قبل انتهاء مهلة الساعات الأربع والعشرين التي حدّدها رئيس غرفة قضاء العجلة في مجلس شورى الدولة، القاضي هنري خوري، للدولة اللبنانية (ممثلة بهيئة القضايا) و«شركة جهاد العرب للمقاولات»، لتزويده بالأجوبة حول ما يجري في العقار 740 في الباشورة (بناءً على المراجعة المستعجلة التي قدمت أمامه حول تفكيك السور الروماني)، جاءه الجواب. لكن المفارقة أنه أتى «خارج النص»، على ما يقول المتابعون للملف. فالجواب ــــ المكتوب بخط اليد في صفحتين ــــ لم يتطرق ولو بكلمة واحدة إلى ما يجري على العقار 740 من تفكيك للسور الروماني، وهو الموضوع الأساس، بل انصرف الى المنازعة في الشكل حول صفة الجهة المستدعية. صار شغل الدولة الشاغل التحقق من الصفة القانونية للمدعية، وهل يحقّ لها التقدّم بمراجعة أم لا، وهل تملك الأهلية للدفاع عن موقعٍ أثري؟هكذا ارتأت الدولة أن يكون جوابها. أن لا يقول شيئاً. فعوضاً عن أن توضح ماذا يجري فعلاً خلف الأسوار التي نصبتها شركة عقارية خاصة لتفكّك السور الروماني، ارتأت أن «تحارج» في صفة المتقدّم بالمراجعة المستعجلة، متناسية أنه، في الدرجة الأولى، مواطن يدافع عما يفترض أنه ملك عام. واعتبرت أن المستدعية، المحامية فداء عبد الفتاح، لم تبرز صفتها ومصلحتها للتقدم بالمراجعة، إذ إنها «لم تثبت ما إذا كانت من سكان بيروت أم لا، ولقبول المراجعة ــــ وبالرغم من أهمية موضوع الآثار ـــــ يقتضي أن يتوفر في المستدعية شرطا الصفة والمصلحة الشخصية والمباشرة كون دعاوى الإبطال ليست من المراجعات الشعبية». على أساس جواب كهذا، لا يحقّ للمستدعية أن ترافع في قضية تقع في نطاق العاصمة إذا لم تثبت أنها من سكانها، وبالتالي لا يحقّ لها الدفاع عن المكتشفات الأثرية التي هي أصلاً ملك وحق عامان! وعليه، فالأمر متروك لأهل بيروت. وعلى هذا النسق، يمكن الافتراض أن قلعة بعلبك شأن «بعلبكي» وقلعة صيدا «مسألة صيداوية داخلية»... هكذا قررت الدولة أن تفرز الملك العام والحق العام مناطقياً. بهذا المعنى، جواب هيئة القضايا «كارثي وسابقة خطيرة جداً جداً. أن تطلب دولة من مواطنيها أن ينزووا في مناطقهم ويكتفوا بالدفاع عما هو داخل مناطقهم وأن لا يتدخلوا بما يتعدى أسوار الحي هو الكارثة بعينها»، بحسب اختصاصي في الدستور، رفض الكشف عن اسمه. إذ «ليس من حق الدولة أن تفرز السكان مناطقياً، وللمواطن الحق والمصلحة ليس فقط في ما يحصل في مكان نفوسه وإقامته. أنا ابن بيروت، وعندي مصلحة وصفة بآخر زاوية بالهرمل وبالجنوب وجبل لبنان والبقاع».
الجواب لم يتطرق إلى السور، واكتفى بالمنازعة حول صفة الجهة المستدعية


مع ذلك، ستجاري عبد الفتاح جواب الدولة وستقدم اليوم جوابها الى القاضي خوري، مرفقاً بطلب تدخّل «من ذي مصلحة»، سنداً للمادة 72 من المرسوم الاشتراعي الذي ينظم مجلس شورى الدولة، والتي تعطي الحق لكل «ذي مصلحة أن يتدخّل في الدعوى، كما يجوز للمجلس أو للمقرر إدخاله فيها، على أن يقدم طلب التدخل باستدعاء على حدة، ولا يمكن أن يحتوي هذا الطلب إلا على تأييد وجهة نظر أحد الخصوم».
جواب الدولة لم يختلف عن جواب «شركة جهاد العرب للمقاولات» التي ذهبت إلى المنازعة أيضاً في صفة الجهة المستدعية من جهة، وفي التوجه نحو تقديم دعوى بحق الأخيرة لتشهيرها بالشركة، على اعتبار أنها ليست مالك العقار وليست هي من يقوم بأعمال الحفر والتفكيك تالياً.
الجوابان يضعان قضية السور الروماني على المحك، وخصوصاً إذا ما اتجه مجلس شورى الدولة إلى قرارٍ يقضي برفض المراجعة بالشكل، وهو ما يبطل تالياً مطالبة الجهة المستدعية باستمرار وقف أعمال تفكيك السور.