في 25 آب الماضي، قرّرت بلدية بيروت تلزيم جمعية beasts (Beirut Events and street Shows) أعمال تزيين شوارع العاصمة في أعياد الميلاد ورأس السنة والمولد النبوي وشهر رمضان، على مدى السنوات الثلاث المقبلة، مقابل مليوني دولار. أثار القرار يومها لغطاً بين الأعضاء، إذ إن المجلس قرر إعطاء الجمعية المبلغ سلفاً، من دون تحديد آلية واضحة ومحددة حول طبيعة الزينة والمُنشآت التي ستستخدمها. كذلك، لم تُنظّم البلدية مناقصة لاستدراج عروض، فيما كانت الجمعية الوحيدة التي تقدّمت بعرض أسعار في ظل غياب دفتر شروط واضح.أدّى اعتراض 13 من أعضاء المجلس إلى تعليق القرار، قبل أن يعمد رئيس البلدية إلى إعادة طرحه في جلسة عُقدت أخيراً، حضرها 13 عضواً من أصل 24. وصوّت ثمانية من الأعضاء الحاضرين على تلزيم Beasts مجدداً أعمال الزينة، ولكن في مقابل مليون دولار بدل مليونين، مع خفض «حجم» أعمالها. وقد قُسّمت «أتعاب» صاحبة الجمعية رشا جرمقاني (محسوبة على تيار المستقبل وتربطها علاقة جيدة بالرئيس سعد الحريري) إلى قسمين: 600 ألف دولار لجرمقاني لقاء مهرجان ميلادي لمدة 20 يوماً، و400 ألف دولار لعزة قريطم (محسوب على تيار المستقبل أيضاً) لتنظيم حفلة رأس السنة. ويبدو هذا المبلغ «عقلانياً» مقارنة بـ«المساهمة المالية» (900 ألف دولار) التي قررتها البلدية للجمعية لإحياء مهرجان فني على الواجهة البحرية صيف 2017! علماً أن الجمعية «لا تبغي الربح»، وفق ما تُعرّف عن نفسها على موقعها الإلكتروني!
القرار الجديد كان عرّابَيه عضوا المجلس البلدي راغب حداد وسليمان جابر، اللذان نسّقا مع جرمقاني، بتكليف من «الريّس» جمال عيتاني. ولكن تبيّن أن صفقة المليون لا تشمل تزيين الشوارع، بل ستنفق حصراً على الحفلات. وعلى مبدأ «تقاسم التنفيعات»، شكّل الأعضاء المعارضون لجنة خماسية (طوني سرياني، غابي فرنيني، محمد فتحا، خليل شقير وعبد الله درويش) اتفقت مع رئيس الهيئات الاقتصادية رئيس اتحاد الغرف اللبنانية رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير (رجل «المستقبل» أيضاً ومرشحه المحتمل لتسلم وزارة الاتصالات في الحكومة المقبلة) على تزيين العاصمة لثلاث سنوات مقابل 800 ألف دولار. أحد أعضاء اللجنة أكّد لـ«الأخبار» أن «شقير انتقى للمهمة واحدة من أربع شركات في عملية استدراج عروض شفافة جرت في غرفة التجارة والصناعة»! عضو اللجنة الذي أكّد أنه حضر تقديم العروض قال إنه يجهل اسم الشركة الفائزة! وعن سبب عدم إجراء استدراج العروض في البلدية، أجاب بأن «تنظيم البلدية استدراجاً للعروض يحتاج إلى عام ليمرّ في الدوائر القانونية وديوان المحاسبة، فيما المساهمة لجمعية تمرّ بسرعة، ولو أنها تحتاج لموافقة ديوان المحاسبة».
أجرى رئيس الهيئات الاقتصادية استدراج عروض «شفاف» نيابة عن البلدية


الـ 800 ألف دولار تضاف إلى 300 ألف أخرى تقدمها البلدية سنوياً لجمعية تجار بيروت لزينة الميلاد، إذ إن «التجار يفتقرون إلى الأموال الكافية لتزيين واجهاتهم، كذلك فإنهم يدفعون رسوم البلدية على أكمل وجه»، بحسب أحد الأعضاء. علماً أن كلفة زينة «سوليدير» ليست محسوبة على الإنفاق البلدي.
هكذا يشكو كل من الطرفين المتصارعين داخل المجلس من عدم تقديم الطرف الثاني لملف متكامل يتضمن نوع الزينة وتفاصيل الحفلات وكلفة كل منهما. كذلك فإن كليهما لا يملكان أدنى فكرة عمّا ستفعله الجهات التي دعماها لتنال حصة من «كعكة» الميلاد الدسمة. والنتيجة: بابا نويل بلدية بيروت سيهدي «جماعة» تيار المستقبل هذا العام مليونين و100 ألف دولار.

الزينة «القديمة»
واللافت أن أحداً من أعضاء المجلس لا يملك جواباً عن آلية الرقابة على إنفاق جمعية Beasts والشركة التي «انتقاها» شقير، ولا عن سبب عدم الاتفاق مع رعاة يموّلون هذه العملية، ولا عن مصير الـ 300 ألف دولار التي تدفع سنوياً لجمعية التجار التي غالباً ما تعيد استخدام الزينة نفسها كل عام. كذلك، لا أحد يملك أدنى فكرة عن مصير زينة ميلاد السنوات الماضية وعن سبب عدم صيانتها واستخدامها مجدداً لتقليص المصاريف أسوة بما يجري في بقية المدن اللبنانية وغالبية المدن الأوروبية. فعلى سبيل المثال، كلفة الزينة الضخمة في زحلة (تضمّ قرية ميلادية وسوقاً للمأكولات ومغارة بمساحة 500 متر وملعباً للأطفال وغيرها) لا تتعدى 75 ألف دولار، فيما زينة جبيل التي تضمّ مركزاً للتزلج على الجليد وشجرة بطول 30 متراً وزينة للشوارع، تصل إلى 100 ألف دولار. وحدها بيروت، التي يحتكر قرارها مجلس من 24 عضواً لكل منهم أجندة مختلفة حتى بات أشبه بمجلس ناطق بأسماء كبار المقاولين، تنفق مليوني دولار ثمن زينة غير معروفة الشكل، وتضعها أولوية للبيارتة الذين تغيب عنهم الكهرباء وشبكات الصرف الصحي والحدائق العامة والبحر النظيف، هذا إذا ما أبقى لهم المجلس أملاكاً بحرية خالية من التعديات أصلاً.