بعدَما كانت كل توقعات الأسبوع الماضي تُشير إلى حتمية ولادة الحكومة في نهايته، وإذا بتطوّرات ربع الساعة الأخير تُعيد الجميع الى التشاؤم، رغم أن قلة من المعنيين بتأليف الحكومة يجزمون بأن الأمور لم تعد إلى المربع الأول، وأن العقد لن تحتاج إلى وقت طويل لحلها.لكن مصادر بارزة مشاركة في المفاوضات أكدت «أننا عدنا الى حيثُ بدأنا عند تكليف الرئيس سعد الحريري مهمّة تأليف الحكومة». وإذا كانت تحليلات الساعات الماضية قد حصرت المشكلة بحقيبة «العدلية» العدل، قالت المصادر إن «جميع العقد عادت وأحييت من جديد».
مشكلة الحصّة الدرزية بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والوزير طلال إرسلان أخذت طريقها الى الحلّ، غيرَ أن مسرح تأليف الحكومة أصبح خصباً لتعميق الخلاف بين التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون من جهة، وحزب القوات اللبنانية من جهة أخرى. قبلَ يوم واحٍد فقط من قرب الإعلان عن ولادة الحكومة، تقول المصادر إن «الرئيس الحريري أبلغ جميع المعنيين أن عون وافق على إعطاء القوات حقيبة العدل، ليتبيّن فجأة بأن رئيس الجمهورية عاد ليُطالب بها من دون ذكر سبب واضح». فلَم يعُد سهلاً إيجاد مخرج في الساعات الأخيرة لتعويض معراب ما فقدته، أي حقيبة وازنة أخرى. على أثر هذه التطورات، عُقد اللقاء بين جعجع والحريري في وادي أبو جميل، وجرى التباحث عن البديل من وزارة العدل، فكان الخيار الأول هو التربية. وحتى الآن، لم يُعرف ما إذا كان حلّ هذه العقدة سيكون سهلاً نظراً إلى تمسّك الحزب الاشتراكي بها. هذه النقطة كبّلت حركة الحريري الذي يبدو حريصاً على مشاركة القوات في حكومته.
لم يُعرف ما إذا كان كلام الحريري مبنياً على معلومات أو على قراءة سياسية، أو أنه مجرّد تهديد


فبحسب المصادر ذاتها، «يُعبّر الحريري في مجالسه الضيقة جدّاً عن تخوّفه من أن حكومة من دون القوات اللبنانية تعني أخذ البلد الى الانهيار». ففضلاً عن «العقوبات المفروضة على حزب الله»، يُشيع رئيس الحكومة بأن «استبعاد القوات عن الحكومة الجديدة سيؤدي بالولايات المتحدة الأميركية الى اعتبارها حكومة حزب الله، وهي حكومة يُمكن أن لا تعترف بها واشنطن. وقد يكون عدم الاعتراف بها هو فقط رأس الجليد لما يُمكن أن ينتج من مثل قرار كهذا بعد ذلك». لذا «يحرص الحريري على دخول القوات في الحكومة، وقد أخذ على عاتقه مهمّة ترويضها كما يقول». ومن غير المعروف ما إذا كان كلام الحريري مبنياً على معلومات أو على قراءة سياسية، أو أنه مجرّد تهديد يرميه في وجه مفاوضيه، وخاصة رئيس الجمهورية.
ليسَ هذا التطور الوحيد هو ما يثقل كاهل رئيس الحكومة، إذ وفقَ ما تقول مصادر مقربّة منه فإن «العقد التي لم تكُن طافية على السطح، عادت وفرضت نفسها بقوة، كتمثيل سنّة المعارضة». وهو بات يشكو من كلام سمعه أكثر من مرة من حزب الله الذي أكد مسؤولوه بأنه «يرى وبقوّة ضرورة أن يكون لهذه المعارضة تمثيل في الحكومة، لما لها من حاضنة شعبية ثبتت بالأرقام خلال الإنتخابات النيابية الأخيرة». وأن هذا الموقف بات «عون على عِلم به». صحيح أن حزب الله لم يلجأ الى «العنتريات الإعلامية في معركة تمثيل السنّة المعارضين، لكن ذلك لا يعني أنه لا يدعمهم». هل يعني ذلك أن الحكومة يُمكن أن تتعرقل إذا بقيَ هذا التمثيل هو العقدة الوحيدة أمام تأليف الحكومة؟ تجيب المصادر بأن «الحزب قال كلمته. مطلبه قوي جداً، وموقفه برسم الرئيسين المعنيين بالتأليف أي عون والحريري»، مؤكدة أنه «لم يطلب من رئيس الجمهورية تسمية أحد النواب ليكون من حصّته»، علماً بأن «النواب السنة متفقون في ما بينهم ولا مشكلة لديهم بتوزير أي أحد منهم، وتحديداً الوزير السابق فيصل كرامي، والجميع يعلَم ذلك».
من جهة أخرى، وبعد توزيعة الحقائب وحسم الأشغال من حصة تيار «المردة»، لوّحت المصادر بأن موافقة الأطراف المعنية، ولا سيما عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على إيلاء الحقيبة للمردة، لا تعني أبداً أن لا إشكال حولها. فالخلاف ليس من حصّة من ستكون، وإنما الوزير الذي ستسمّيه المردة، إذ «يضع باسيل فيتو على اسم يوسف فنيانوس».

