لا تزال مفاوضات عقد العمل الجماعي بين جمعية المصارف ونقابات موظفي المصارف عالقة على ثلاث نقاط منذ 28 آب 2017. جمعية المصارف لم تقدّم أي تبريرات واضحة لرفضها أي حلول، بل عمدت إلى إبلاغ وزارة العمل أنها «قرّرت» ما تراه مناسباً لها من دون الإدلاء بأي تفسير. هذا الأمر دفع بالنقابة إلى الإعداد لعملية تصعيد ستبدأ بتنفيذها فور إعلان وزارة العمل نتائج الوساطة بين الطرفين. وحتى لا تترك النقابة أي مجال للتأويل، قرّرت إمهال وزارة العمل مدّة شهر لإنهاء الوساطة وإعلان النتائج، إذ إن الوزارة تبلّغت أجوبة الطرفين منذ أيلول الماضي، وبات واضحاً لديها إصرار الطرفين كلٌّ على موقفه، ما يعني عملياً عدم قدرة الوزارة على معالجة هذا الأمر، وبات لزاماً عليها تطبيق المادة 45 من قانون عقود العمل الجماعية والوساطة والتحكيم التي تنصّ على أنه «يجب إنهاء مرحلة الوساطة خلال مدّة لا تتجاوز أسبوعين اعتباراً من تاريخ عقد الجلسة الاولى. ويجوز تمديد هذه المدة اذا اتفق على ذلك الطرفان، أو بناءً لطلب الوسيط. وفي الحالة الأخيرة يجب ألا يتجاوز التمديد أسبوعاً واحداً».يأتي طرح هذا الخيار، بسبب تعنّت المصارف أمام طروحات اتحاد نقابات موظفي المصارف ومماطلتها في تقديم الأجوبة التي انتهت برفض قاطع لكل ما سعى الاتحاد إليه، وهو ما أدّى إلى حالة إحباط واسعة بين الموظفين انعكست حضوراً واسعاً في الجمعية العمومية التي عقدت أول من أمس في مقرّ الاتحاد العمالي العام. واللافت أن الجمعية العمومية كانت سخيّة مع وزارة العمل، إذ أمهلتها مدّة شهر لإعلان نتيجة الوساطة. القرار جاء بعد عرض النقابة مسار المفاوضات مع الجمعية. تبيّن للموظفين أن اتحاد نقابات موظفي المصارف راسل رئيس جمعية المصارف في 28 آب 2017 طالباً المباشرة بمفاوضات تجديد عقد العمل الجماعي، وقد انطلقت المفاوضات في 20 ايلول 2017. يومها جرى تكليف رئيس اللجنة الاجتماعية في الجمعية تنال الصباح التفاوض مع الاتحاد. الجلسة الأولى عقدت في تشرين الثاني حين طرح الاتحاد أربعة مطالب هي: تطوّر الأجر، زيادة المنح المدرسية والجامعية، نظام تقاعدي خاص لموظفي المصارف، إعادة صياغة عدد من البنود الواردة في العقد الحالي. لم تردّ الجمعية رسمياً في الجلسة الثانية التي عقدت في 21 كانون الاول 2017، بل انتظرت حتى عقد الجلسة الثالثة في 28 شباط 2017 ورفضت مناقشة تطوّر الأجر إلا في ما يخص الموظفين الجدد وبقيم بسيطة جداً، ورفضت بشكل قاطع موضوع صندوق التقاعد، ثم ربطت موافقتها على تعديل المنح المدرسية والجامعية بحصول اتفاق بين اتحاد المدارس الخاصة ولجان الاهل ووزارة التربية على نسبة الزيادة.
إزاء هذا الأمر، قرّر مجلس مندوبي الاتحاد، في 15 آذار 2018، التقدم بطلب وساطة وزارة العمل. وقد عقدت ثلاث جلسات كان آخرها في 26 ايلول 2018، وانتهت إلى إصرار كل من الطرفين على موقفه. الوسيط طلب من الفريقين إعلان مواقفهما النهائية خطياً.
