تعثر الحكومة والوزارات المختصة في إدارة أزمة النفايات، يرافقه تعثر الاتحاد الاوروبي في مشاريعه ذات الصلة. ما ينطبق على مشاريع المعامل المركزية في الخطط الحكومية الطارئة الفاشلة، مثل معملي الكرنتينا والكورال، ينسحب على المعامل الصغيرة التي موّلها الاتحاد في المناطق مع بلديات واتحادات بلديات، حتى بات الفشل سمة مركزية ولا مركزية، حكومية وغير حكومية، محلية ودولية. ماذا سيقول الخبراء الاوروبيون في الورشة التي دعت اليها وزيرة التنمية الادارية عناية عز الدين، في مجلس النواب اليوم، للبحث في تشريع إدارة النفايات، بعد إقرار القانون وليس قبله؟
(هيثم الموسوي)

يدعم الاتحاد الأوروبي قطاع معالجة النفايات منذ منتصف العقد الأول من القرن الجاري. وقد موّل، لهذه الغاية، برامج عدة لبناء منشآت لمعالجة النفايات وإطلاق حملات توعية وتعزيز قدرات البلديات في إدارة نفاياتها وبناء وتوسيع منشآت استعادة المواد والمطامر الصحية. لكن اللافت أن الاتحاد، بالاتفاق مع وزارة البيئة، أوكل تنفيذ هذه البرامج إلى وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية(!). وهو أمر غير منطقي بوجود وزارة متخصصة للبيئة يفترض أن تمتلك استراتيجية متكاملة لإدارة قطاع النفايات وفق قوانين واضحة، وتحدد الصلاحيات والمهام والمسؤوليات لكل المعنيين بهذا الملف، مثل مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الداخلية واتحادات البلديات والبلديات والقطاع الخاص.

أين الاستراتيجية؟
السؤال الأساس، دائماً، هو: لماذا لم يتم وضع هذه الاستراتيجية، ولماذا لم تضغط الجهات المانحة، كالاتحاد الاوروبي، في هذا الاتجاه بدل العمل بـ«المفرق» مع وزارات غير متخصصة، والسير في خطط غير متكاملة، وإنشاء معامل لبلديات غير قادرة على تمويلها وإدارتها وتشغيلها بعد التسليم؟
يدافع مسؤولو المشاريع الأوروبيون عن أنفسهم بالقول إنهم ينفذون ما تطلبه الحكومة اللبنانية، وإن تعثر كثير من المشاريع، كمعامل النفايات، سببه تعثر الحكومة واتحادات البلديات والبلديات. ويؤكد هؤلاء أن دراسة تقييمية لهذه المشاريع تجري حالياً، سيتم البناء عليها لوضع خطط تتلافى عثرات الماضي. الا أن قراءة أعمق، قد تظهر أن هناك مشكلة ــــ قبل التقنيات ومعها وبعدها ــــ في المفاهيم الغربية المستوردة، لا سيما من دول الاتحاد الأوروبي (مثل مفهومي التنمية ونقل التكنولوجيا)، مع الإشارة الى أن الوضع بات أصعب مع بدء الاستيراد من بلدان آسيوية تتبع النهج نفسه في «نقل التكنولوجيا»، ولكن مع تراجع دراماتيكي في المواصفات!

