بعيداً عن التطورات الحكومية، يُنظر إلى اللقاء بين سليمان فرنجية وسمير جعجع بصفته «الحدث السياسي المُنتظر». هو خيار بديل لتيار المردة، بعد أن سُدّت الطُرق بينه وبين التيار الوطني الحر، وبات يشعر بتعرضه لحصار، وآخر «دليل» لديه هو محاولة منع حقيبة الأشغال عنه. يُضاف إلى ذلك، انفتاح ساحة زغرتا أمام «التيار» وميشال معوض، واستفادتهما من وهج العهد وخدماته، والتحديات البلدية في القضاء، ما يُحوّل «المردة»، بحسب الخصوم، إلى «زعامة قلقة».
يريد المردة توجيه رسالة بأنّ خياراته مفتوحة على كلّ القوى، على رغم «حصاره» خلال عهدٍ رئاسي موالٍ لـ8 آذار (هيثم الموسوي)

لم تكن زغرتا «ساحة سائغة» لمعظم القوى السياسية. فهي منبتُ آل فرنجية الذين «لُزّموا» تمثيلها السياسي والخدماتي لسنواتٍ طويلة. لا يعني ذلك إلغاء وجود الأحزاب والشخصيات السياسية الأخرى، إلا أنّها لم تبلغ يوماً مستوى من المنافسة «المتكافئة» مع تيار المردة. الانتخابات النيابية الأخيرة، عدّلت من المشهد الزغرتاوي، فحلّت التعددية مكان الأحادية، وبات هامش تحرّك حركة الاستقلال والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، أكبر من ذي قبل. هذه التطورات، وانتخاب طوني فرنجية نائباً، بَلْورت لدى «المردة» أهمية إجراء تقييم داخلي وورشة تنظيمية، يكون فيها لعنصر الشباب، لا سيّما الذين عملوا جنباً إلى جنب فرنجية خلال الانتخابات، دورٌ أكبر. لا يُريد طوني فرنجية التخلّي عن «العسكر القديم»، ولكن إفساح المجال أمام «دم جديد»، لا سيّما في مدينة زغرتا.
يُضاف إلى المنافسة السياسية، واستفادة حركة الاستقلال والتيار العوني من العهد الرئاسي لتعزيز نفوذهما، تحديات اجتماعية - بلدية، أُشعلت بوجه «المردة»: الخلافات داخل المجلس البلدي لزغرتا - إهدن واستقالة أعضاء البلدية المحسوبين على حركة الاستقلال والنائب السابق جواد بولس، مع ما يعنيه ذلك من إسقاط مشروعية المجلس البلدي القائمة على التوافق، وتسييس موضوع إنشاء موقف للسيارات في المكان المُسمّى «الكتلة» في إهدن (حيث تقع كنيسة أثرية)، لمحاولة تطويق «المردة» وتأليب الرأي العام ضدّه. تزامن ذلك مع انتظار «الحدث المُنتظر»: لقاء رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. لقاءٌ عنوانه «المصالحة»، ولكنّه مُصوّب ضدّ الوزير جبران باسيل، ومضمونه توجيه رسالة بأنّ خيارات «المردة» مفتوحة على كلّ القوى، على رغم حصاره خلال عهدٍ رئاسي «من الخط»، كان يُفترض أن يكون حليفاً له.
تَجمَع مصادر سياسية معارِضة للمردة كلّ هذه الأمور بعضها فوق البعض الآخر، لتخلص إلى أنّ «زعامة فرنجية أصبحت قلقة، وهي أمام تحديات عدة، فتراها تبحث عن خيارات متنوعة تُحصّن من خلالها نفسها، وتحمي وجودها». مصادر «المردة» لا توافق على هذه القراءة: «أبداً غير قلقين، نتائج الانتخابات أثبتت ذلك. طبعاً هي بحاجة إلى تحسين، ولكنّها مقبولة بالنسبة لنا. كما أنّنا لم ندّعِ مرّة أنّ زغرتا لنا، بل نحن الأقوى فيها».
