محطة جديدة وصلها الصراع بين وزارة الاقتصاد وأصحاب المولدات. هذه المرة تحول التهديد بالعتمة إلى واقع مدته ساعتان. بين الخامسة والسابعة من مساء أمس أطفئت المولدات، اعتراضاً على «سوق بعض أصحابها إلى التحقيق بطريقة مهينة». هذا سبب إضافي للاعتراض يضاف إلى الاعتراضات الأساسية المتعلقة بقرار وزارة الاقتصاد تركيب العدادات. لكن الإضراب لم يؤد غايته. صارت الوزارة أكثر إصراراً على التحدي: سنصادر المولدات إذا أطفئت، لأن أحداً لا يمكنه أن يوقف خدمة عامة عمداً. التحدي ارتفع من الجهة المقابلة أيضاً: سنحرق مولداتنا قبل أن تصادروها. خلاصة ما جرى أمس أن على سكان لبنان أن يعتادوا شكلاً جديداً من الذل: تقنين داخل التقنين.اختلفت وزارتا الطاقة والمال على سلفة الخزينة الخاصة بكهرباء لبنان، فكان التهديد بالعتمة هو النتيجة. اختلفت وزارة الاقتصاد مع أصحاب المولدات، فكانت العتمة هي النتيجة أيضاً. وفي الحالتين، المواطن هو المتضرر الأول والأخير.
ساعتان أطفأ أصحاب المولدات، أو بعضهم، مولداتهم، بقرار مفاجئ من «اللجنة المركزية لتجمع مالكي المولدات»، صدر قبل 3 ساعات من الإطفاء. صحيح أن الالتزام لم يكن شاملاً، إلا أن هذه الخطوة فتحت باب التصعيد على مصراعيه. أصحاب المولدات قرروا التمرد على قرار وزارة الاقتصاد تركيب العدادات، والأخيرة رفضت التهديد، فأصرت على السير قدماً بتنفيذ قرارها حتى النهاية. وبين الإصرارين اللذين يرتبطان، بحسب كل طرف، بمصلحة المواطن، فإن لا متضرر فعلياً إلا المواطن القابع بين تقصير السلطة في القيام بواجباتها، وأبسطها تأمين الكهرباء للناس، وبين أصحاب المولدات، الساعين إلى التمسك بمكتسبات حققوها، بعد أن تحولوا إلى أمر واقع.
سبق أن أكد وزير الاقتصاد أن إطفاء المولدات خط أحمر وأن وقف هذه الخدمة العامة عمداً سيؤدي إلى مصادرة المولد. فعلها هؤلاء. لكن مصادر مسؤولة في الوزارة تكرر التهديد بلهجة أكثر حزماً. تقول إن «أي أفكار من هذا القبيل ستكون نتيجتها مصادرة المولدات وتشغيلها من قبل البلديات». هنا تختلف وجهات النظر في شأن قانونية خطوة كهذه. لكن أصحاب المولدات يتخطون الخلاف القانوني سريعاً: هذه خطوة إن حصلت ستؤدي إلى قيام عدد كبير من المعنيين بحرق مولداتهم، يقول أحدهم، مكملاً حديثه بالإشارة إلى أنه: يا ليتهم يسمعون ما يدور في الاجتماعات... كثر لن يسكتوا عن قطع أرزاقهم وأبسط الاحتمالات نزولهم مع عائلاتهم وعائلات موظفيهم إلى الشارع.
هو صراع تعتقد الوزارة أنه يقوم بين هيبة الدولة ومافيا المولدات، فيما يرى الطرف الثاني أنه صراع بين من أضاء بيوت الناس عندما غابت الدولة وبين «القرارات التعسفية والعشوائية». صحيح أن مستوى الاعتراض هو الأكبر منذ بداية الأزمة، لكن في الوزارة تعامل هادئ مع الأمر: يبدو رد فعل أصحاب المولدات مفهوماً. كانوا يراهنون على غياب هيبة الدولة، فتلكأوا عن تركيب العدادات، قبل أن يكتشفوا أن القرار لا عودة عنه وأن المخالفين كان مصيرهم التحويل إلى القضاء.