المواقف الخطية كانت مستغربة. فالجمعية لم تقدّم مقاربة لرؤيتها، بل برّرت إرسال الكتاب بأنه «توضيح». في النقطة المتعلقة بتطوّر الأجر، بحسب توضيح الجمعية، وردت الخلاصة الآتية: «قرّرت الجمعية الإبقاء على نص المادة 18 الفقرة 1 (هذه المادة من عقد العمل الجماعي والمتعلقة بالأجور في القطاع المصرفي) دون تعديل حفاظاً على حق إدارات المصارف في تقرير الزيادات السنوية استناداً إلى أداء الموظفين».
وفي النقطة المتعلقة بالمنح المدرسية والجامعية، قالت الجمعية الآتي: «وافقت الجمعية على زيادة المنح المدرسية بحدود 25% في سياق الزيادات التي قد تطرأ على الأقساط المدرسية والتي هي قيد التداول في البلد بين الدولة والمدارس الخاصة ولجان الأهل».
أما لجهة صندوق التقاعد، فقد أعلنت الجمعية رفضها «إنشاء صندوق تقاعد خاص بموظفي المصارف».
المصارف أبلغت وزارة العمل أنها «قرّرت» الامتناع عن تطوير أجور الموظفين


أما ردّ اتحاد نقابات المصارف، فقد جاء مفصلاً وطويلاً. باختصار، فإن الاتحاد طلب تعديل الأجور في القطاع المصرفي لتعويض الموظفين عن عدم صدور مراسيم تصحيح الأجور في القطاع الخاص، متهماً إدارات المصارف بأنها تتمنّع عن دفع الزيادات السنوية منذ استحقاقها، وتدخل سلف على غلاء المعيشة ضمن الزيادات الممنوحة لبعض الموظفين. لذا يطالب الاتحاد الجمعية بإجراء إحصاء على تطور الأجور في القطاع المصرفي خلال السنوات العشر الأخيرة وتقسيمها على شرائح لإظهار النسبة التي تمثّلها أجور كل شريحة من الموظفين من مجموع كتلة الأجور في القطاع. هذا الإحصاء يلقي الضوء على الخلل الذي أصاب الأجور، لذا يقترح الاتحاد زيادات الأجور على أربع شرائح. الشريحة الأولى تستفيد من 100 ألف ليرة إضافية، والثانية من 150 ألف ليرة، والثانية من 250 ألف ليرة، والثالثة من 350 ألف ليرة. وذلك على ألا تدخل ضمن هذه الزيادة أي زيادات غلاء معيشة تصدر لاحقاً بمرسوم.
واقترح الاتحاد أن تكون الزيادة على المنح المدرسية ضمن حدّ أقصى 5 ملايين ليرة، والمنح الجامعية ضمن حدّ أقصى 10 ملايين ليرة، والجامعة اللبنانية 3 ملايين ليرة.
مقاربة الاتحاد أن هذه المنح أقرّت أصلاً في العقد الجماعي كبديل من تضمينها ضمن الأجر، وهو ما يسمح للمصارف بالتهرب من تسديد اشتراكات الضمان الاجتماعي على هذه المنح لو جرى إدخالها ضمن الراتب.
أما بالنسبة إلى الراتب التقاعدي، فيقترح الاتحاد إجراء دراسة جدوى يتحدّد على أساسها إمكان الانطلاق في الترتيبات الآيلة إلى إنشاء صندوق الراتب التقاعدي، على أن تكون هناك مشاركة في تغذية هذا الصندوق، فلا يقع عبء تمويله على إدارات المصارف وحدها.
إزاء هذا الوضع ناقشت الجمعية العمومية لنقابات موظفي المصارف كيفية البدء بالتحرّكات التصعيدية. وفق المعطيات المتداولة، فإن الإضراب والاعتصام سيكونان أولى الخطوات التي يبدأ تنفيذها بعد إعلان نتائج وساطة وزارة العمل.