بدأت معدلات التغذية بالتيار الكهربائي تنخفض في عدد من المناطق. ليس السبب صاعقة أو عطلاً في المعامل، إنما إجراءات بدأت مؤسسة كهرباء لبنان تنفيذها لخفض الإنتاج، وبالتالي خفض استهلاك المحروقات. وهي عملية قد تؤدي إلى إطفاء جميع المعامل، على ما تؤكد مصادر المؤسسة، التي تشير إلى أن السلفة التي حصلت عليها في الموازنة استنفدت بكاملها، بسبب زيادة أسعار النفط عالمياً. ما العمل؟ على جدول أعمال مجلس النواب بند ينص على إعطاء المؤسسة سلفة إضافية، أما إذا لم تعقد الجلسة فكل الاحتمالات مفتوحة.لبنان مهدد بالعتمة الشاملة. عبارة ازداد تردادها مؤخراً، ربطاً باستنفاد مؤسسة كهرباء لبنان كامل سلفة الخزينة التي حددت قيمتها في موازنة 2018 بـ2100 مليار ليرة. لكن هل فعلاً سيتم إطفاء كل المعامل لعدم توفر المحروقات؟
يؤكد مصدر مسؤول في «كهرباء لبنان» أن السلفة التي أعطيت للمؤسسة ساهمت في تأمين المحروقات اللازمة للإنتاج لغاية 20 تشرين الأول الفائت. ومنذ ذلك الحين، تستنفر المؤسسة كل قدراتها ومواردها لتجنب القطع الكامل، أو تأخيره على الأقل. وعليه، بدأت إجراءات تقنية لفصل بعض مجموعات الإنتاج في الزوق والجية، لتخفيف الحاجة إلى الفيول. كما تخطط لمزيد من الإجراءات التصاعدية، من دون أن تنفي احتمال أن تصل إلى إطفاء كل مجموعات الانتاج، ووقف توزيع الطاقة نهائياً.
حتى مساء أمس، وعلى أثر إطفاء مجموعة الحريشة التي تنتج نحو 45 ميغاواط، تكون المؤسسة خفّضت معدل الإنتاج من 1850 ميغاواط إلى 1500. إلا أن كل المؤشرات تؤكد أن هذا المعدل سينخفض تباعاً، بما يتناسب مع مخزون المحروقات المتبقي لدى المؤسسة.
الأزمة ليست مفاجئة بالنسبة لـ«كهرباء لبنان» أو لوزارة الطاقة، وهي تعود إلى تاريخ مناقشة الموازنة ثم إقرارها، ومن ضمنها بند يتعلق بإعطاء سلفة خزينة للمؤسسة. حينها طلبت وزارة الطاقة 2800 مليار ليرة سلفة، هي حاجة المؤسسة للعام 2018، إلا أن مجلس الوزراء لم يستجب للطلب، وأبقى على قيمة السلفة التي سبق أن أقرت في 2017 كما هي، أي 2100 مليار ليرة.
كان يُفترض بمؤسسة الكهرباء أن تنظم ميزانيتها بما يتوافق مع الأموال المرصودة


