كان لافتاً أن الأسواق المالية لم تستقبل تأليف الحكومة بشكل إيجابي. أبلغ تعبير عن هذه الحالة ورد في تقرير صدر أمس عن مصرف «غولدمان ساكس» الأميركي، الذي أشار إلى أن تأليف الحكومة كان ضرورياً ولكنه ليس كافياً. كلام غولدمان ساكس يعكس حقيقة أن استعادة الثقة بالوضع المالي اللبناني تتطلب خطوات عملية ملموسة وليس مجرّد خطوة سياسية تأخّرت نحو 9 أشهر.سجّلت أمس أسعار بعض سندات الدين اللبنانية بالعملات الأجنبية (يوروبوندز) المتداولة في الأسواق الدولية، تراجعاً غير متوقع في ظل تأليف الحكومة اللبنانية. السندات المستحقة في 2028 كانت انخفضت بنسبة 0.46% إلى 83.1 دولاراً بعدما كانت ارتفعت قبل يوم واحد على تأليف الحكومة من 79 دولاراً إلى 83.5 دولاراً. كذلك انخفضت أسعار السندات التي تستحق في 2037 بنسبة 1.7% إلى 80.5 دولاراً بعدما كانت قد ارتفعت قبل يوم من تأليف الحكومة من 77.7 دولاراً إلى 83.3 دولاراً. وفي المقابل ارتفعت أسعار السندات التي تستحق في 2028 بنسبة 0.7% لتبلغ 96.3 دولاراً.
هذا التذبذب في الأسعار من يوم ليوم، مردّه أنه كانت هناك تدخلات محلية لتهدئة السوق قبل يوم واحد من تأليف الحكومة. بعض المطلعين يشير إلى أن مصدر الطلب على السندات كان مصرف لبنان أو بإيعاز منه، ما دفع أسعار السندات إلى الارتفاع ليوم واحد قبل أن تعود إلى الانخفاض بعد تأليف الحكومة.
أيضاً كان لافتاً أن السندات القصيرة الأجل هي التي سجلت ارتفاعاً طفيفاً في مقابل تراجع أسعار السندات التي تستحق في المدى المتوسط والبعيد، وهذا يعود إلى كون السندات القصيرة الأجل باتت قريبة من أجَل استحقاقها، أي أنه لا طائل من بيعها وهو ما يدفع أسعارها إلى الارتفاع. أما السندات ذات الأجَل المتوسط والبعيد، فإن أسعارها تعكس طبيعة المخاطر التي لا تزال محدقة بلبنان.
وفي البورصة المحلية لم يسجّل انتعاش حقيقي في أسعار الأوراق المالية المتداولة، خصوصاً في أسعار أسهم سوليدير التي لم ترتفع بأكثر من 1.71% لسهم سوليدير من فئة (ب)، و1.35% لسعر السهم من فئة (أ). أما حجم التداولات في هذين السهمين فقد بلغ 56156 سهماً. وهذا يعني أن السوق لا تزال ترى وجود مخاطر مرتفعة في لبنان.
وكان المصرف الأميركي «غولدمان ساكس» قد أصدر تقريراً عن لبنان بعنوان «تأليف الحكومة اللبنانية: وأخيراً، ماذا بعد؟». يتطرق التقرير إلى الإيجابيات والمخاطر التي نتجت من تأليف الحكومة، مشيراً إلى أن تأليف الحكومة يخفف، على المدى القصير من مخاطر عدم الاستقرار السياسي، ما يجب أن يشكل دعماً لأسعار سندات اليوروبوندز، إلا أن التحديات المالية أمام لبنان تكمن في أن يتمكن من خفض مستوى الهشاشة الخارجية».
موديز: الوضع المالي في لبنان يبقى الأضعف بين التصنيفات السيادية


المقصود بالهشاشة الخارجية، هي حاجة لبنان إلى التدفقات الرأسمالية بالدولار الأميركي التي تموّل الاستهلاك الخاص والعام. فالتدفقات تموّل عجز الميزان التجاري، وتموّل أيضاً جزءاً من عجز الخزينة. لذا، يتوقع المصرف الأميركي من أن تكون هناك فجوة تمويلية خارجية بقيمة 11 مليار دولار ناتجة من ارتفاع العجز في الحساب الجاري الذي يدخل في احتسابه عجز الميزان التجاري والمالي، إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي. وبحسب التقرير فإن قيمة هذا العجز تبلغ 15 مليار دولار يتم تغطية جزء منها من خلال تحويلات المغتربين وتحويلات أخرى بقيمة إجمالية 9 مليارات دولار. ويشير إلى أنه يمكن تغطية 3.5 مليار دولار إذا تمكّن لبنان من تمويل استحقاقات سندات اليوروبوندز في عام 2019 من السوق، على أن يتم تمويل جزء من العجز من خلال دعم خليجي بقيمة 3.5 مليار دولار يدخل ضمنها مبلغ الـ500 مليون دولار التي ستشتري بها قطر سندات يوروبوندز، ومن الدعم السعودي أيضاً المتوقع أن يكون على شكل وديعة في مصرف لبنان.
هكذا تتراجع الفجوة في التمويل الخارجي إلى 4 مليارات دولار، وهو مبلغ يمكن مصرف لبنان تمويله بسهولة من خلال تعزيز احتياطاته بالعملات الأجنبية البالغة 33 مليار دولار.
على أي حال، يرى المصرف الأميركي أن التمويل الخارجي سيكون مرتبطاً بعناوين المخاطر، إذ يعتقد أن الحكومة لديها الفرصة للاستفادة من اللحظة الراهنة (لحظة تأليف الحكومة) من أجل تحسين التوقعات. لكن على المدى المتوسط والقصير فإن التحديات التي تواجه لبنان ستبقى قائمة، لا سيما ارتفاع عجز الحساب الخارجي إلى أكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي.
لذا، يخلص التقرير إلى أن تأليف الحكومة كان ضرورياً ولكنه ليس كافياً.
في السياق نفسه، علّقت نائبة رئيس البنك الدولي والمحللة الرئيسية في «موديز» اليزا باريزي كابون، على تأليف الحكومة اللبنانية بالإشارة إلى أن «موديز تتوقع من الحكومة بعض الإصلاحات المالية من أجل الإفراج عن التمويل الخارجي (أموال سيدر)»، لكنها أشارت إلى أن «الاختلالات المالية ستبقى خاضعة لكثير من التحديات طالما أن نمو الودائع يبقى ضعيفاً بسبب عدم اليقين بشأن قدرة الحكومة على فرض الاستقرار الاقتصادي، ما يعني أن تصنيف لبنان سيبقى من الأضعف بين تصنيفات الديون السيادية التي نقوم بها».