يكاد ينقضي اسبوع على اجتماع الرئيس المكلف سعد الحريري والوزير جبران باسيل، الاربعاء الفائت، وانتهائه بتسلّم الحريري من زائره خمسة اقتراحات يصير الى درسها بالتزامن مع اجراء مشاورات، في الايام التالية، بغية استخلاص مخرج للمأزق الحكومي. مذذاك لم يظهر الى العلن اي مؤشر ايجابي الى اي من الاقتراحات الخمسة، ولا اخرج الاجتماع الرئيس المكلف من اعتكافه. ومع ان تحرّك باسيل اوحى بأنه يستكمل مهمة المدير العام للامن اللواء عباس ابراهيم حيث توقفت، الا ان الواقع افصح عن مأزق لا يزال يدور من حول نفسه. ظاهره خلاف على المقعد الذي يفترض ان يشغله الوزير السنّي السادس ممثل النواب السنّة الستة، وباطنه ان الافرقاء المعنيين ينتظرون حدثاً ما من الخارج.
قيل مراراً في الاشهر الاولى من التكليف ان ايران تمنع تأليف الحكومة. قيل ايضاً ان السعودية وراء العرقلة حتى تستعيد تطبيع علاقتها مع الحريري. ثم قيل ان مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في 2 تشرين الاول والحملات التي تعرّضت لها المملكة على الاثر، وذهاب الحريري اليها وعودته، سهّلا التوصل - او كاد - الى تأليفها في 29 تشرين الاول. قيل ايضاً ان اعلان واشنطن في 14 تشرين الثاني فرض عقوبات على حزب الله حمله على التشدد، ثم تراخى بعد 10 كانون الاول اذ اكتشف عدم فاعلية العقوبات تلك، فسهّل مبادرة رئيس الجمهورية ميشال عون. يقال في الوقت الحاضر ان التحوّل العربي حيال سوريا والاقتراب منها يساهم في جمود التأليف، ريثما يتأكد مصير عودتها الى الحظيرة العربية وتوقيته. من ثم ربط التأليف بهذا الاستحقاق مع تصاعد اصوات في الداخل، مؤيدة واخرى منددة، توحي بعودة دمشق الى اللعبة الداخلية من خلال حليفها القوي حزب الله.
على نحو كهذا، يبدو البعض المطلع متيقناً من الانتظار، وربما غير القليل، ريثما يحل تقاطع اقليمي ما. لعل اسوأ ما باتت تلتقي عليه تكهنات الافرقاء المختلفين ان الخارج يؤلف الحكومة، لكنه يمنع تأليفها كذلك.
مع ذلك تخفّى باطن المأزق وراء ظاهره.
منذ اطلق رئيس الجمهورية، لشهر خلا في 10 كانون الاول، سلسلة مشاورات انبثقت منها في الايام التالية مبادرة لحل مشكلة المقعد السنّي السادس، بدا كأن تأليف الحكومة اتخذ منحى جديداً. اخرج الرئيس المكلف - المعني الدستوري الاول - نفسه من هذا الاستحقاق معلناً الاعتكاف والتزام الصمت. من دون التوقف عن القول انه هو صاحب الصلاحية، تحلل في الواقع من هذه المهمة وتفرّج. انضم اللواء ابراهيم الى الجهود، ثم - كما في الموازاة - وزير الخارجية، فظهر الى العلن اتفاق على جواد عدرا وزيراً يمثل النواب السنّة الستة الذين لم يعترضوا، بادىء بدء، على ادراج اسمه في لائحة اربعة اسماء مقترحة. سبق الكشف عنها موافقة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف وحزب الله سلفاً على الاسم. فجأة ظهر خلاف على مسألة رافقت التكليف في الاشهر السبعة المنصرمة، هي تمسّك رئيس الجمهورية بحصوله وحزبه على الثلث+1 في مقاعد الحكومة.
