الحديث عن خطورة القرار الأميركي وقف تمويل «الأونروا»، وصولاً إلى إنهاء خدماتها، ليس وهماً أو «مؤامرة». الخطر جدّي وحقيقي، ولا سيّما مع استهداف الولايات المتحدة دائماً لعمل «الأونروا»، والتلويح بـ«معاقبتها». ما تبدّل حالياً، هو اللغة الواضحة المُستخدمة، لمشروع بدأ العمل عليه قبل مدة. إحدى المحاولات لإلغاء حق العودة، سُجِّلت في عام 2002، حيث كان العمل جارياً في جامعة الدول العربية للتصديق على «مُبادرة بيروت للسلام»، من دون أن تتضمن حقّ العودة! تسلّح يومها الرئيس السابق إميل لحود، بكونه رئيس القمة العربية المنعقدة في بيروت، ليُهدّد وزير الخارجية السعودي (في حينه) الأمير سعود الفيصل، بأنّ لبنان لن يسمح بأن يمرّ بيان لا يُدرج فيه حقّ العودة. وقد ذكّر لحود وقتها بالدستور اللبناني، الذي ينصّ على رفض التوطين، فكان لرئاسة لبنان ما طالبت به، وسقطت عملياً المبادرة من وجهة نظر الأميركيين والإسرائيليين لأنها تضمنت تمسكاً بحق العودة.
بعد ١٨ عاماً، يعود لبنان ليُثبت موقعه في مقدمة الدول العربية، الحامية للقضية الفلسطينية وحق العودة، فيتكامل بذلك النضال العسكري المقاوم، مع المواقف الرسمية للدولة اللبنانية. تجلّى ذلك بداية في بيان وزارة الخارجية، أول من أمس. رفعت «الخارجية» الصوت بوجه واشنطن وقرارها، مُعيدة تحديد أصل المشكلة: «الفلسطينيون هُجروا بسبب آلة القتل الإسرائيلية، مُستفيدة من غضّ النظر والتخاذل الدوليين». وقد كان لافتاً السقف المرتفع للبيان، بأنّ «المساهمات ليست منة من أحد، بل واجب على الدول التي وافقت على إنشاء إسرائيل على أرض فلسطين، وغطت احتلال أرضها وتشريد شعبها».
أعلن سفراء فرنسا وبريطانيا وسويسرا رفع مساهمة دولهم في تمويل «الأونروا»
الإجراءات اللبنانية لم تقف عند هذا الحدّ. يوم أمس، جمع وزير الخارجية جبران باسيل في الوزارة، 15 سفيراً و9 قائمين بالأعمال للدول المضيفة والمانحة والمعنية بملف «الأونروا». غاب عن الاجتماع سفيرة الولايات المتحدة الأميركية، «لأنها لم تُزود بتعليمات من دولتها»، بحسب مصادر «الخارجية»، التي وصفت الاجتماع «بالجيّد جداً، تخلّله عرضٌ من باسيل للمشكلة وخطورتها بتعزيز التشرد والفقر وتوقف تقديم الخدمات الأساسية كالتعليم والطبابة، وحرمان فئة كبيرة من الناس العيش الكريم». وبحسب المصادر، فقد قال باسيل للمجتمعين إنّ «قطع المساهمة الأميركية، أتى بعد سلسلة خطوات سياسية أبرزها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مُناشداً الدول زيادة مساهماتها. وقد ذكّر بأنّ الدستور اللبناني يرفض مبدأ التوطين». عرف باسيل كيف يُدغدغ مشاعر سفراء الدول الأوروبية، «فحذرهم من أنّ إسقاط حقّ العودة، سيرفع من نسبة الهجرة، ما سيكون له ارتدادات سلبية على أزمة اللجوء في أوروبا». أكثر المُتفاعلين خلال اللقاء كانا سفيري ألمانيا والسويد، «وقد أبلغانا أنّ وزيري الخارجية في بلديهما أطلقا حملة لرفع نسبة مساهمات باقي الدول المانحة في الأونروا. حماستهما هي نتيجة خوفهما الحقيقي من زيادة حركة الهجرة، وهي إنذار حقيقي وليس وهمياً». أما سفراء فرنسا وبريطانيا وسويسرا، «فقد أبلغونا قرار دولهم رفع نسبة مساهمتهم». الأمر اللافت، بالنسبة إلى المصادر، كان «صمت سفراء دول الخليج خلال الاجتماع، وعدم تقديمهم أي اقتراح. حتى لم يتفاعلوا أبداً مع الحديث!».