من بوابة قانون النفط في البر، عاد صراع الصلاحيات إلى الواجهة، لكن هذه المرة ليس بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة بل بين المجلس النيابي ومجلس الوزراء. من هي الجهة التي يجب أن تملك سلطة القرار في ما يتعلق بتلزيم الأنشطة البترولية في البر، هل هي الحكومة أم المجلس النيابي؟ بحسب نص اقتراح القانون الذي تدرسه اللجان المشتركة، فإن الحكومة هي صاحبة هذا الحق. لكن هذه النقطة سبق أن اتُفق، في الجلسة السابقة للجان النيابية، على تعديلها، بحيث ينتقل الحق إلى المجلس النيابي. التعديل تم بالتصويت، فلم يعترض إلا قلة من النواب، إلى درجة أن أعلن مترئس الجلسة، نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي، حينها، أن التعديل تم بالإجماع.في جلسة أمس، أعيد النقاش إلى النقطة الصفر. طالب بعض الذين وافقوا على التعديل، وبخاصة من نواب كتلة المستقبل وتكتل «لبنان القوي»، بالعودة إلى النص الأصلي، فكان ذلك كافياً لفتح نقاش - خلاف مستجد في شأن الصلاحيات الدستورية لكل سلطة.
أصحاب وجهة النظر المؤيدة للإبقاء على مجلس الوزراء كسلطة تقرير، استعانوا بسابقة قانون البترول في البحر، الذي يولي مهام الموافقة على التلزيم والاستكشاف وتحديد الرقع... إلى مجلس الوزراء.
لكن في المقابل، فإن أصحاب الرأي الآخر، وبخاصة كتلة التنمية والتحرير وكتلة الوفاء للمقاومة، أصرا على موقفهما، استناداً إلى المادة 89 من الدستور، التي تشير إلى أنه «لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود». وعليه، فإن هؤلاء سألوا كيف يُعقل أن يبت مجلس الوزراء بمسائل تتعلق بتحديد حصة الدولة في الرخصة البترولية أو في اتفاقية الاستكشاف، أي بمسائل تتعلق بإدارة الثروات الطبيعية واستغلالها، وتحديداً البت في الالتزامات والامتيازات التي تعطى، من دون العودة إلى مجلس النواب؟ كما سألوا كيف يُمكن إنشاء الشركة الوطنية، التي هي مرفق عام، إلا بقانون (تعطى الصلاحية في المادة رقم 7 لمجلس الوزراء أيضاً). أضف إلى أن هؤلاء عادوا إلى المادة 13 من القانون المقترح، والتي تشير إلى أن مجلس الوزراء هو الذي يمنح حقاً بترولياً حصرياً للقيام بالأنشطة البترولية، ليؤكدوا من خلالها أن القانون المطروح يشكل مخالفة دستورية واضحة، انطلاقاً من أن منح الحقوق الحصرية لا يمكن أن يتم إلا عبر مجلس النواب. وقد وصل الأمر إلى درجة أن هدد النائب نواف الموسوي بالطعن بالقانون أمام المجلس الدستوري، في حال إقراره كما هو.
ما يمسكه معارضو إدخال مجلس النواب في المطبخ التنفيذي، على زملائهم أنهم غيروا رأيهم بين قانون البحر وقانون البر، لكن لأولئك روايتهم عن سبب التبديل. أولاً لأن مسألة البحر كانت حساسة، ومرتبطة بالصراع مع العدو الإسرائيلي، ولم تكن بحاجة إلى مزيد من التعقيدات الداخلية، وثانياً لأنهم لم يكونوا يملكون الأكثرية في مجلس النواب. وبالتالي، فإن طرح الأمر على التصويت كان سيعني الإصرار على معركة خاسرة. وهؤلاء أكدوا بالتالي أن ما يسعون إليه ليس الاعتداء على صلاحية لمجلس الوزراء أو التعدي على مبدأ فصل السلطات، كما اعتبر البعض، إنما استعادة صلاحية ممنوحة دستوراً لمجلس النواب.
