الأسبوع الماضي، كشفت العاصفة «نورما» المستور في ثلاثة أيامٍ فقط. فاضت مجاري المياه والصرف الصحي وأغرقت الشوارع، وسقطت جدران يفترض أنها بُنيت لـ«الدعم»!… رغم ذلك خرج من يهنئ على «التنسيق» بين الوزارات والمؤسسات المعنية في مواجهة تداعيات العاصفة. أما «وحدة إدارة مخاطر الكوارث»، وهي هيئة رسمية يُفترض أن تكون ناشطة في مثل هذه الظروف، فلم يُسجّل لها نشاط يذكر.والواقع أن إنشاء الوحدة، قبل أربع سنوات، جاء «فضّاً لمشكل طائفي» بعدما حالت الخلافات دون إقرار اقتراح قانون «هيئة إدارة مخاطر الكوارث» في اللجان النيابية المشتركة. يومها، اقترح رئيس الحكومة تمام سلام إنشاء الوحدة برئاسة الأمين العام لمجلس الوزراء، على أن تنسّق مع الوزارات والإدارات المعنية «للمساعدة». فيما «نام» اقتراح القانون في «مقبرة» اللجان النيابية بعدما بقي قيد البحث لـ 15 عاماً! إذ بدأت الفكرة عام 2001 مع اقتراح الوزير الراحل بيار الجميل، في مجلس النواب، إنشاء «الجهاز الترقبي للحوادث»، وأعاد النائب السابق محمد قباني إحياءه بعد سقوط 27 ضحية في انهيار مبنى فسوح في الأشرفية عام 2012، بتسمية أخرى هي «هيئة إدارة مخاطر الكوارث». يشدّد قباني على ضرورة إحياء البحث في القانون، «وهذا بات واجباً وطنياً لأسباب كثيرة، أهمها الجرصة التي تحلّ بنا كلما أمطرت أو هبّ هواء بسرعة غير معتادة».

«الوحدة»: صلاحيات محدودة
في العاصفة الأخيرة، «فعلنا ما هو ضمن طاقاتنا وإمكاناتنا»، يقول مدير الوحدة زاهي شاهين. كان ذلك أقرب إلى «جهد شخصي». فماذا يمكن أن تفعل وحدة قوامها خمسة أشخاص ومن دون صلاحياتٍ واضحة ينص عليها القانون؟ صحيح أن لديها صلاحية الإستعانة «بمن تشاء من الإدارات الرسمية والمعنية وبالموارد التي تحتاجها»، إلا أنها تبقى صلاحيات أقرب إلى «المَوْنة»، لأنها «لم تعط الصلاحية اللازمة، بحسب القانون، ليكون لديها فريق عمل متكامل».
«وحدة إدارة مخاطر الكوارث» مؤلفة من خمسة أشخاص من دون صلاحيات قانونية

ولأن لا سند قانونياً للوحدة، ولا يمكن للغرف التي استحدثت في المحافظات (بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في إطار مشروع تعزيز قدرات إدارة مخاطر الكوارث في لبنان) سد العجز، يصبح من الملحّ استعادة النقاش حول اقتراح قانون «هيئة إدارة مخاطر الكوارث»، في محاولة لتفادي الكوارث التي تنتهي عادة بتعويضات «العطل والضرر» بدل المعالجة الجذرية للمشكلة. فالكارثة - في الغالب - لا تحلّ فجأة، بل تسبقها إنذارات يفترض أن تخفف من مخاطرها عبر مواجهتها بإجراءات استباقية وقائية للتخفيف من وقعها، ثم الإستجابة وإعادة التأهيل. في الحالة اللبنانية، لا وجود لهذا كله: تحلّ الكارثة رغم أنها تكون متوقعة، فتعيش الإدارات تخبّطاً كمن فوجئ بوقوعها! وفي الغالب، «نصل إلى مرحلة دفع التعويضات، فيما تبقى الأضرار على حالها»، يقول شاهين.

«قشّة» المادة الثامنة
لماذا سقط مشروع القانون؟ قد تكون المادة الثامنة في المشروع هي «مربط الفرس». فهذه المادة التي توصّف ماهية الهيئة المفترضة، تحمل في آخرها «اللغم» الذي فجّر جلسة اللجان المشتركة. وبما أن الهيئة ستصبح هي «الجهة الرسمية الوحيدة المعتمدة لكل أعمال الكوارث والإنقاذ»، فمن الطبيعي أن «تلغى سائر اللجان والمديريات التي أنشئت في السابق لهذا الهدف، ولا سيما الهيئة العليا للإغاثة والمديرية العامة للدفاع المدني، على أن تنتقل إلى الهيئة جميع مهماتهما وأعمالهما وموجوداتهما العينية والمالية والبشرية». كانت هذه «القشة التي قصمت ظهر» الاقتراح. فالهيئة العليا للاغاثة والمديرية العامة للدفاع المدني، وغيرهما من هيئات ومجالس وصناديق، كلها مرتبطة بمراجع سياسية وطائفية، وتستخدم في شراء الولاءات السياسية، وبالتالي فإن إنهاء عمل أي منها هو إغلاق لباب من أبواب الزبائنية بما لا يلائم هذه المراجع. يتحدث شاهين عن «خطأ فاضح» في مشروع القانون، إذ «ليس من المنطقي أن أنشئ هيئة وألغي هيئات موجودة أصلاً، وإنما يمكن أن ننشئ هذه الهيئة بمهام مستقلة لا تتعدى على صلاحيات أي من الهيئات الموجودة، على أن يكون التنسيق قائماً بين الجميع»! غافلاً عن أن «كثرة الطباخين» والهيئات لم تجد نفعاً سابقاً، وأن هذا «التنسيق» هو ما افتقده النظام في العاصفة الأخيرة، وما يفتقده في مواجهة أية عاصفة قد تأتي.