دامت جلسة الاستجواب خمس ساعات. المقرصن الإلكتروني إيلي غبش والمقدم سوزان الحاج وقفا جنباً إلى جنب أمام رئيس المحكمة العسكرية. أدلى كلٌّ منهما بدلوه لإقناع هيئة المحكمة بأنّه بريء من المبادرة إلى اقتراح فبركة جرم الخيانة لزياد عيتاني. لكن، أمس، لم يكن غبش هو نفسه الشخص المتردد والضائع الذي كانه في الجلسة الأولى. هذه المرة، كان قوياً وحاضر الذهن، ودافع بشراسة أمام سيل الأسئلة من رئيس المحكمة والنيابة العامة ووكلاء المقدم الحاج. هذا التغيّر في حالة الموقوف دفع بوكلاء الحاج إلى التحفّظ على مكان سجن غبش لدى فرع المعلومات، ملمّحين إلى ضغوط يتعرّض لها هناك دفعته إلى التراجع عمّا أدلى به في الجلسة السابقة. أما هو، فقال إنه كان مريضاً ونقل إلى المستشفى قبل استجوابه في الجلسة الماضية، ولهذا السبب كان مشوّش الذهن. المعركة بين المتهمَين تحتدم!«الاستخبارات السعودية طلبت فصلي وإنزال أشدّ العقوبات بحقّي». هذا ما كشفت عنه المقدم سوزان الحاج خلال استجوابها للمرة الأولى أمام هيئة المحكمة العسكرية أمس، معتبرة أنّها تكتّمت على ذلك حرصاً على سمعة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. الحاج، بزيّها العسكري، بدت أكثر حضوراً من وكلائها الأربعة مجتمعين. وأثناء استجواب المقرصن إيلي غبش، كانت تارة تلفت وكلاءها إلى ما يكون قد فاتهم. وتارة أخرى تحاول خنق ضحكتها وإظهارها في آن للإيحاء بأنّ ما يقوله زميلها في التهمة غير مقنع. اللافت أنّ ملف التحقيق كان حاضراً في تفاصيله لديها. كانت كمن حفِظ المحادثات عن ظهر قلب مع توقيت كل رسالة. حتى عندما مدّت يدها في إحدى المرات لتطلب شيئاً، سارع زوجها المحامي زياد حبيش ليناولها قنينة ماء، ظنّاً منه أنّها تريد أن تشرب، لكنها التفتت إلى محامية إلى جانبه قائلة: «ما بدي ماي. بدّي الصفحة رقم ١٥ من الملف».
المقدم الحاج في استجوابها الأول، أمس، قالت: «في الثاني من تشرين الأول 2017، تم استجوابي في شعبة المعلومات بسبب وضعي علامة إعجاب بالخطأ على تغريدة كوميدي (تسجيلها إعجابها على موقع «تويتر» بتغريدة للمخرج شربل خليل مسيئة للنساء في السعودية). يومها، حكى العقيد خالد حمود عن كتاب وصل إلى المديرية من الاستخبارات السعودية، تطلب فيه فصلي من عملي ومعاقبتي». استعادت الحاج تفاصيل تلك الأيام، فروت كيف اتّصلت في اليوم التالي بالعقيد جهاد بو مراد (من ضباط «المعلومات»)، طالبة تقديم استقالتها، لكنّ الأخير هدّأ من روعها ليثنيها عن قرارها. لكنها عرفت في قرارة نفسها أنّ مشوارها في السلك انتهى، لتبدأ بالعمل على «فكرة الانتقال إلى القطاع الخاص». تحدثت الحاج عن مشروع شركة تأمين للأمن السيبراني، مدّعية أنّه كان السبب الأساسي لإعادة اتصالها بغبش.
