يوم قرّر وزير الدولة لمكافحة الفساد السابق نقولا تويني، فتح ملفّ شراء شركة طيران الشرق الأوسط لطائرات من دون مناقصة، أتاه الردّ من المدير العام محمد الحوت، طالباً «تنويرنا بالقانون الذي يعطيكم هذه الصفة والصلاحيّة، ويُخولكم مطالبتنا بتزويدكم بأربعة عشر بنداً تطاول جميع الأعمال الإداريّة والتجاريّة والتنظيميّة والتعاقدية والإعلامية». تكرر الأمر في كلّ مرّة يُقرر فيها تويني وضع اليد على ملفّ تُثار حوله شُبهات فساد. فالرجل، وغيره من وزراء الدولة، أشبه بملوكٍ من دون عروش. المحاصصة السياسية «جارت» عليهم بوزارات من دون صلاحيات تنفيذية ولا موازنات، ما عطّل تلقائياً فعاليتهم وقدرتهم على متابعة أي ملفّ. بات أي موظف يشعر بأنّه صاحب سلطة على وزير الدولة، ولا يجد رادعاً من التوجه إليه مُتحدياً: «ما صفتك؟». لم يَعتَبِر الحُكّام من تجارب وزارات الدولة الفاشلة، التي تُشكّل وزارة مكافحة الفساد نموذجاً لها. فألغوا وزارتَي التخطيط وحقوق الإنسان، قبل أن يتمكن أحد من تحديد تعريف واضح لمهمتهما، ثم «اخترعوا» وزارات «تنفيعية» جديدة بعناوين «عميقة»، توحي بـ«جدّية» غير مألوفة في العمل الحكومي.«إذا اتصلت بأي وزير، فسيردّ عليّ بأنّ الأمر ليس من صلاحياتي»، يقول تويني لـ«الأخبار». الرجل الذي «جُلد» كثيراً خلال فترة ولايته، لا يُنكر أنّ بعض وزارات الدولة تنفيعة، ولكنّه يُميز «مكافحة الفساد» عنها، لأنّها «كانت ولا تزال، مطلباً شعبياً. حتى إنّ كلّ القوى السياسية تتحدّث حالياً بمكافحة الفساد». يقول إنّ الوزارة التي عُيّن فيها، «قد لا تكون حلّت القضايا العالقة، ولكنّها نبّهت وسلّطت الضوء، وأسهمت في العمل على كلّ مشاريع القوانين التي لها علاقة بمكافحة الفساد». إذا كانت هذه الوزارة «فاعلة» ضمن الحدود المرسومة لها، فما مُبرّر إلغائها؟ يتحدّث تويني عن احتمالات عدّة، «كأن يكون غياب الصلاحيات هو السبب، أو التحضير لإنشاء الهيئة العليا لمكافحة الفساد».
فكرة وزراء الدولة، ليست بالأمر الحديث، تماماً كما أنّها ليست «اختراعاً» لبنانياً. سياسيون من «الصف الأول»، عُيِّنوا وزراءَ دولة مع أدوارٍ ومهمات واضحة، كصائب سلام في الـ1956، وشارل حلو في الـ1976. فترة ما قبل الطائف، كان عدد وزراء الدولة محصوراً، بسبب عدم تشكيل حكومات موسعة. ولكن، منذ عام 1990، تحوّل الأمر إلى «مركز تنفيعي». يومها، أراد الحكم السوري تأمين أوسع تمثيل سياسي لحلفائه في البلد، فاختير رؤساء الأحزاب، وزراء دولة من دون حقائب: نبيه برّي، وليد جنبلاط، سليمان فرنجية، إيلي حبيقة، أسعد حردان... ومن خارج هذه «الحلقة»، عُيّن سمير جعجع وزير دولة. كانت أولى حكومات الراحل عمر كرامي مؤلفة من 31 وزيراً، من بينهم 13 وزير دولة، ثلاثة منهم فقط مع حقائب. المفارقة أنّ أركان النظام، وتحديداً الذين تحولوا إلى خصوم للدولة السورية، ويحلو لهم إسقاط صفات «الدولة» على عملهم، أصروا على تطبيق العقلية التنفيعية نفسها، وبات وجود ستة وزراء دولة، في حكومة من 30 وزيراً، من الثوابت.
