ابنها البالغ خمس سنوات من العمر. وهذه «المرة الأولى يُدّعى على أمّ بتهمة خطف ابنها»، وفق وكيل الصايغ المحامي نجيب فرحات، موضحاً لـ «الأخبار» أن قرار النيابة العامة يخالف اجتهادات محكمة التمييز التي تستثني الأم والأب من هذه الجناية. علماً أن الادّعاء على الصايغ جاء على خلفية دعوى رفعها طليقها ضدها بتهمة خطف ابنهما، بعد تمسّكها بحضانته ورفضها إعادته إلى والده، مخالفة قرار المحكمة الجعفرية الشرعية الذي يسمح لها برؤيته 24 ساعة أسبوعياً فقط. ومن المُقرّر أن ينظر قاضي التحقيق في النبطية غسّان معطي في القضية في 28 الجاري.النيابة العامة ادّعت على الصايغ وفق المادتين 495 و496 من قانون العقوبات. وتنصّ الأولى على «حبس كلّ من يخطف أو يبعد قاصراً دون الثامنة عشر من عمره ولو برضاه بقصد نزعه عن سلطة من له عليه الولاية أو الحراسة من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة المالية من 50 ألف ليرة إلى 200 ألف ليرة مع الأشغال الشاقة المؤقتة»، فيما تنصّ الثانية على «حبس الأم والأب وكل شخص لا يمتثل لأمر القاضي فيرفض أو يؤخر إحضار قاصر دون الثامنة عشرة من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من 50 ألف ليرة إلى 200 ألف ليرة».
فرحات أوضح أنّ «الأم عرضة للتوقيف في أي وقت ما لم توعز النيابة العامة إلى قاضي التحقيق بوقف الملاحقة عنها». وفي الدفوع الشكلية التي قدّمها، طلب وقف النظر في دعوى الخطف «نظرا ًإلى أنّ مسألة الحضانة لا تزال موضع نزاع في المحكمة الشرعية».
وفي تفاصيل القضية، قالت صايغ لـ «الأخبار» إنّها قبلت تحت «الضغط والتهديد» قرار السماح لها برؤية ابنها 24 ساعة أسبوعياً، إلا أنها لم تستطع تحمّله وقررت الطعن فيه أمام المحكمة الشرعية وطلب إعادة النظر فيه. وأوضحت «أنني تعرّضت للذل في كل مرة كنت أذهب لرؤية ابني في المدرسة. فكان ممنوعاً عليّ رؤيته أو اصطحابه بسبب التزام الإدارة بتعليمات الأب. وحتى عندما حصلت على قرار قضائي من المحكمة المدنية يجيز لي الدخول إلى المدرسة لمشاهدته على المسرح في حفلة نهاية العام الدراسي، تواصلت الإدارة مع الوالد الذي حضر فوراً واصطحبه كي يحرمني من متعة مشاهدته على المسرح». وبرّرت مخالفة قرار المحكمة الشرعية بـ«حجم المعاناة» التي تعرضت لها مع ابنها، «فرغم حالة الطفل النفسية والصحية بسبب ابتعاده عني فضلاً عن تعرّضه للضرب على يد زوجة أبيه، كل ما تمكنت من الحصول عليه هو قرار من هذه المحكمة المدنية يجيز لي رؤيته كل يوم اثنين من أول شهر». ولفتت إلى أن المحكمة المدنية استندت إلى تقرير مندوبة الأحداث من دون أن تأخذ في الاعتبار أنه تم استجواب الطفل في منزل أبيه، وأنّ أحد القضاة أقر بعدم صوابية استجواب الطفل في منزل أحد ذويه للتأكد من عدم تعرضه للضغط من قبل أحدهما. ووفق رواية الأم، فإنّ الطفل انهار باكيً أمامها في آخر زيارة لها وطلب البقاء عندها وعدم إعادته إلى منزل أبيه «حيث يتعرض للتعنيف من زوجة أبيه، عندها ذهبت به إلى مكان مجهول لمدة ثلاثة أشهر، وهي المدة الكفيلة بإسقاط بلاغ البحث والتحري بحقي». واعتبرت أن «ليس من العدل أن أتخلى عن ابني لأنني تزوجت. فالأب متزوج أيضاً، وأنا أعمل ووضعي الاجتماعي والاقتصادي يخولني الاعتناء به وأن تكون الحضانة مشتركة بيننا».
قرار النيابة العامة يخالف اجتهادات محكمة التمييز التي تستثني الوالدين من جناية خطف ولدهما


والد الطفل هادي محسن نفى من جهته رواية الأم مؤكداً أن الطفل لا يتعرّض في منزله للتعنيف وأنّ زوجته تعامل طفله معاملة مميزة بدليل تفوّقه في مدرسته. ولفت إلى أنه قبِل سابقاً أن يرى الطفل أمه أكثر من 24 ساعة (من بعد ظهر الجمعة حتى مساء الأحد)، لكنها «لم ترض بالاتفاق وخطفت الطفل ما اضطرني إلى رفع دعوى خطف».
وبمعزل عن صدقية الطرفين في النزاع، فإنّ النقاش الأساس يتعلّق بمصلحة الطفل الذي غالباً ما يكون عرضة لضغوطات نفسية تؤثر بشكل حاد عليه. وهذا يتطلّب إعادة النظر في المحاكمات التي تنظر في قضايا الحضانة، ودراسة كل منها على حدة، ويضيء على الحاجة إلى قانون مدني موحد للأحوال الشخصية ينظر في مثل هذه القضايا بعيداً عن الأحكام الشرعية المجحفة التي تصدر بحق كثير من النساء. إذ غالباً ما تكون المرأة هي الطرف المغبون نتيجة تكريس الحضانة للأب بوصفه «الولي الأولى».
مصادر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أكّدت لـ «الأخبار» أن هناك إصلاحات قريبة تتعلّق بقضايا الحضانة، فيما يؤكد ضليعون في هذه القضايا أن إنصاف المرأة يبدأ بمحاكم مدنية تحكم وفق قانون موحد للأحوال الشخصية، لا بالمحاكم الدينية أياً كانت الإصلاحات التي تعد بها.