مع تشكيل حكومة تصريف الأعمال الحالية وتسلم الوزير يوسف فنيانوس وزارة الأشغال، كان قد بقي خمسة مشاريع متعلقة بأنظمة الحماية عالقة من أيام سلفه غازي زعيتر (أجّلت إدارة المناقصات استدراجات عروضها لأسباب تتعلق بغياب العدالة والمنافسة).حينذاك، أعاد فنيانوس هذه التلزيمات إلى مجلس الوزراء مقترحاً إجراءها عبر مناقصات تجريها إدارة المناقصات بدلاً من استدراج العروض. وبالفعل، وافق مجلس الوزراء، في 25/1/2017، على طلب فنيانوس، «على أن يعرض وزير الأشغال دفتر الشروط على اللجنة الفنية التي سيؤلفها رئيس مجلس الوزراء للتأكد من مطابقة الشروط الفنية الأحدث في مجال التجهيزات الأمنية».
وقد ضمت اللجنة حينها مندوباً عن كل من: رئاسة مجلس الوزراء، مجلس الإنماء والإعمار، الجمارك، الطيران المدني، وزارة الداخلية وجهاز أمن المطار.
وعملياً، وبغض النظر عن مدى دستورية وقانونية تدخل مجلس الوزراء في تعيين لجان لوضع دفاتر شروط أو مواصفات تجهيزات أمنية، إلا أنه بدا واضحاً أن معظم أعضاء اللجنة لا يملكون خبرة فنية من النوع الذي يؤهلهم البت بأمر أنظمة الحماية.
وعلى رغم أن تحويل استدراجات العروض إلى مناقصات هو في الظاهر مظهر من مظاهر الشفافية، إلا أن عدم تعديل دفاتر الشروط، أدى عملياً إلى استمرار غياب اعتبارات العدالة والمنافسة والمساواة، التي كانت إدارة المناقصات قد اشتكت من غيابها في العام 2016، وأدت إلى تأجيل ما كان مطروحاً أمامها.
بالنتيجة، وبعد تجزئة عدد من المشاريع المقترحة للتلزيم، صار عدد التلزيمات المقترحة ثمانية بدل خمسة (كانت بقيت من الحكومة التي سبقت)، هي: جهاز مسح بالأشعة السينية على شكل بوابة للكشف على السيارات والشاحنات، آلات كشف بالأشعة السينية على الحقائب الكبيرة وأخرى على الحقائب الشخصية، إضافة إلى آلية متنقلة للكشف على الحقائب، حاويات خاصة لعزل الحقائب الكبيرة التي تحوي متفجرات، وأخرى للحقائب الشخصية، أجهزة كشف بالأشعة السينية على أنظمة جرارات الحقائب الواردة إلى المطار، ونظام مراقبة تلفزيونية عبر الكاميرات.
وبالفعل، اتخذت اللجنة قرارها المتعلق بدراسة الشروط الفنية لهذه التلزيمات في 8/2/2017، مع إجرائها بعض التعديلات. وقد تضمن تقريرها المرفوع إلى رئاسة الحكومة، اقتراحاً بتلزيم ملف جهاز الـx-ray الخاص بالكشف على السيارات والشاحنات عبر عقد اتفاق رضائي، بعدما تبين وجود وكيل حصري للشركة المصنّعة له (مجموعة الحمرا). كما أشارت اللجنة إلى موافقتها بالإجماع على تبني المواصفات التي اقترحها رئيس جهاز أمن المطار جورج ضومط للبوابات الثابتة لتفتيش الآليات (Scatter technology z-portal 3 sided bak)، والجهاز على شكل بوابة قوس تمر السيارات عبرها ويتم مسحها من ثلاثة اتجاهات ويعطي ست صور للمركبة، إضافة إلى وجود كاميرا في أسفل البوابة. وبحسب الشرح المقدم من ضومط، فإن الجهاز يمتاز بمقاسات مناسبة بخلاف سائر الأجهزة التي عرضت مواصفاتها اللجنة ووجدتها غير مناسبة بسبب قياساتها التي لا تسمح بمرور آليات خدمة الطائرات المعتمدة في المطار (ركّبت الأجهزة على حاجز المطار الرئيسي إضافة إلى المدخلين 6 و12، علماً أن مصادر ديوان المحاسبة أكدت أنها أجرت تقييماً للصفقة وتبين لها أنها تراعي المواصفات المستعملة عالمياً).