أولى الملّفات التي تُرفع بوجه التيار الشمالي، هي البلدية. يقول مُنسق «لائحة الإنماء» (التي خاضت الانتخابات البلدية كمُمثل عن المجتمع المدني والمستقلين) والأستاذ الجامعي ميشال دويهي إنّه «أكثر مجلس بلدي ينتقده الناس في زغرتا، لتقسيمه المشاريع على العائلات، عوض أن يكون هناك عمل مؤسساتي مُمنهج. أدّى ذلك إلى صراعات بين المردة وحركة الاستقلال، التي اعتبرت أنّ التعاطي لا يزال بحسب عقلية الـ1998». يتهم دويهي النائب السابق سليمان فرنجية باستخدام البلدية «كإحدى دعائم زعامته، فيُصبح التعامل مع الشأن الإنمائي من منطق خدماتي بحت». انطلاقاً من هنا، «ندعو إلى إطلاق حوار بين الجميع، دعوة نُدرك صعوبتها، ولكن هناك حاجة لفصل الإنماء عن السياسة». في الإطار نفسه، يقول أحد السياسيين المُقربين من النائب ميشال معوض إنّ «الفكرة من التوافق البلدي، كانت عدم النظر إلى حاجات زغرتا كباب لتوزيع الخدمات بحسب الولاء السياسي، والتحول من المحاصصة إلى المشاركة في القرار. هذه التجربة فشلت». هي الخلاصة نفسها التي توصّل إليها «المردة»، بأنّ البلديات التوافقية «لا تنجح في السياسة». ولكنّ المصادر تؤكد بأنّ البلدية «لم تكن يوماً مركز خدمات لآل فرنجية». ما حصل، أنّ معوض «عوّل على أن تكون البلدية مدخلاً للتحالف النيابي، حين لم يحصل ذلك، أصبح لديه سبب للخروج».
في الإطار البلدي - الإنمائي، يُمكن إدراج الحراك (من مختلف الانتماءات السياسية، ومن ضمنه مناصرون لتيار المردة) ضدّ قرار لجنة الأوقاف في الرعية جرف «الكتلة» (قرب كنيسة مار جرجس) وإقامة مواقف للسيارات فيها. توضح مصادر «المردة» أنّ التجمع المُعارض لمشروع «الكتلة» لا هوية سياسية له، «نحن مستعدون لسماع أي رأي، وقد نقتنع به. فالاعتراضات دليل حيوية». هل يُنظر كذلك أيضاً إلى وجود ميشال معوض والتيار الوطني الحرّ في زغرتا؟ «ميشال والتيار، كلّ واحد منهما حالة مستقلة عن الآخر». وتشرح المصادر بأنّ معوض «ثبّت حضوره السياسي أكثر، واستفاد من القاعدة المشتركة بينه وبين القوات، ولكنّه لن يستفيد من خدمات العهد لأنّها تأتي على اسم الوزير بيار رفّول». أما التيار الوطني الحرّ، الذي ارتفعت أرقامه الانتخابية بين الـ2009 والـ2018، «فهذا ليس حجمه، بل بفضل العهد ووجود أجهزة الدولة إلى جانبه». وتؤكد المصادر أنّ «معوض - القوات - التيار يغرفون من الصحن الشعبي نفسه». وفي كلّ الأحوال، «لِنَرَ كم سيصمد تحالف التيار - معوض، بوجود تنافس بينهما».
الجواب يأتي من التيار الوطني الحرّ، فتقول مصادر وزارية فيه: «نحن لا نفكّ الرباط مع أحد، والمردة سابقاً هو من تركنا. نحن متحالفون مع معوض إلى أن يُقرّر هو العكس»، موضحةً أنّ بين «التيار ومعوض تحالفاً انتخابياً وليس سياسياً». يبدو العونيون مرتاحين إلى وضعهم في زغرتا، «وجودنا فيها كان قوياً ويعود إلى ما قبل الـ2005. تعزّز الحضور مع عملنا مؤخراً على إنماء القضاء، فأنجزنا خلال 9 أشهر قرابة الـ60 مشروعاً لها علاقة بالصرف الصحي والكهرباء والمياه والآبار». لم يتم التعاون مع معوض خدماتياً، إلا «خلال المرحلة الأولى من أعمال الصرف الصحي قرب نبع رشعين». في المقابل، تعتبر مصادر «التيار» أنّ وضع «المردة» يتراجع، نتيجة «بُعدهم عن الناس والكيدية في المعاملة والطريقة السيئة التي يتعاملون فيها مع العهد، ما خلق ردّ فعل شعبياً ضدّهم. والدليل، كان المردة ينال الرقم الأكبر من دون أن يدفع الأموال. خلال الانتخابات، وصلت قيمة الصوت، في مزيارة مثلاً، إلى 5000 دولار حتى يُحافظوا على وجودهم. الأموال لا تبني شعبية». وبكثير من الإيجابية، تعتبر أنّ «النتائج في الانتخابات المقبلة ستكون مفاجئة»!