مشكلة حقيبة الأشغال تكمن في رفض باسيل توزير فنيانوس


من جهتها، تقول القوات إنها «حتى اللحظة، لم تعرِف الأسباب الكامنة وراء تراجع عون عن إعطائنا وزارة العدل». وما يحصل اليوم هو «محاولات لتجاوز العقد التي استجدت؛ ومن ضمنها العقدة المسيحية». وفيما أكدت «الحرص على التوفيق ما بين علاقتنا مع رئيس الجمهورية، وتمثيلنا الوزاري قياساً إلى وزننا الشعبي والنيابي»، لفتت مصادرها الى أن «المشاورات مع رئيس الحكومة لا تزال قائمة بشأن وزارة العدل ولم يتمّ التطرق الى أي وزارة أخرى».



مقايضتان للحل؟
أكّد نواب «اللقاء التشاوري» (النواب المنتمون إلى الطائفة السنية المعارضون لتيار المستقبل) أنهم يرفضون أن يتمثلوا بغير واحد منهم. وأتى إعلانهم رداً على تسريبات أمس مفادها أن اقتراحاً يجري تداوله بأن يسمّوا مرشحاً للتوزير من خارج «لقائهم». في المقابل، تقول مصادر مقرّبة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إن أحد الحلول ربما يكمن في تبادل بين حزب الله وحركة أمل من جهة، ورئيس الجمهورية من جهة أخرى، فيحصل الفريق الأول على مقعد سني في الحكومة المقبلة لحلفائه، فيما يحصل عون على مقعد شيعي. هذا الاقتراح ترفضه مصادر في 8 آذار قائلة: «النواب السنة في فريق 8 آذار حصلوا على أكثر من 27 في المئة من أصوات الناخبين السنة، وبالتالي، يحق لهم بمقعد وزاري على الأقل، فيما السنة المقترَحون للتوزير في فريق رئيس الجمهورية لا يملكون أي حيثية شعبية. وعلى الرئيسين عون وسعد الحريري أن يجدا حلاً لهذه المعضلة».
على جبهة «القوات»، تقول مصادر معنية بالتأليف إن أحد الاقتراحات ربما يقضي بإعادة منصب نائب رئيس الحكومة إلى حصة رئيس الجمهورية، وحصول القوات على حقيبة رابعة، وبذلك تحصل معراب على: العمل (مثلاً) والشؤون الاجتماعية والبيئة والثقافة. لكن مصادر القوات ترفض هذه «المقايضة» تماماً.