بتمام الثالثة تماماً، بدأ استجواب المقدم الحاج، أي بعد مرور ثلاث ساعات على بدء استجواب المقرصن الإلكتروني إيلي غبش. لم تكد تبدأ حتى انقطعت الكهرباء عن القاعة. غير أنّها بالإصرار والثقة نفسيهما اللذين كان يتحدث بهما غبش، قالت: «كل ما سرده محض افتراء. لم يتّصل بي لتهنئتي على رتبة مقدم. وطبيعة عمله (في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية عندما كانت ترأسه) تحديد هوية الأشخاص على الإنترنت. بقي ثلاثة أشهر ثم غادر». كانت هذه المقدمة مدخلاً لرئيس المحكمة العميد حسين عبد الله للتركيز معها على دافعها للاتصال به بعد انقطاع دام لأشهر. وفيما قال إيلي إنّها اتّصلت به للانتقام ممن تسبب بإطاحتها من مركزها، قالت الحاج: «سؤالي له كان واضحاً. شو عم تعمل بهالأيام، لكنه أثار موضوع عيتاني وأضاف بأن لديه فكرة سيقترحها عليّ». سألها عبد الله عن سبب عدم ردعها له بعدما اقترح عليها مشروعه الهجومي، فردّت: «اعتبرت أنّ في كلامه تضخيماً انطلق من عاطفة غرائزية». وأضافت: «لو أبلغت عنه في حينها، كانوا تمسخروا عليّ». سألها القاضي إن كانت قد طلبت منه محو أثر ما سيقوم به بحق عيتاني، فردّت بأنّها أعقبت برسالة تقول له: «يكفي». فعلّق العميد: «قلت له يكفي لهذا اليوم». وأضاف: «واضح من خلال محادثات الواتساب أنّه كان يخبرك بكل شيء». فردّت بأنّها لم تكن تتفاعل معه. وتعليقاً على ما أدلى به غبش بأنّ الحاج، بعدما نفّذ سلسلة هجمات على عدد من المواقع، طلبت منه الاتصال بقناة «الجديد» وقناة «أل بي سي» وتحديداً بإعلامية تدعى نانسي رزّوق لنشر الخبر. قالت الحاج: «إذا أنا فعلاً طلبت هيك. ليش مش مبيّن أي رقم أنا بعتّلّو اياه!». هنا سأل العميد مجدداً، انطلاقاً من محادثات الواتساب: «قلتِ له «هدوء على الجبهات» مع علامة تعجّب؟». هنا تدخّلت ممثلة النيابة العامة القاضية منى حنقير التي كانت تتابع الاستجواب بدقّة لتسأل: «ليه بالها مشغول عليه؟ ليه دايماً عم تسأل شو صار؟» فأجابت الحاج بالقول: «سيدي أنا أوضحت أن غاية الاتصال به كرمال فريق عمل شركة متخصصة بالأمن السيبراني»، فعلّقت القاضية حنقير: «لم يظهر طوال محادثات الواتساب أنّها سألته عن هذه الشركة التي تتحدث عنها». كذلك رد العميد: «بتسأليه «أكيد ما في أثر؟». وتُرسلين له «شو صار بموقع وزارة الداخلية وقوى الأمن»... ليه كأن عم تطمئني أو تسألي ليش ما صار بعد؟».
خلال مسار الجلسة، علّق رئيس المحكمة بالقول: «لم يتبين لحد الآن أنّك طلبت منه، لكن واضح أنّك موافقة على ذلك». يقصد رئيس المحكمة هنا مسألة فبركة الجريمة للممثل المسرحي زياد عيتاني. سألها العميد عبد الله عن سبب إرسالها صور حسابات كل من زياد عيتاني ورضوان مرتضى إلى المقرصن غبش، فردّت بأنّه بعد اجتماعها به في منزلها للحديث بشأن الشركة التي تُريد إنشاءها. وأثناء مغادرته، سألها عمّا جرى معها. وقالت: «بحثت بسرعة على غوغل وأرسلت الصور له ليشوف إذا في شي مخالف بيعملوه». وأضافت الحاج: «في اعترافات غبش لدى أمن الدولة والمعلومات تحدث عن عثوره على دراسة مقارنة مع الإسرائيليين عثر عليها على حساب عيتاني، وهذا ما دفعه إلى فعلته». سألها العميد عبد الله عن الضياع بين زياد عيتاني الممثل وزياد عيتاني مستشار الوزير السابق أشرف ريفي وقولها لغبش «إنهما شخص واحد»، قالت الحاج: «قلت هوي ذاتو ليحل عنّي». وأضافت الحاج بأنّ غبش هو من أخبرها عن وجود شبهة على عيتاني لدى أمن الدولة، مركّزة على أنّ «إفادات عناصر أمن الدولة لدى القاضي بو غيدا تؤكد على حادثة واحدة وهي عبارة ”بعد ثلاثة أيام أبلغوه (عناصر أمن الدولة) الموافقة على المبلغ المالي وهو ٤٠٠٠ دولار قبل أن ينخفض إلى ١٦٠٠ دولار». وذلك يعني أمراً واحداً أنّه (أي غبش) التزم (بفبركة ملف لعيتاني) لمصلحة مادية». هنا علّق العميد: «إذا كان عم يتابع مع جهاز أمني، ليش بدو يكون في ضياع بين الزيادين. ليش بدو يستشيرك ليأكد أي زياد!؟». ردّت الحاج بأنّها لم تسأله أبداً عن زياد عيتاني قائلة: «أنا كنت ناسيتو، لكنه ذكّرني به». كذلك عرض رئيس المحكمة عدداً من التسجيلات الصوتية، من بينها تسجيل مرسل من غبش إلى الحاج يظهر فيه المقرصن يخبرها أنهم ركّبوا التقرير على زياد المسرحي، متسائلاً إن كان المقصود فعلاً أم أنّ المعني شخص آخر. فردّت بأنّها أحياناً لم تكن تسمع جميع التسجيلات الصوتية، فطلب غبش الإذن بالكلام ليقول: «غير صحيح. انظروا إلى التوقيت. كنت سمعتيه».