تصغير المشاريع
تشوب معظم المشاريع التي موّلها الاتحاد الأوروبي المشاكل البنيوية والاستراتيجية نفسها، وأهمها أن هذا المانح يتعامل مع «الموجود» و«المتوافر» من الادارات الرسمية. وغالباً ما يُبرّر العمل مع البلديات والجمعيات بالفساد وضعف التخطيط في الوزارات والإدارات المعنية. ولكن، هل يُعقل، بعد كل هذه التجارب وتعثر المشاريع وضياع الهبات والمساعدات، ألا يكون المانح الأوروبي قد اكتشف أن السلطات المحلية نسخة طبق الأصل عن السلطات الحكومية، وان القوى السياسية المسيطرة هنا هي نفسها هناك؟ وبالتالي، ما ينطبق على السلطة المركزية ينسحب على السلطات المحلية، إذا لم تكن هناك آلية واضحة وشفافة لعرض الخطط والاستراتيجيات والمشاريع. إلا إذا كان تصغير المشاريع المموّلة (إنشاء معامل بكلفة مئة أو مئتي الف دولار بدل مشاريع كبرى بالملايين) قد بات هدفاً استراتيجياً للجهات المانحة، لإظهار انها تدعم مشاريع كثيرة وتطبّق مبادئ «الإنماء المتوازن» السطحية، مسايرة لأكاذيب ممثلي المذاهب والطوائف!
لا يخفي الأوروبيون، في جلسات خاصة، تحميلهم مسؤولية الفشل الى الحكومات المتخبّطة والسلطات المحلية المتعثرة وتداخل شبكات المصالح السياسية والحزبية والعشائرية والعائلية. ولكن، ماذا عن مسؤولية المانح وشبكات المصالح التي تحوم حوله أيضاً؟ ومن يسأل عن كيفية اختيار الخبراء الاوروبيين أو المحليين لتنفيذ المشاريع، ومستوى «التفاهم» مع الشبكات المحلية (رسمية وبلدية وجمعياتية ومحلية وقطاع خاص محلي وأجنبي) التي تتشارك كلها في تحمل مسؤولية الفشل؟ ومن يسأل عن التواطؤ، بين كل هؤلاء، على صمّ الآذان تجاه أي انتقاد لهذه السياسات، وتجاه المطالبة باستراتيجيات متكاملة من أجل إنماء متكامل (وليس متوازناً)، وبتمويل المشاريع وفق أطر تشريعية واضحة وشفافة؟ ومن يسأل عن العلاقة التي تحوم حولها علامات استفهام كبيرة مع «المجتمع المدني البيئي»؟ وهل من قبيل الصدفة أن الجمعيات الشريكة للاتحاد الأوروبي تطلب التمويل منه من جهة، وتتبنى أفكاره ومفاهيمه وقيمه وتقنياته وسلعه من جهة أخرى… مهما كانت آثارها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية؟
نظرة سريعة على القطاعات التي يموّلها الأوروبيون تظهر أن النتائج تزداد مأساوية


نظرة سريعة إلى القطاعات التي يموّلها الاتحاد الأوروبي، لا سيما في ملفي النفايات الصلبة والسائلة والادارة المتكاملة للمياه وحماية البحر المتوسط، تظهر أن النتائج تزداد مأساوية سنة بعد أخرى! فكميات النفايات السائلة التي تتدفق الى المتوسط زادت، ولم يتم إنشاء وتشغيل أي محطة على الشاطئ، فيما زادت المكبات الشاطئية وباتت تستقبل أكثر من نصف نفايات لبنان الصلبة. في مقابل ذلك، سارع الاتحاد الأوروبي الى إرسال خبراء لتنشيط النقاش حول قانون النفايات، متجاهلاً ضرورة وضع استراتيجية للادارة المتكاملة، تماماً كما ضغط لإقرار قانون المياه، متجاهلاً كل الانتقادات لـ«استراتيجية» إدارة المياه التي تقوم في جوهرها على إنشاء السدود السطحية رغم آثارها البيئية البالغة السوء.
ربما «يحق» لممثلي الاتحاد الأوروبي تجاهل المطلب الاستراتيجي والاتجاه دائماً (في إدارة النفايات، كما في إدارة المياه) الى تبني فكرة ضرورة وجود قانون منظم فقط. فالدول المصدرة للتكنولوجيا لا تفاضل بين شركاتها ولا يهمها أياً من تقنياتها تختاره الدول المستوردة. المشكلة أساساً في عقول مسؤولينا وفي خلفية تفضيلهم تبنّي تكنولوجيات معينة على حساب أخرى. ومعلوم أنه كلما كانت التكنولوجيا أعلى كلفة وأكثر تعقيداً، مثل تكنولوجيا التفكك الحراري للنفايات وإنشاء السدود السطحية لجمع المياه أو تحلية مياه البحر... كانت الاستفادة أكبر!
هكذا تم «التخطيط» لإدارة ملفاتنا الحياتية طوال كل الفترة السابقة… وهكذا يُرجّح أن تستمر.