بكثير من الضجيج الإعلامي والدبلوماسي، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي أمس «مناورة» عسكرية على الحدود مع لبنان، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحت عنوان البحث عن أنفاق حفرتها المقاومة. العملية التي منحها جيش العدو اسم «درع الشمال» بدأت من مستعمرة المطلة، قبالة بلدة كفركلا (قضاء مرجعيون)، حيث زعم العدو اكتشاف أحد الأنفاق.وطوال السنوات الماضية، كانت الأنفاق، بصرف النظر عن حقيقة وجودها، مدار سجال إسرائيلي، وأخذ ورد بين المستوطنين والمؤسسة العسكرية التي كانت ترفض هذه الفرضية. واستند هذا الرفض الى انه في حال قرر حزب الله التوغل شمال فلسطين المحتلة، فلن يكون بحاجة إلى هذا النوع من الوسائط، لسهولة الخرق المباشر، لخصوصية الطبيعة الجغرافية بين الجانبين.
رغم ذلك، أكدت إسرائيل، أمس، بعد مقدمات استمرت أسابيع وحملة دعائية واسعة، انها اكتشفت نفقا هجوميا يمتد من الأراضي اللبنانية إلى ما وراء الحدود، وفي انتظار «اكتشاف أنفاق أخرى». الحملة الدعائية جاءت لافتة جدا، مع محاولة توظيفها بوصفها نجاحا في مسيرة الصراع مع المقاومة. والاهم انها رحّلت مأزق رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو والملاحقة القضائية التي تحاصره إلى الخلف، وحولت الاهتمام الجماهيري، من جديد، باتجاه التهديد الأمني.
في رواية إسرائيل شكلا ومضمونا ومناسبة، دلالات من المفيد الإشارة إليها:
«كشف» الأمس عن النفق وعما سمي «حملة عسكرية» تمتد أسابيع، سبقه، وبوتيرة مرتفعة، تهويل استمر منذ الإعلان عن وقف النار في قطاع غزة الشهر الماضي، وشمل إشارات وتلميحات، من بينها أن إسرائيل ستقدم على تنفيذ «حدث أمني هام شمالا» من شأنه ان يجر إلى مواجهة عسكرية. كما سبقت الإعداد لهذا «الحدث الهام» مواقف وتهديدات للبنان وحزب الله، والإعلان عن مناورات عسكرية غير مسبوقة، وتمديد ولاية رئيس أركان جيش الاحتلال غادي ايزنكوت أسبوعين، وتشديد على أن «الحدث الأمني الهام» هو سبب قبول العدو وقف النار مع قطاع غزة وما رافقه من صورة انكسار وذلّ. وشمل التهويل، أيضاً، اللجوء إلى الأميركيين لتجنيد تأييدهم و«موافقتهم»، مع سردية متطرفة في علانيتها.
رئيس كتلة المعارضة الإسرائيلية: هل هذه عملية درع الشمال أم درع نتنياهو؟


وإذا كانت إسرائيل تريد العمل على اكتشاف ما تقول انها أنفاق، وكانت بحاجة إلى مثل هذه المقدمات، وإلى تجنيد الأميركيين الذين سارعوا إلى نجدتها عبر تصريحات مستشار الأمن القومي جون بولتون، فهذا لا يدل سوى على منسوب الردع المرتفع الذي تشكّله قوة حزب الله في مواجهة العدو.
في ذلك تبرز مقارنة «يديعوت أحرونوت»، ذات الدلالات، بين موقف اسرائيل من أنفاق غزة والموقف من «أنفاق» حزب الله. معلق الشؤون العسكرية في الصحيفة اشار إلى أنه «عندما تكون رادعًا، فإنك تعمل على داخل قطاع غزة لاكتشاف أنفاق حماس وتسمّيها عملا وقائيا، لكن عندما تكون مردوعا فإنك تعمل على اكتشاف الأنفاق داخل اراضيك وتسمّيها عملية عسكرية».
بدورها، ارتابت المعارضة في تل أبيب من توقيت الحملة. وقال رئيس كتلة المعسكر الصهيوني (حزب العمل) عضو لجنة الخارجية والأمن يؤال حسون إن «المعارضة تطالب بأجوبة، فهل هذه عملية درع شمالي أم أنها درع نتنياهو؟ نطالب بعقد نقاش مستعجل في لجنة الخارجية والأمن للاطلاع على العملية وانعكاساتها».
من جهة أخرى، أعلن الجيش اللبناني أمس ان «الوضع في الجنوب هادئ ومستقر، وهو قيد متابعة دقيقة. وتقوم وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة بتنفيذ مهماتها المعتادة على طول الحدود بالتعاون والتنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة لمنع أي تصعيد أو زعزعة للاستقرار (...) والجيش على جهوزية تامة لمواجهة أي طارئ».