خضع ابني البالغ من العمر 21 عاماً لامتحان «دفتر السواقة» أخيراً. أوصلتُه إلى مركز الامتحان الخامسة والنصف صباحاً، مع اندهاشي لطلب الحضور في مثل هذا الوقت المبكر. بعد «دورة» استمرت دقائق لتعلم «الإشارات» على الكومبيوتر، قاد مقابل 20,000 ليرة، السيارة التي كان سيخضع لـ«امتحان السواقة» عليها.عند التاسعة حان وقت الامتحان: القيادة لمسافة تقل عن 100 متر بسيارة بـ«فيتاس عاديّ»، ركنُ السيارة رجوعاً، ثم القيادة إلى الخلف لمسافة 50 متراً... ومبروك!
بعد هذا النجاح، وفي طريق العودة على الأوتوستراد السريع، التصق بسيارتي من الخلف متهوّر أخذ «يضوّي ويطفّي» لإبعادي عن طريقه. كلانا كان يقود بسرعة 100 كلم في الساعة، ما يعني أن أقلّ إرباك ــــ كأن أرى جثّة كلب على الطريق فـ«أدعس فرام» ـــ سيحوّل سيارتينا كتلةً من «اللحم بحديد». عندها أخذت أحلّل «امتحان السواقة» الذي خضع له ابني:
هل يؤهّله للقيادة بسرعة 100 كلم في الساعة على الأوتوستراد من صيدا إلى بيروت مثلاً، فيما سرعة السيارة أثناء الامتحان كانت 5 كلم في الساعة؟
هل يعلّمه أنه إذا أراد تغيير خطّ القيادة على الأوتوستراد عليه أن يعطي إشارة إلى اليمين أو اليسار، فيما أكثر من 80% من السائقين يقفز من خطّ إلى آخر بخفة الغزال؟
هل يؤهّله لقطع الطريق من خطٍّ إلى آخر مع سيارة خلفَه «تأمره» بإفساح المجال له، وأخرى أمامه تومض له بأن «لا تقطع وإلا!...»، ودراجة بعكس السير يحاول سائقُها أن يلعب بحياته كالـ«بلاي ستايشن»؟
هل يؤهّله للتعامل مع موكب نائب أو وزير أو زعيم يقود بسرعة 150 كلم في الساعة؟
لا عجب، والحال هذه، من عدّاد الشؤم الذي تعلنه يومياً غرفة التحكم المروري. إذ أن معالجة هذه الحوادث تبدأ من تعليم أولادنا أساليب القيادة الصحيحة ثم امتحانهم امتحاناً يعكسُ ما «سيقاسونه على درب الجلجلة».
في معظم الدول يكون امتحان القيادة لمدة 30 أو 40 دقيقة، يقود فيه الممتحَن سيارته في مناطق وظروف مختلفة لامتحان قدرته على التحكّم بالسيارة ومهاراته القيادية، وما إذا كان مؤهلاً للقيادة بشكل واقعي، وبطريقة منسجمة مع قوانين السير. في تلك الدول، ليس امتحان القيادة مجرّد «10 دقايق... وبيقطع»، بل امتحان أخلاقي في الحفاظ على أرواح العباد وأرزاقهم. هذه إحدى الطرق التي يمكننا أن نحمي بها أبناءنا وتحول دون أن يصبحوا أرقاماً في عدّاد غرفة التحكم المروري.