تحمّل مصادر مطلعة المؤسسة مسؤولية الأزمة المستجدة، مشيرة إلى أنه كان يُفترض بها أن تنظم ميزانيتها بما يتوافق مع المبلغ الذي حصلت عليه، فتوزّع العبء على كل أشهر السنة، وليس انتظار آخر شهرين للقيام بإجراءات ستكون نتائجها قاسية على المواطنين. أضف إلى ذلك، أن وزارة المالية كانت نبّهت «كهرباء لبنان» الى ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لعدم تجاوز قيمة السلفة المالية المقررة لها بموجب قانون الموازنة العامة.
لم تغيّر مؤسسة كهرباء سياستها الانتاجية، على افتراض أن الأمور ستعالج لاحقاً. ولم تضع أي خطة طوارئ، بل استمرت بالانتاج كما المعتاد، لا بل ازداد استهلاكها للمحروقات مع انضمام الباخرة «إسراء» إلى سلسلة الإنتاج، في تموز الماضي. وفي أيلول، تقدمت بطلب سلفة بقيمة 642 مليار ليرة بدلاً من 700 مليار سبق أن طلبتها، مشيرة في الأسباب الموجبة إلى أن هذا المبلغ سيؤمن احتياجات المعامل من المحروقات خلال الفصل الرابع من 2018، أي أنه سيؤمن عدد ساعات تغذية يومية بحوالي 21 ساعة لمنطقة بيروت و18 ساعة للمناطق خارج بيروت الإدارية.
بالنسبة لـ«كهرباء لبنان»، العجز الفعلي لم يرتبط بزيادة الطلب على المحروقات فحسب، إنما بزيادة أسعار الطاقة عالمياً. إذ أن السلفة أعطيت لها على أساس 60 دولاراً لسعر برميل النفط، بينما وصل حاليا إلى 85 دولاراً، ما ساهم في صرف مبالغ إضافية لتغطية الفارق بالسعر.
وبالفعل، فإن المرسوم صار أمراً واقعاً ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 18 تشرين الأول 2018، ووقعه الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري، إضافة إلى الوزيرين علي حسن خليل وسيزار أبي خليل. وينص المرسوم على أن تعطى مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة بقيمة 642 مليار ليرة، الغاية منها هي الاستمرار في تأمين تسديد ثمن المحروقات.
هذا المرسوم ليس كافياً بالنسبة لوزارة المالية حتى تصرف المبلغ المُشار إليه». بالنسبة لها، فإن المرسوم هو الخطوة التنفيذية الضرورية لدفع السلفة، إلا أنها خطوة ينقصها الغطاء القانوني، أي تصديق مجلس النواب. ولذلك تحديداً، يتضمن جدول أعمال الجلسة التشريعية المقبلة بنداً يتعلق بتعديل المادة 13 من قانون الموازنة العامة للعام 2018، أي المادة التي نصت على إعطاء المؤسسة سلفة خزينة طويلة الأجل بقيمة 2100 مليار ليرة لتسديد عجز المحروقات. المطلوب، بحسب التعديل المقترح، زيادة مبلغ السلفة من 2100 مليار إلى 2740 مليارا (أي بزيادة الـ640 مليار ليرة التي تطلبها كهرباء لبنان لتأمين احتياجاتها من المحروقات).
وبالرغم من أن هذا المخرج هو الوحيد المطروح لصرف السلفة، إلا أن ثمة من يشير إلى أنه ليس ضرورياً، ويمكن لوزارة المالية أن تصرف السلفة اعتماداً على المرسوم ومن دون العودة إلى مجلس النواب. هؤلاء يستعيدون قرار تمديد عقد شركة «كارباورشيب»، الذي يتضمن دفعة مسبقة بقيمة 65 مليار ليرة، ليقولوا إنه صرف كسلفة خزينة من دون الحاجة إلى قانون.

سلفة الـ640 ملياراً تنتظر الجلسة التشريعية.. ومساع لإقرارها بعيداً عن المجلس


كذلك تشير المصادر إلى أن إقرار المرسوم يفرض على وزارة المالية صرف السلفة من موجوداتها التي تبلغ نحو 3000 مليار ليرة، مؤكداً أن الوزارة كان يجب أن تعترض على المرسوم قبل إقراره، لأن قانون المحاسبة العمومية ينص على أن تتثبت وزارة المالية من قدرة المستفيد من السلفة على التسديد، قبل إقرارها.
وإذا كان المرسوم ينص في مادته الأولى على أن مدة السلفة سنة واحدة، فيما تشير المادة الثانية إلى أن مجرد استعمال السلفة هو إقرار من الجهة المستلفة بالقدرة على التسديد، فإن ذلك يعني أن المرسوم هو عبارة عن نص غير قابل للتنفيذ، ببساطة لأنه لا قدرة لكهرباء للبنان على التسديد خلال عام أو أكثر، ومع ذلك فهي ستستعمل السلفة عندما تحصل عليها. لذلك ترى مصادر أخرى أن العودة إلى مجلس النواب أمر حتمي لأخذ موافقته على سلفة خزينة مدتها تتعدى السنة الواحدة («طويلة الأجل» بحسب موازنة 2018)، ويمكن أن تدفع عبر اعتمادات ترصد في الموازنة المقبلة.