بعد ستّ سنوات من العمل في «السخرة» في لبنان، عادت جوليانا إلى بلدها خالية الوفاض إلّا من خيبة الأمل. لم تحصل من سنوات «سجنها» في الخدمة المنزلية إلّا على مرتّب أحد عشر شهراً، وذكريات مريعة واضطرابات نفسية.في «مكتبة عليا» في الجميزة، قبل أيام، وقفت الكاتبة والناشطة النيجيرية سلمات لتروي بالإنكليزيّة قصّة من قصص نظام الكفالة في لبنان، في جلسة ينظّمها تجمّع السرد القصصي cliffhangers شهرياً. بالكاد يخرج صوت سلمات وهي تروي قصة جوليانا التي توفّي زوجها تاركاً على عاتقها إعالة أطفالهما. تركت بلدها إلى لبنان للعمل في الخدمة المنزليّة. لم تشأ سلمات أن تذكر جنسية جوليانا ولا البلاد التي أتت منها. ليس ذلك مهماً طالما أن كل عاملات المنازل في لبنان «سريلانكيات» أياً تكن جنسيتهن.
في المبنى المؤلّف من ثلاث طبقات، كان القبو غرفتها. عاشت حبيسته. سرير صغير بالكاد يسعها. عزلة تامة، وإلزامية، عن العالم الخارجي وعن العائلة التي تعمل لديها. ممنوع الخروج حتّى ولو اندلع حريق. تأكل وحدها مما يُسمح لها به، فيما ممنوع عليها أن تغسل ملابسها في الغسّالة. كان عليها أن تقوم بكل الأعمال المنزلية، على أن لا تكون موجودة مع أي من أفراد الأسرة في مكان واحد في أي وقت من الأوقات! كان بعض ضيوف المنزل يرفضون تناول القهوة التي تقدّمها لهم «سوداء قذرة». تحمّلت ذلك كله على أمل العودة إلى أطفالها يوماً. لكن لقدرة الانسان على التحمّل حدوداً. وجوليانا، بالمناسبة، إنسان أيضاً. بدأت تعاني من مضاعفات صحية واضطرابات نفسية كثيرة من دون أن تتلقّى علاجاً. «العلاج» الوحيد الذي قدّمته ربّة المنزل كان فتح الباب والطلب منها أن ترحل إلى غير رجعة. كان ذلك بمثابة إطلاق سراح من سجن مظلم. لكن فرحتها بالخروج إلى العالم الذي حرمت منه على مدى سنوات ستّ لم تكتمل. لثلاثة أيام بقيت تجوب الشوارع تائهةً بـ«البيجاما» التي غادرت بها سجنها. لم يكن العالم الخارجي أكثر إنسانيةً. تعرّضت للاستغلال الجنسي مراراً من قبل سائقي تاكسي عديدين». تصمت سلمات وهي تتذكّر جوليانا التي نسيت الكلام بعد ستّ سنوات من الصمت. لم تعد تستطيع أن تتواصل، لا بلغتها الأم، ولا بالإنكليزية التي تعرفها، ولا بالعربيّة التي لم تعرف من قواعدها إلا فعل الأمر. بصعوبة بالغة، روت ما حصل معها للكاتبة. بعد التواصل مع قنصليّة بلادها، تأمّن لجوليانا العودة إلى أطفالها... منكسرةً ومن دون أبسط حقوقها.