«التنفيعة» السياسية الجديدة في حكومة الـ2019، أن يكون نائب رئيس الحكومة (غسان حاصباني) من دون حقيبة. فعملياً، يُعَدّ هذا المركز جزءاً من «البطالة المُقنعة». فنائب رئيس الحكومة، ليس لديه مهمات، ولا حتى مكتب يُداوم فيه. ولكن، تمّت هذه التركيبة من أجل ضمان حصة سياسية للقوات اللبنانية. تماماً، كما جرى إنشاء وزارة دولة لشؤون التجارة الخارجية (حسن مراد) لتمثيل نواب اللقاء التشاوري، ووزارة دولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات (عادل أفيوني) لأنّ الحريري وعد النائب نجيب ميقاتي بتمثيل وزاري، ووزارة دولة لشؤون التمكين الاقتصادي للنساء والشباب (فيوليت خيرالله الصفدي) «كعربون جميل» للوزير السابق محمد الصفدي على وقفته الانتخابية إلى جانب تيار المستقبل في طرابلس. تُضاف الوزارات الثلاث إلى وزارة الدولة لشؤون النازحين (صالح الغريب) التي شهدت خلال عهد الوزير معين المرعبي صراع صلاحيات مع وزارة الشؤون الاجتماعية بعد أن وضعت حكومة ميقاتي ملفّ النازحين ضمن مهمات الأخيرة، وشؤون مجلس النواب (محمود قماطي)، وشؤون رئاسة الجمهورية (سليم جريصاتي). وزارة الدولة الوحيدة القائمة، هي التنمية الإدارية لأنّها تملك كادراً بشرياً وموازنة (من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) والعديد من الملفات التي تُتابعها.
«صحيح أنّه سابقاً، كان وزراء الدولة يُعينون لإرضاء القوى السياسية، ولكن تخصيص ملفّ لكل وزارة دولة، يعني وجود نية للعمل»، يقول حسن مراد. شغله سيقتضي التنسيق بين مصلحة التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد ووزارتَي الخارجية والزراعة، ومتابعة تطبيق الاتفاقيات التجارية، والتواصل مع الملحقين الاقتصاديين في البعثات الدبلوماسية. مصلحة التجارة الخارجية، ستُصبح «تحت إشرافي. الهيكلية قائمة وكذلك فريق العمل». يختصر مراد وظيفته بـ«إدارة الملفّ، وتنظيمه، وترتيب الملفات»، مع محاولة الانفتاح نحو أسواق جديدة، والاستفادة من علاقاته السياسية الجيدة مع الدول الأخرى، ولا سيما سوريا، من أجل تحسين التجارة بين البلدين.
وزارتا الدولة اللتان سيكون لديهما دور سياسي، هما شؤون رئاسة الجمهورية وشؤون مجلس النواب


في كلّ حكومة، تُنشأ وزارة دولة، لا يُعرف ما الهدف منها. سابقاً، كانت وزارة التخطيط، وحالياً هي «شؤون تكنولوجيا المعلومات». ولكن بالنسبة إلى عادل أفيوني، «هي وزارة مهمة جداً، وأساسية لأي دولة تريد أن تبني اقتصاداً عصرياً. إذا أردنا أن نُحقق نمواً اقتصادياً، وخلق فرص عمل، يجب أن نخلق المناخ الحاضن لحماية القطاع وتطويره». ويقول إنّه سيتعاون مع الوزارات الأخرى المعنية والقطاع الخاص «لدعم ونمو رواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة». يبدو أفيوني واثقاً من أنّ الإمكانات ستتوافر لبناء اقتصاد رقمي، في بلدٍ غير قادر على توفير الحاجات الرئيسية للمواطنين.
وزارتَا الدولة اللتان سيكون لديهما دور سياسي، هما شؤون رئاسة الجمهورية وشؤون مجلس النواب. خلال الحكومة السابقة، فشلت محاولة الرئيس ميشال عون تحويل وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية إلى «وسيط الجمهورية»، يُتابع الملفات مع كل الوزارات. وكان الدور الذي أدّاه الوزير السابق بيار رفول أقرب إلى «مستشار» الرئيس. حالياً، يُخبر سليم جريصاتي أنّ خلاصة الوظيفة «متابعة تنفيذ خطاب القسم، ومعالجة الملفات الإقليمية بالتنسيق مع الوزارات المختصة». الدور ينقسم إلى «سياسي وقانوني وإداري، لبعض الملفات الحساسة، ومن ضمنها مكافحة الفساد»، مُعتبراً أنّ معالجة الملفات «ليست بحاجة لصلاحيات. هذه الوزارة مرتبطة بالرئاسة».
يستطيع وزير الدولة أن يكون له مساهمات جدية في الملفات التي كُلّف بها. المشكلة في لبنان، أنّ تعيين هؤلاء يأتي ضمن منطق المحاصصة السياسية، «لنفخ» حجم هذه الكتلة، أو إرضاء ذلك الحزب، ويجري التعامل مع وزارات الدولة بلامبالاة كبيرة. في معظم الدول الغربية، يُسمّى هؤلاء «سكرتير الدولة»، ويكون بتصرف الوزير المعني أو رئاسة مجلس الوزراء، وغالباً ما ينال راتباً أدنى من الوزير العادي. أما في لبنان، فستتكبد الخزينة العامة المنكوبة 8 مليوناً و625 ألف ليرة، بدل خدمات كل وزير دولة، بإمكان الإدارات في الوزارات المعنية، أن تُتابع الملفات التي عُهد بها إليهم.