في شهر ونصف شهر قدّم حزب الله برهانين على قوة الفيتو


على مرّ الاشهر تلك لم يطفُ الى السطح اي اعتراض علني، الى ان اصبح هذا الاعتراض جدياً في الدقائق الاخيرة، عندما اوشك تأليف الحكومة، للمرة الثانية، قبل اسبوعين. بذلك بدا الخلاف على الثلث+1 وتوقيته بالذات، سواء لمن يصر عليه او مَن ينكره على المطالب به، في صلب العقبات المستعصية. بيد انه تداخل مع عوامل عدة اخرى:
اولها، ان الحريري الذي لم يكن يريد الوزير السنّي السادس من حصته هو، ولا توزير اي من النواب السنّة الستة، لم يرضه مجدداً اصرار هؤلاء على ان يكون الوزير الذي يمثلهم عضواً في صفهم. لاقى رئيس الجمهورية في ابقائه في حصته، وهو دافع موافقته على تسمية عدرا. مع انه لم يكن جزءاً من الحل، بل أُرغم على القبول به، يكتفي الآن بوضع الفيتو على اي اسم سوى عدرا. كل ذلك من دون ان يبدو معنياً بما يجري من حوله.
ثانيها، لم يُنظر بعين الرضا الى تحفظ قيل ان حزب الله سجله، مع ان مواقفه المعلنة لم تكن كذلك. رغم نفيه، ذُكر ان الحزب امتعض من اصرار باسيل على ضم الوزير السنّي السادس الى كتلة حزبه، ورفضه. اذذاك عُزي اليه انه، للمرة الثانية في شهر ونصف شهر فقط، يفرض واقعاً جديداً على تأليف الحكومة، ويجعل من نفسه شريكاً فعلياً فيه: الاولى عشية 29 تشرين الاول عندما ربط تسليمه لائحة وزرائه الى الحريري بتوزير ممثل للنواب السنّة الستة فأوقف تأليف الحكومة مذذاك دونما القدرة على تجاوزه، والثانية عندما اصر على تموضع الوزير السنّي السادس مع النواب السنّة الستة. مغزى هذا الاعتراض رفض حصول حزب الرئيس على الثلث+1 في الحكومة. بذلك قدّم حزب الله برهاناً ثانياً الى قوة الفيتو الواقعي الذي بات يملكه بازاء تسهيل تأليف الحكومة، او عرقلته. وبمقدار ما اتاح تسهيل الحل عند الاتفاق على اسم عدرا، وقف في طريقه حيال تموضعه.
في الاوساط الوثيقة الصلة بالحزب، ليس ثمة ما يخشاه من استخدام هذا النصاب، وفي الغالب لا يصح استخدامه الا في ظل موازين قوى مساعدة ومبرّرة، كاستقالة حكومة الحريري عام 2011. حينذاك كان قرار الحزب الذي لم يكن يملك النصاب الموصوف الا مع حلفائه. عندما كان هذا النصاب في حوزة تيار المستقبل وحلفائه عام 2005 فرض على خصومه طلب انشاء محكمة دولية للبنان. الحجة المعلنة للحزب انه لا يريد سابقة وضع الثلث+1 في عهدة طرف سياسي واحد، لا ائتلاف احزاب، رغم معرفته بأن هذا الطرف، وبالذات رئيس الجمهورية، حليف اساسي له.
ثالثها، من دون ان يكون راضياً عن اعتكاف الرئيس المكلف واكتفائه بالتفرّج على الافرقاء الآخرين هو المعني بايجاد حل للتأليف معهم، يرى رئيس الجمهورية ان مسؤوليته المباشرة عن انقاذ العهد لا تزيد كثيراً عن مسؤولية الحريري، الشريك الفعلي له في الحكم. عليه بدوره ان يصنع الطبق لا الاكتفاء بتناوله. في الاشهر الاولى من التكليف، مع تنامي التعثر، صُوبّت سهام الاتهام الى عون على انه لا يساهم في انجاز استحقاق هو شريك اصلي فيه. في الشهر المنصرم، مذ باشر مشاوراته وطرح مبادرته، اتته سهام من جهات اخرى تتهمه بتجاوز صلاحياته الدستورية. بيد ان احداً لا يسأل: اين الرئيس المكلف؟