تعتبر مصادر التيار العوني أنّ وضع «المردة» يتراجع، نتيجة «بُعدهم عن الناس والكيدية»


يتهم العونيون «المردة» بأنّه تحالف خلال الانتخابات، في شكلٍ مُستتر، مع القوات اللبنانية «فحرم بطرس حرب وويليام طوق من الصوت التفضيلي، ليفوز فادي سعد وجوزف اسحاق. والقوات رشّحت شخصية ضعيفة في زغرتا، لضمان مقعدٍ ثانٍ للمردة». حصل ذلك، في إطار تطويق التيار العوني والتمهيد للقاء «القوات» - «المردة». تنفي مصادر الأخير ذلك، «المنافسة الفعلية على المقعد الرابع كانت بين المردة والقوات، التي تلقت أكبر خيبة أمل انتخابية في بشرّي وزغرتا». لا علاقة، بالنسبة إلى «المردة» بين ما حصل خلال الانتخابات والعلاقة القواتية - المردة، «التي بدأت مع أنطوان زهرا، قبل أكثر من 10 سنوات». اللجنة المشتركة (طوني الشدياق ويوسف سعادة) ثبّتت الهدوء بين القواعد، «ولكن العلاقة لا تزال ناقصة، وبحاجة إلى لقاء فرنجية - جعجع لتُصبح طبيعية. اللقاء الثنائي له رمزية ويعني تطبيعاً كاملاً للعلاقة». توضح مصادر التيار الشمالي أنّ ما يحصل «لن يؤثر على تحالفاتنا في بشرّي وطرابلس والكورة وغيرها، ولن نتحالف مع القوات سياسياً والمنافسة بيننا ستستمر. مرحلة العداوة هي التي يجب أن تنتهي». ولا خوف من تمدّد «القوات» إلى زغرتا، لأنّ الانتخابات النيابية «أظهرت أنّ المنطقة ليست ملعباً مفتوحاً أمام القوات».
عوض أن يبحث «المردة» والعونيون في كيفية حلّ الخلاف (غير المُبرّر بعد اليوم) بينهما، ليصبّ ذلك في مصلحة حلفهما الاستراتيجي، يلجأ كل منهما إلى تفاهمات قائمة على المصلحة الخاصة والحسابات الضيقة. هو الصراع داخل الساحة الطائفية الواحدة حول المقاعد والحصص. فيأتي اليوم سليمان فرنجية، بعد التيار الوطني الحر، ليُقدّم «صكّ براءة» جديداً لجعجع، حتى يزيد مدماكاً آخر في تقدمه السياسي والشعبي. «قد يكون جعجع استفاد من التفاهم مع التيار، وقد يكون هو المستفيد من المصالحة، ولكنّ الانتخابات أعطته شرعية والكلّ يعترف بوجوده»، تقول مصادر «المردة»، نافية أن يكون اللقاء موجهاً ضد باسيل. ماذا عن تقبّل الجمهور لهذه الخطوة، بعد سنوات من التجييش؟ «لا أحد يُمكنه أن يتهم سليمان فرنجية بالمتاجرة بالشهداء أو المزايدة عليه، هو الذي فقد كلّ عائلته في المجزرة». لا تنفي المصادر وجود أناس غير راضين عن المصالحة، «ولكن القواعد منذ فترة تُحضَّر للأمر. ناسنا مع سليمان وخياراته».