ادّعت الحاج بأنّها لا تزال تجهل مصير هواتفها الخلوية حتى اليوم


ورغم أنّ غبش أكّد أنّه التقى الحاج في أحد المقاهي في كفرحباب لأخذ موافقتها بشأن تسليم ملف عيتاني المفبرك إلى أمن الدولة، قالت الحاج إنّها تسلّمت منه ملف الشركة الخاصة فقط.
هنا تدخّلت القاضية حنقير لتسأل الحاج: «لماذا رفضتِ تسليم هواتفك إلى شعبة المعلومات؟»، فردّت الحاج: «اتصلوا بي من شعبة المعلومات وطلبوا مني الحضور من دون أجهزتي». هنا علّقت القاضية بأنّ الحاج أجابت في التحقيق بأنّها تجهل مصير هذه الأجهزة، فردّت المقدم بأنّ ذلك كان أثناء التحقيق لكونها تركت الهواتف في المنزل (علماً بأنّه دُوّن في محضر التحقيق أنّ محققي المعلومات اتّصلوا بأفراد عائلتها لطلب إحضار الهواتف، لكنهم ردّوا بأنّهم لا يعرفون مكانها). وقد عاودت ممثلة النيابة العامة سؤالها عن هواتفها، فردّت الحاج بأنّها تجهل مصيرها حتى اليوم، مدّعية أنّها سألت عائلتها عنها، فلم يجيبوها. وتحدثت عن اعتقادها بأنّ يكون أحد أفراد عائلتها قد أتلفها بعد الفضيحة حرصاً على صورها. وتوجهت الحاج إلى رئيس المحكمة بالقول، لقد سلّمت فرع المعلومات كل كلمات المرور الخاصة بالـ icloud التي تمكنهم من الاطلاع على ما يوجد في الهاتف.
بالزخم نفسه، بدأ غبش الاستجواب. ورغم أنّ بداية الجلسة أثارت جلبة بعد إخراج المقرصن الغبش من قاعة المحكمة لفحص ضغطه بعد قوله لرئيس المحكمة: «الضغط عم يلعب، بس القلب منيح». وهذا ما أثار استياء وكلاء المقدم الحاج بعد إعلان موكّله أنّ غبش في الجلسة الماضية لم يكن على ما يُرام وكان في المستشفى قبل الجلسة. هنا سجّل وكلاء المقدم الحاج تحفّظهم على مكان توقيف غبش لدى فرع المعلومات. وأبدوا تخوّفهم من أنّ العودة عن أقواله في الجلسة السابقة ((قبل أسبوعين، راجع «الأخبار»، 26 كانون الثاني 2019) تعني أنّ هناك ضغطاً يتعرّض له الموقوف. أوّل كلام غبش بعد دخوله إلى القاعة مبادرته رئيس المحكمة بالقول: «هل تسمح لي بالكلام فأخبرك عن كل شيء؟ وليش أنا تشارطت مع زوجتي؟»، فعلّق رئيس المحكمة بأنّ عليه الإجابة عن الأسئلة المطروحة مستعيداً ما قاله في الجلسة السابقة. سأله القاضي عن إحدى الصور التي أرسلها غبش للحاج بشأن هجمات القرصنة على عدد من المواقع، فردّ غبش بثقة: «هذه الصورة لا يعقل أن تكون مرسلة في هذا السياق». وقد بدا مصيباً بعدما تبيّن أنّها مرسلة في توقيت آخر. قاطعه رئيس المحكمة ليسأل: «قمت بالهجوم (على مواقع إلكترونية لمؤسسات رسمية ووزارات) بطلب منها أو اقتراح منك؟»، فرد غبش بحزم: «كنت عم آخذ توجيهات، مش بس طلب». تدخّلت المقدم لترفع يدها قائلة: «سيّدي. لقد تجاوزتَ المحادثة». عاد رئيس المحكمة للمحادثة المذكورة، لكنه استمهل المقدم للكلام عندما يحين وقت استجوابها. سأل العميد عبد الله: «متى طُرح ملف زياد؟ فرد غبش بأنّ ذلك حصل في اليوم نفسه الذي أرسلت له موقع منزلها. سأله عبد الله عن سبب إرسال الحاج صور لحسابات رضوان مرتضى وزياد عيتاني على هاتفه، فردّ بأنّها أخبرته أنّ عيتاني نسخ إعجابها بالتغريدة ومرتضى نشر الخبر. وأبلغ القاضي أنّها سألته: «شو بينعملّن؟»، فرد غبش بأنّ لديه قناعة أنّ كل شخص يخبّئ شيئاً ما وأنّه سيُضيء على ذلك في الإعلام. فعلّقت: «بدي شي محرز. مخدرات أو دعارة». وأضاف: «قالتلي إذا ما بتلاقي شي محرز. اعملن عملاء». هنا تدخّل رئيس المحكمة مقاطعاً: «في الجلسة الماضية لم تذكر ذلك». فردّ غبش: «المرة الماضية كنت ضايع. ما كنت عارف أول اجتماع من ثاني اجتماع من ثالث اجتماع». وأضاف قائلاً: «لحتى ما ينقال عم دوّر زوايا. اللي كنت قصدي عنهن وقت خبّرتك إنو المقدم قالتلي اعملن دليل هني أسعد بشارة ووسام سعادة». كذلك تحدث غبش عن اللغط الذي حصل بينه وبين المقدم الحاج بشأن هوية زياد عيتاني المقصود. شرح غبش كيفية فبركة الملف والتلاعب بالأدلة عبر خلق حساب وهمي بصورة امرأة مثيرة تطلب صداقة عيتاني، ثم تحوّل اللغة العربية إلى عبرية والصورة إلى علم إسرائيل. وبعد انتهاء الاستجواب، أُعطي الإذن لوكلاء المقدم لطرح أسئلة على غبش، فسأله أحدهم: «هل تقاضيت مالاً من أمن الدولة مقابل ملف زياد عيتاني؟»، فرد بالقول: «أخذت 1600 دولار، وعرضوا عليّ 5 آلاف دولار إذا بلاقي أي شي على رضوان مرتضى». وقد تحدّث غبش عن أنه تواصل مع أحد عناصر أمن الدولة إيلي برقاشي وقال له: «أحد معارفي رجل أعمال أبلغني أنّ لديه شكوكاً عن اتصالات مشبوهة لعيتاني ومرتضى»، فرد برقاشي: «صرلنا سنتين راصدين زياد عيتاني». وأضاف، بعد توقيف عيتاني، اتّصل بي برقاشي عبر الواتساب ليسألني: «رضوان مرتضى ما بيّن عليه شي؟ أكيد مصدرك عندو معلومات». وعلّق غبش عندما تحدث رئيس المحكمة عن أسبقيات في سجله لناحية الفبركة، بالقول: «آيزاك دغيم، صحيح (فبركت له ملفاً) بسبب خلاف شخصي. أما عيتاني فكنت أنفّذ طلبات المقدم. أما و. ن. فلم أفبرك له والتحقيق قائم. والمحامي د. لم أفبرك له، والتحقيق لا يزال قائماً».
كذلك استُمع إلى إفادة العسكري المتقاعد آيزاك دغيم الذي سُجن ٥٠ يوماً بعد فبركة جرم تواصل له مع الموساد الإسرائيلي. وإذ أكد العسكري المتقاعد أنّه لا يوجد معرفة بينه وبين إيلي غبش، تحدث عن خلافه مع شقيق غبش، الضابط بالجيش. وذكر أنّ الضابط جاره في السكن، وقد اختلفا بسبب خزّان مياه. ثم تحدث كيف تعرّض للضرب وأُجبر على التوقيع على اعتراف لدى استخبارات الجيش قبل أن يخلي قاضي التحقيق سبيله. وبعد الانتهاء من الاستماع إلى إفادته، علّق غبش بالقول: «كل شي قالوا آيزاك، هيدي أول مرة بسمعو».
وطلب وكلاء الحاج استدعاء كل من عنصرَي أمن الدولة جبران مسّي وإيلي برقاشي والممثل المسرحي زياد عيتاني بصفة شهود. وقد أرجأ رئيس المحكمة الجلسة إلى الحادي والعشرين من الشهر الجاري.