بأيّ وجه يزور الرئيس سعد الحريري السعودية، وبأي لسان يتحدث؟ هل بالوجه الذي صُفع مِن الحارس الأمين لمحمد بن سلمان سعود القحطاني، على ما نقلت رويترز، أم بالوجه الذي انفجر ضاحكاً لنكتة سمجة لولي العهد السعودي يعلن فيها أن رئيس الحكومة المكلف «جالس يومين في السعودية، فأرجو أنه ما تطلع إشاعات أنه مخطوف». أين مصدر فرح الحريري؟ هل هو في عدم مواجهته لمصير شبيه بمصير جمال خاشقجي، أم لأنه أخيراً تمكن من لقاء ابن سلمان الذي يعاني من شبه قطيعة له ولمؤتمره... أم تراه أعجب حقاً بردّ «طال عمره» على من «يتهمه» بخطفه وإجباره على إذاعة بيان استقالته من الرياض يوم 4 تشرين الثاني 2017؟ سعادة الحريري حفّزته ليسترسل في النكتة، قائلاً: «وبكامل حريتي». هذه المرة قد يكون الحريري باقياً بكامل حريته فعلاً، بالرغم من أنه سبق أن أشار إلى أنه ذاهب إلى السعودية ليوم واحد، لكن هذا لا يلغي أن كامل حريته لا تزال منقوصة منذ قرر ابن سلمان احتجازه منذ عام ومنذ قرر أن يكون مع السعودية ظالمة أو مظلومة.كان يمكن ما قاله ابن سلمان أن يكون مزحة فعلاً لو أنه لم يسبق أن اختطف رئيس وزراء لبنان، ولم يفرج عنه إلا بعد وساطات دولية وتضامن داخلي، عبّر عنه بالمساعي الرسمية الاستثنائية ثم بالتظاهرة الشعبية التي باركت له الحرية من المعتقل السعودي. الحريري نفسه أوحى مراراً أنه خُطف، لكنه مع ذلك اعتبر أن ما حصل شأن خاص لا يحق للبنانيين أن يعرفوه ويعرفوا كيف تصرفت دولة «صديقة» مع رئيس حكومتهم. هو شأن سعودي يخصّ حكام المملكة وأمراءها وموظفيها، وإن كانوا برتبة رئيس وزراء.
بعيداً عن الرقص على الجثث، وعن استغلال الحريري لكل فرصة ليقدم الولاء إلى ابن سلمان، مشيداً تارةً بالبيان السعودي الذي يبرر مقتل خاشقجي بنتيجة شجار، أو مواجهاً، تارة أخرى، لـ«الحملات المغرضة التي تتعرض لها المملكة»، فهو لم ينسَ أن مهمته الأولى هي تشكيل الحكومة. وقد أشار، في جلسة شارك فيها، في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» في الرياض، إلى جانب محمد بن سلمان وولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة وحاكم دبي محمد بن راشد، إلى أنّ الحكومة ستبصر النور «في غضون الأيّام المقبلة»، مؤكداً أنها «ستكون صورة عن المجلس النيابي، الذي أقرّ كلّ القوانين الضرورية من أجل تنفيذ مؤتمر سيدر».
القوات تتهم رئيس الجمهورية بإلغاء موعد استقبال الرياشي بسبب مقال صحافي


ومقابل التفاؤل الحريري في الرياض، الذي قد تتوضح مآلاته بعد عودته، كانت الأجواء في بيروت تشي باستحكام العقد الحكومية، ولا سيما عقدتا تمثيل القوات وتمثيل سُنّة 8 آذار، وبالتالي تأخير التشكيل. ففيما صار جلياً أن رئيس الجمهورية ليس بوارد التخلي عن حقيبة العدل، لا تزال القوات تصرّ على حقيبة وازنة، إن لم تكن العدل، فمن وزنها. وفي السياق نفسه، دخلت العلاقة بين القوات والتيار الوطني الحر بعداً جديداً من التصعيد، انضم إليه رئيس الجمهورية بنفسه، ملغياً موعداً مع الوزير ملحم رياشي. وفيما أوضحت رئاسة الجمهورية أن إرجاء الموعد جاء بسبب موعد طارئ للرئيس ميشال عون، أكدت مصادر قواتية أن الإرجاء جاء على خلفية المقال الذي نشرته صحيفة «الجمهورية»، أمس، وتضمّن «محضر اللقاء» الذي جمع رياشي وجبران باسيل منذ أيام، والذي يقول فيه رياشي لباسيل: «بفضلك سيرحل المسيحيون في القوارب».
إلى ذلك، وفيما تردد أن الرئيس المكلف حسم قراره عدم تمثيل سُنّة 8 آذار في الحكومة، فقد زاد هؤلاء من إصرارهم على التمثّل بوزير، مستفيدين من الغطاء الذي وفّره حزب الله لمطلبهم، تأكيداً منه لضرورة أن تطبَّق المعايير نفسها على الجميع. وفيما توقعت مصادر مطلعة أن يُصار إلى حسم هذ الأمر بأن يتمثّل هؤلاء من حصة رئيس الجمهورية، لم تستبعد أن يسعى حزب الله إلى إقناع الحريري بالعدول عن رأيه، ربطاً بالعلاقات المتينة التي تجمع الطرفين.