تلك نقطة أساسية في المؤتمر الصحافي الذي عقده أصحاب المولدات أمس. واحد من أسباب التصعيد بحسب البيان الصادر عن المجتمعين هو «الاعتراض على المعاملة المهينة التي تمس الكرامات والتي تعرض لها أصحاب المولدات في الأيام القليلة الماضية». هؤلاء اشتكوا من «اقتياد العشرات إلى التحقيق لدى المباحث الجنائية وجهاز أمن الدولة بعد إحالة المحاضر المسطرة بحقهم إلى القضاء المختص، حيث مورست بوجههم شتى أنواع الإهانات واستجوابهم لساعات، كل ذلك بحجة مخالفة قرار الوزارة، وكأنهم مجرمون أو لصوص أو تجار مخدرات أو أمراء حرب». أكثر من ذلك، يتحدث أحدهم عن إلزامهم على توقيع تعهد في أمن الدولة بتركيب العدادات خلال 15 يوماً.
أصحاب المولدات يعترضون على سوقهم إلى التحقيق بطريقة مهينة واستجوابهم لساعات


الأكيد أن المسألة بالنسبة لهؤلاء صارت مسألة كسر عظم. هم يعتبرون أن كل الإجراءات التي تتّبع غير قانونية. من القرار نفسه إلى المعاملة المهينة إلى التهديد بمصادرة المولدات، ثم مسألة الأسعار المحددة للكيلواط، والتي تقل، بحسب رأيهم، عن التكلفة، وصولاً إلى مسألة نوعية العدادات نفسها. يؤكد أحدهم أن السوق صارت مليئة بالعدادات غير المطابقة للمواصفات، والتي لا تعمل بشكل منتظم كما يسهل التلاعب بها. هنا يجزم المصدر أنه فيما سارع أكثر أصحاب المولدات إلى تركيب هذه العدادات، اعتقاداً منهم أنهم ينفذون قرار وزارة الاقتصاد، فإن آخرين من أصحاب المولدات يؤكدون أنهم لن يركّبوا هذا العداد، الذي يؤدي إلى خسائر إضافية، فيما لا وجود للعدادات المطابقة للمواصفات التي وضعتها ليبنور (مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية) في السوق. هؤلاء مقتنعون أن مسألة فرض العدادات مرتبطة بوجودها عند تاجر واحد محسوب على التيار الوطني الحر. والأسوأ بالنسبة لهؤلاء أن المصدر لم يعد يستورد العدادات إلا بناء على الطلب، ما يساهم بمزيد من التأخير في التنفيذ. إلا أن الأخير، وهو فادي أبي عقل، الذي لا ينكر انتماءه للتيار الوطني الحر، يجزم أنه الأكثر تضرراً من الفوضى الحاصلة. لا يتردد أبي عقل بتحميل وزارة الاقتصاد المسؤولية الأولى عن هذه الفوضى، بسبب عدم تنفيذها قرارها المتعلق بضرورة أن تكون جميع العدادات التي يتم استيرادها لتركيبها لدى المشتركين مطابقة للمواصفات المعتمدة لدى مؤسسة كهرباء لبنان وحائزة على شهادة مطابقة صادرة عن معهد البحوث الصناعية. أما بالنسبة لعدم توافر العدادات، فينكر ذلك تماماً، جازماً أنه باع حتى الآن 20 ألف عداد، فيما يملك حالياً في المستودعات 20 ألف عداد آخر، وينتظر 30 ألفاً يفترض أن تصل قريباً. ألا يؤكد ذلك وجود توجه لحصر بيع العدادات به؟ يؤكد أبي عقل أن الأمر معاكس، إذ إن المشكلة ليست في التزامه بالقانون وبيعه للعدادات المرخّصة، بل في عدم إقدام تجار آخرين على ترخيص عدادات مستوفية للشروط، فيما الغالبية من أصحاب المولدات صارت تفضّل تركيب عدادات رخيصة الثمن لكن غير مطابقة للمواصفات.
الأكيد أن الفوضى صارت عامة. وأن الحرب بين الطرفين صارت بلا هوادة. والأكيد أيضاً أن اعتراض أصحاب المولدات، بغض النظر عن الغاية منه، يعبّر عن واقع ملموس: أليس هناك من يريد أن يعرف كيف تسبب قطاع الكهرباء بإغراق الدولة بما يقارب نصف الدين العام؟ أليس الأولى أن تتحرك الأجهزة الأمنية والقضائية وإدارات الدولة بالتحقيق لمعرفة كيف دفع اللبنانيون 50 مليار دولار ثمن الظلمة وانقطاع الكهرباء وما زالوا يدفعون 3.5 مليار دولار سنوياً، ملياران منها عن عجز المؤسسة ومليار ونصف مليار لخدمة الدين المسحوب باسم المؤسسة، ناهيك عن تركة المعامل المهترئة؟