ولأن النقاش وصل إلى طريق مسدود، كان الخيار بين أن يُصار إلى إعادة القانون إلى لجنة فرعية مجدداً، ما كان سيبقي على الخلافات نفسها، وبين ترك الأمر للهيئة العامة، فكان قرار الفرزلي تعليق القضية ورفع اقتراح القانون برمته إلى الهيئة العامة، التي يبدو أنها ستكون على موعد مع معركة طاحنة لا ترتبط بالقانون بحد ذاته، إنما بصراع الصلاحيات.
الموسوي هدد بالطعن بالقانون في حال أقرته الهيئة العامة كما هو


وإذا كان النقاش الدستوري – السياسي قد حجب النقاش التقني المرتبط بقطاع يتعلق بمستقبل لبنان لعشرات السنين، فإن مصدراً تقنياً مطلعاً، يوضح لـ«الأخبار» أن النماذج العالمية تتنوع تبعاً لطبيعة النظام السياسي، لكن في المطلق، فإن مجلس النواب هو الذي يوافق على اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج الموقعة مع الشركات، وهذا ما يحصل، على سبيل المثال، في النروج. ويوضح المصدر أن اتفاقاً لـ40 سنة، يتعلق مباشرة بميزانية الدولة لسنوات طويلة لا بد أن يكون لمجلس النواب القرار النهائي فيه، من دون أن يعني ذلك تورطه بالتفاصيل التقنية كالمفاوضات وتحضير العقد وشروط التأهيل والتلزيم وتحديد الرقع...، التي يجريها مجلس الوزراء. في المقابل، تؤكد مصادر وزارة الطاقة أن النموذج المعتمد في النروج يقضي بمنح الشركات امتيازاً، ما يعني نقل ملكية الموارد إلى الشركة الفائزة بالامتياز، ولذلك يتم عرض العقود على مجلس النواب. أما في لبنان، فالدولة تبقى مالكة للموارد، وتلزّم أعمال الاستكشاف والتنقيب للشركات، مقابل حصة في الإنتاج، من دون أن يدفع الجانب اللبناني أي تكاليف سواء عُثر على نفط وغاز أم لم يعثر.



أبي خليل يهدّد حطيط بـ«التفتيش»
فوجئ وزير الطاقة سيزار أبي خليل، عند دخوله إلى اجتماع اللجان المشتركة بوجود عضو هيئة إدارة قطاع البترول ناصر حطيط من بين الموظفين الحاضرين في الجلسة. وعلى الأثر، قال له، على مسمع من المستشارين وعدد من النواب: «ممنوع تحكي في الجلسة. ما تريد قوله تمرره لي وأنا أتحدّث»، فوقف حطيط مستأذناً رئاسة الجلسة بالمغادرة، إلا أن نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي تمنى عليه أن يبقى، وهكذا كان. لم ينته الأمر عند هذا الحد، إذ عاد أبي خليل، وهدد حطيط بإحالته على التفتيش المركزي.
وفيما نُقل عن حطيط أن رئاسة المجلس هي التي طلبت حضوره للجلسة للوقوف على رأيه التقني، بعدما اقتصر تمثيل الهيئة على رئيسها وليد نصر والعضو غابي دعبول، قالت مصادر أبي خليل إن الهيئة كانت ممثلة برئيسها وأحد أعضائها، ولم يكن هناك أي داع لحضور حطيط، إلا في حال قررت الهيئة - مجتمعة - ذلك. وحتى لو تقرر ذلك، فإن على حطيط أن ينقل ما سيقوله في اللجنة للوزير المخوّل بالحديث. وقالت المصادر إن الهيئة مستقلة إدارياً، لكن مشاركة أي عضو من أعضائها في اللجان النيابية يوجب الحصول على إذن وزير الوصاية.