الكل يُدرك الحل لكن أحداً لا يقربه. حتى الآن لم يُعرب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام أي ممن التقاهم، في إطار جولته الجديدة من المحادثات، عن استعداده لتمثيل السنة المستقلين من حصته، حتى لو تلميحاً. كما لم يُقدّم أي اقتراح آخر. فيما كان الوزير جبران باسيل يؤكد أن الحل لا يزال بعيداً عبر إصراره على الثلث زائداً واحداً، لكن ليس بصفته ثلثاً معطلاً بل لأنه حق لتكتله، كما قال من لندن. أما الرئيس سعد الحريري فلم يُغيّر من موقفه الرافض لتمثيل «اللقاء التشاوري» في الحكومة، وإن أكد أمس أن «الحكومة ستشكّل قريباً، لأن الجميع يعلم أن الاستقرار الاقتصادي أهم من أي أجندة سياسية».لماذا الإيحاء بالإيجابية من رئيس الجمهورية أولاً ثم من الحريري ثانياً، طالما أن العقدة لا تزال نفسها وطالما أن الحل لا يزال مرفوضاً؟
لا يمكن عزل مبادرة الحل المتمثلة بجولة المفاوضات الجديد عما سبقها من توتر ارتبط بما نُقل عن رغبة عون في سحب التكليف من الحريري، من خلال رسالة إلى المجلس النيابي. حتى توضيح رئاسة الجمهورية لم يخرج كثيراً عن هذا السياق، حيث أكد مكتب الإعلام في بعبدا، حينها، أن رئيس الجمهورية «يعتبر أن حق تسمية دولة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة منحه الدستور إلى النواب من خلال الاستشارات النيابية الملزمة. وبالتالي، فإذا ما استمر تعثر تشكيل هذه الحكومة، من الطبيعي أن يضع فخامة الرئيس هذا الأمر في عهدة مجلس النواب ليبنى على الشيء مقتضاه».
كان التوضيح كافياً ليزور الرئيس نبيه بري بعبدا مقترحاً غض النظر عن الرسالة، التي كانت ستؤدي إلى انقسام كبير في البلد، خصوصاً بين المستقبل والتيار الوطني الحر ورئاسة الجمهورية. إذ كان تردد حينها أن كتلة المستقبل ستقاطع الجلسة، ما يعني عملياً احتمال أن لا تقرأ الرسالة، إذا لم يدع بري إلى الجلسة تجنباً للانقسام، أو أن تُقرأ ولا يُؤخذ بها. وفي الحالتين كان الأمر سيكون بمثابة فشل لرئيس الجمهورية.
وإن كانت المفاوضات لن تحمل أي طرح جدي للحل، إلا أن حكومة الـ32 وزيراً لا تزال الأكثر قابلية من رئاسة الجمهورية، كما حافظ جبران باسيل على حماسته لها. إلا أن مشكلتها أن الحريري رفع في وجهها الفيتو، لأنها تؤدي إلى ثلاث خسائر مباشرة: تسجيل سابقة بتوزير علوي، توزير سني للمعارضة من حصته خلافاً لما يريد، وتثبيت حصول باسيل على 12 بدلاً من 11 وزيراً (بعد زيادة المقعد السرياني إلى حصته)، فيما تجزم مصادر متابعة أن رئيس الحكومة لم يعد يؤيد حصول التيار الوطني الحر على 11 وزيراً حتى.
مع سقوط فكرة الـ32 وزيراً، والتي تلاها سقوط سريع لحكومة الـ18 وزيراً، عاد الجهد لينصب على إيجاد الحل عبر الحكومة الثلاثينية، ومن خلال تسجيل كل طرف من الأطراف الثلاثة، رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة واللقاء التشاوري، نصف خطوة إلى الأمام ونصف خطوة إلى الخلف (توزير ممثل للقاء من خارجه ومن حصة رئيس الجمهورية). كاد هذا الحل أن ينضج منذ نحو عشرة أيام، من خلال المسعى الذي قام به اللواء عباس إبراهيم لإقناع اللقاء التشاوري بتسمية ثلاث شخصيات ليختار رئيس الجمهورية منها واحداً. لكن لم يصل هذا المسعى إلى مبتغاه بسبب تمسك الوزير جبران باسيل بحصة من 11 وزيراً، فعادت الأمور إلى نقطة الصفر.
لماذا يحق لكل الأطراف تسمية وزرائهم ولا يحق للقاء التشاوري تسمية وزيره؟


هنا، تبين بالنسبة لأكثر من جهة أن العقدة تقف عند جبران باسيل تحديداً، لكن لماذا يتمسك رئيس التيار الوطني الحر بالثلث المعطل، وفي وجه من يمكن أن يستعمله؟
هل يمكن أن يستعمله في وجه الحريري وهو يدرك أنه شريكه الأول في حكومة العهد؟ وهل يمكن أن يستعمله في وجه حزب الله وهو الذي ينتظر منه أن يكون نصيره الأول في معركة رئاسة الجمهورية؟ إذا كانت الإجابة نفياً في الحالتين، يبقى أن وزير الخارجية إنما يريد أن يثبّت نفسه في اللعبة الداخلية دستورياً وليس سياسياً فقط، بحيث يبقى قادراً على منع غيره من تحقيق أي إنجاز، والأدق إبقاء القوات في موقع الضعف إلى أن يحين موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن في المقابل، ثمة من يوضح أن باسيل إنما يتعامل مع الأمر بشكل مبدئي، انطلاقاً من سعيه إلى تثبيت عرف حصول رئيس الجمهورية وفريقه السياسي على الثلث المعطل في أي حكومة مقبلة.
كثيرة هي الاحتمالات، لكن أياً منها لا يبدو مقنعاً بالنسبة لأحد العاملين على خط التأليف. بالنسبة له المعادلات السياسية وموازين القوى هي التي ستحدد مستقبل الرئاسة أو مستقبل الحكم في لبنان، وهي في كل الأحوال لن تكون مرتبطة بعدد وزراء كل فريق.
لذلك، مرة جديدة، يبدو الحل محكوماً بتنازل باسيل عن موقفه. تلك خطوة أولى تعيد تفعيل مبادرة رئيس الجمهورية، الذي سعى إلى الحصول على تنازل مجاني من أعضاء اللقاء التشاوري، يتمثل في إعلان موافقتهم على التمثل بوزير ليس من بينهم. وهو ما اعتبره أعضاء اللقاء تنازلاً عن أمر لا يملكونه، طالما أن أحداً لم يبلغهم رسمياً الموافقة على حصولهم على مقعد وزاري. لكن قبل ذلك، لديهم سؤال لم يجب أحد عليه: لماذا يحق لكل الأطراف تسمية وزرائهم ولا يحق للقاء التشاوري تسمية وزيره؟