جبال بأكملها «اختفت»، وأخرى تغيّرت معالمها تماماً في عكار، سواء لجهة الضنية ـــــ بلدة القمامين، أو عند «الحدود» مع الهرمل حيث كسارات عملاقة ابتلعت جبالاً من الأراضي المصنّفة «جمهوري»، أو على الحدود الشمالية مع سوريا وتحديداً في منطقة الدريب والعبودية وشيرحميرين. زحمة الشاحنات على الطرقات الرئيسية في عكّار تؤكد أن هذه المنطقة لا تزال تشكل هدفاً لتجار الأتربة وبيع الرمول، ما دفع برئيس بلدية تلعباس الغربي وليد متري الى اتخاذ قرار يقضي بمنع عبور الشاحنات في نطاق بلدته، بعدما بات أوتوستراد البلدة الذي أهّلته الهيئة العليا للإغاثة «المعبر» المفضّل لأصحاب شاحنات الأتربة والرمول. لكن قرار متري بقي يتيماً ولم يسرِ على بقية البلدات المتضررة من عبور الشاحنات في شوارعها.
اللافت في كل ما يجري هو قدرة أصحاب المقالع والسماسرة على التحايل على القانون، وتأمين تغطية من القوى الأمنية التي تمارس سياسة غض النظر.
فبعد تدخل المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، قبل أشهر، لوقف أعمال الحفر في الحوشب والسويسة وكروم عرب، أعادت الجرافات والآليات إدارة محركاتها في بلدتي العبودية وشيرحميرين، وتحديداً في منطقة الجدوع وقبر المطربة، حيث تعمل أكثر من حفرية ضخمة على سحب الأتربة ونقل الناتج من الرمول إلى شركات الترابة في شكا بمعدل 200 شاحنة يومياً، لمصلحة شركتي «كرامي» و«الجارودي». وكل ذلك يتم بتغطية أمنية واضحة. إذ لا يبعد موقع الحفر عن مخفر العبودية أكثر من 200 متر. رغم ذلك، لم «يلحظ» المخفر الموقع الذي تحول الى خلية نحل وتعمل فيه 5 جرافات كبيرة بشكل متواصل.
المعطيات المتوافرة لدى «الأخبار» تشير الى أن أعمال الحفر الجديدة تجري وفق إحالة صادرة عن وزارة الداخلية والبلديات تجيز استصلاح الأرض عن طريق تدرجها، وإنشاء 8 جلول، ونقل الأتربة «الزائدة». إلا أن ما تم نقله يناهز الـ 700 ألف طن، بعدما تمكن المقاول س. س. من الحصول على إحالة تجيز له نقل الأتربة لمدة شهر من منطقة العبودية، وأتبعها بإحالة ثانية مدتها سبعة أشهر. واللافت أن الإحالتين لم تحددا الكميات المراد سحبها ولا وجهة نقلها، في محاولة واضحة للتحايل على القانون بهدف إمرار الصفقات، علماً بأن هذه المنطقة تتميز بسهولة حفر التراب وتعبئته كونه من النوع البازلتي المعروف بليونته.
لم «يلحظ» مخفر العبودية موقع الحفر الذي لا يبعد عنه أكثر من 200 متر


مصادر متابعة أكدت أن نحو 200 شاحنة تعبر يومياً طريق العبودية ــــ الشيخ عياش، ومنها الى الطريق الدولية الساحلية، وصولاً الى شكا. وقد جرى شق طرق خاصة لتسهيل مرور الشاحنات التي تخترق بلدات سهل عكار، وتتسع كل منها لـ 50 طناً، أي أن ما يعادل 10 آلاف طن من الأتربة تنقل يومياً من موقع شيرحميرين فقط، إضافة إلى شاحنات كبيرة تتسع لأكثر من 50 طناً. ووفقا لعملية حسابية بسيطة، فإن نحو مليون متر مكعب يتم سحبها من عكار الى شكا خلال ستة أشهر.
ومن الواضح أن «هجمة» السماسرة تأتي كمحاولة لاستغلال الرخصة الممنوحة لسحب أكبر كمية ممكنة من الأتربة قبل انتهاء المهلة. واللافت أن الشاحنات العاملة على خط نقل الأتربة كلها من خارج عكار، وتحديداً من طرابلس وزغرتا وبيروت والهرمل. وتؤكد المصادر أن «أعمال الحفر لم تتوقف على الإطلاق، وإنما يتم تغيير الموقع بعد فضح الأمور في وسائل الإعلام، وبالتالي فإن شفط الأتربة مستمر وعلى عينك يا تاجر». وتوضح المصادر أن شركات الترابة «تدفع دولاراً ونصف دولار ثمناً للطن الواحد فقط، أي أن سعر حمولة الشاحنة لا يتجاوز الـ 80 دولاراً، فيما تحقق الشركات أرباحا خيالية» مؤكدة «أن جبالاً من الأتربة باتت موجودة في شكا».