أعلام الحزب السوري القومي الاجتماعي التي رُفعت أول من أمس خلال تظاهرة «الحراك الشعبي للإنقاذ»، لم تدلّ على مُشاركة قيادة الحزب في التحرّك. هؤلاء كانوا مُناصرين لـ«حركة النهضة السورية القومية»، الذين كشفوا النقاب عن أنفسهم في تشرين الثاني الماضي. قوميون في العقيدة، ولكن مُعارضون للقيادة الحزبية ويعملون خارج التنظيم، يُشكّلون جزءاً من لجنة المتابعة لـ«الحراك الشعبي للإنقاذ» مع الأحزاب والمنظمات «المدنية»، التي تخوض معركة في الشارع ضدّ السياسات الاقتصادية والمالية للدولة. لم يكن مُقرّراً أن يرفعوا علم حزبهم يوم الأحد. إلا أنّ وجود أعلام حزبية أخرى (الحزب الشيوعي، التنظيم الشعبي الناصري، حزب الطليعة)، دفعهم إلى تظهير هويتهم الحزبية. يُشاركون في هذه التحركات، خلافاً للموقف الرسمي لـ«القومي»، الذي قرّرت قيادته النأي بنفسها عن الحراك الشعبي. هذا واحدٌ من أوجه الخلاف بين الحزب القومي وحركة النهضة، المُنبثقة عنه.لا يمرّ وقتٌ طويل، داخل «القومي»، قبل أن تطفو على السطح مشكلة داخلية جديدة، عنوانها الرئيسي الصراع على السلطة. فلا يوجد بين القوميين من يُخالف موقف القيادة من المسائل الاستراتيجية، بل يُريدون أن يكونوا شركاء في القرار. مع من؟ يتهمون رئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان، بالاستئثار بالسلطة، وتطويع المؤسسات الحزبية لصالحه. حركة النهضة السورية القومية، ليست الاختبار الأول، في حزبٍ عُرف بمعارضاته، الداخلية والخارجية، الكثيرة. حتى أنّ تنظيماً حمل الاسم نفسه، خرج من الرحم القومي، في العام 2008. ولكنّه هذه المرة يظهر بعد تجربتين معارضتين، لم يُكتب لهما النجاح: سوريون قوميون موحدون (قسم)، وحركة 8 تموز. ولكنّ أعضاء التنظيم الجديد «متفائلون» لأنّ «العمل مُنظم وهناك خطة عمل وميثاق يُحدد العلاقة بين القوميين».
في تشرين الثاني، عقدت «حركة النهضة، اجتماعاً لهيئتها العامة في شتورة، ثم عُقد اجتماعٌ آخر في الشهر عينه، في طرابلس، لانتخاب القيادة المؤقتة. تألفت هذه الأخيرة من يوسف زيدان (الرئيس)، ربيع زين الدين (نائب الرئيس)، نبيلة غصن (ناموس)، وعارف فياض كرئيس للجنة التحضيرية لـ«المؤتمر القومي العام»، والذي سيُنظم في مهلة سنة من انعقاد الهيئة العامة. الجمهور الذي تتوجه له «حركة النهضة»، هو في الأساس أعضاء الحزب القومي، والمعارضون للقيادة. الراية التي يرفعونها (وظهر ذلك خلال تظاهرة يوم الأحد) هي علم الحزب القومي. «دستورهم» هو مبادئ الزعيم أنطون سعاده. لذلك لا يُمكن التعامل مع «النهضة» إلا بوصفها تنظيما مُنشقا عن قيادة الروشة، يبحث عن مكان له في الساحة السياسية. يرفض أعضاء الحركة الجديدة وصفهم بحالة انشقاق، «نسعى لنكون حزباً يبعث النهضة. منذ سنة ونصف نعمل، نظمنا أنفسنا أخيراً لنأخذ مشروعية. وسيكون لدينا مؤتمر ندعو إليه كلّ القوميين ليكونوا مصدر السلطات، على العكس من المؤتمرات المُعلبة». إن لم يكن هذا انشقاقاً، ماذا يُسمّى إذاً؟ «المُنشق هو الذي ابتعد عن غاية الحزب وعقيدته.
الجمهور الذي تتوجه له «النهضة»، هو أعضاء الحزب القومي، والمعارضون للقيادة

هم (القيادة الحالية) انشقوا منذ زمان».
تحتل المؤسسات داخل «القومي» أهمية استثنائية، مقارنةً بالأحزاب الأخرى. معظم القوميين يعتبرون أنّ العمل الحزبي الفعلي، من ضمنه المعارضة، يتمّ في ظلّها. فلماذا لم يُمارس أعضاء «حركة النهضة» معارضتهم من داخل الحزب؟ «الحزب هو الشخصية المعنوية التي هي مرجعنا، ولكن نحن نُميز بينه وبين التنظيم القائم (برئاسة حنا الناشف). أما المؤسسات فحين تصبح خارجة عن الأصول، تفقد هويتها». يُخبرون أنّهم حاولوا إجراء حوار مع رئيس الحزب الناشف، «طرح علينا أن نُشارك في مجلس العُمد، ولكن اشترطنا إجراء إصلاحات أولاً. في حين أنّ رأي الناشف كان أن نُشارك في التنظيم، وبعدها نتكلم بالاصلاحات». يُصرّ أعضاء في «النهضة» خلال الحديث معهم على عدم الغوص في الخلافات الداخلية، «سنخسر الأمة والمجتمع، ولا زلنا نبحث بالداخل ماذا يحصل. انكفأ الحزب نتيجة الدور الذي يلعبه. لا مُشكلة لدينا في أن تكون حليف أي فريق، شرط أن تُمارس دورك صحّ». المشكلة الرئيسية إذاً هي عدم قيام «القومي» بدوره الحقيقي، «والتماهي مع بقية الأحزاب، إلى حدّ التبعية»، قبل أن يستدرك أعضاء في «النهضة» سريعاً، موضحين أنّهم يلتقون «في القضايا الاستراتيجية مع المقاومة، أما في الملّف الاجتماعي وإدارة البلد، فلا ضير من التمايز». ما صحة ما يُقال عن اجتماعكم بممثلين عن حزب الله والتيار الوطني الحرّ طالبين دعمهم المعنوي والمادي للانطلاق، ونُصحتم بالحفاظ على وحدة الحزب القومي؟ «أبداً، لم نتواصل مع أي حزب. ولكن، بحكم علاقاتنا الطبيعية، وخلال إحدى المناسبات، استفهم أشخاص من حزب الله عن حركتنا. الجميع مُتابع ويعرف الوضع».