أما بالنسبة للملفات الأخرى، فاقترحت اللجنة إجراءها عبر إدارة المناقصات بصورة سريعة نظراً للحاجة الأمنية الملحة، كما اقترحت على مجلس الوزراء الطلب من إدارة المناقصات أن تتم الاستعانة بفنيين متخصصين من قبل وزارة الأشغال ووزارة الداخلية، وقد وافق المجلس على هذه الاقتراحات في الجلسة التي عقدت في 24/3/2017.
في الخامس من حزيران 2017، أجرت إدارة المناقصات تلزيم حاويات عزل المتفجرات، ولم يسفر التلزيم عن نتيجة إيجابية، بعدما تقدم للمناقصة عرضان رفض الأول من الناحية الشكلية (سايت تكنولوجي) وبقي العرض الثاني المقدم من شركة الحمرا التي يملكها عبد الهادي مقدم، مقفلاً لبقاء عارض وحيد.
لكن في 12/10/2017، أصدر مجلس الوزراء قراراً وافق فيه على اقتراح وزارة الأشغال السير باتفاق رضائي مع الشركة، بحجة أن المطار يستدعي هذه الآلة سريعاً نظراً لضرورات أمنية. كذلك وافق المجلس في الجلسة نفسها على تلزيم شركة الحمرا، رضائياً أيضاً، بوابات الكشف على السيارات.
كما شهدت الجلسة نفسها الموافقة على تعديل دفاتر شروط لمناقصات سبق أن طرحت في إدارة المناقصات وأوقفتها الوزارة، تتعلق بأجهزة الكشف على الحقائب والأشخاص وتلك التي تركّب على جرارات الحقائب. وتقضي التعديلات المقترحة من اللجنة الفنية «بضرورة أن تكون الآلات المطلوبة حاصلة على شهادة أوروبية وأخرى أميركية في ما يتعلق بخدمة TIP، بعدما كان دفتر الشروط يفرض الحصول على شهادة واحدة إما أميركية أو أوروبية».
ولأن خبراء معنيين أكدوا حينها أن الحصول على الشهادتين ليس ضرورياً أمنياً إنما يكفي توافر واحدة منهما لضمان عمل الأجهزة في شكل آمن، فقد بدا أن مهمة التعديل هي تضييق هامش المنافسة إلى حد تفصيلها على قياس «شركة الحمرا».
وبذلك، تكون جلسة مجلس الوزراء تلك قد خلصت إلى تقديم خمسة تلزيمات إلى شركة «الحمرا»، إما مباشرة أو مواربة.
ديوان المحاسبة: عرض لـ«الحمرا» ومنافستها كتبا بالخط نفسه


وبالفعل، لم يتأخر تحوّل الشكوك إلى أمر واقع مع إجراء إدارة المناقصات تلزيم أنظمة جرارات الحقائب في 26/4/2018 وتلزيم أجهزة الكشف على الحقائب والأشخاص (المجموعة أ) في 26/4/2018. إذ تقدم إلى التلزيمين ثلاثة عارضين هم شركة «ساكوتيل» وشركة «مياتيل ـــ ميدل إيست» وشركة «الحمرا غروب»، فرفضت «ساكوتيل» في التلزيمين بسبب عدم حصول آلات التفتيش المقدمة منها على شهادة أميركية، بل أوروبية فقط، فلم يبق في المنافسة سوى شركتين، لتكون النتيجة فوز شركة الحمرا بهذين التلزيمين أيضاً.
واستكمالاً لمسار تسليم الشركة كل المناقصات المطروحة، لزّمت إدارة المناقصات أجهزة كشف الحقائب والأشخاص (المجموعة ب)، التي تقدم لها عارضان هما شركة «طاسوكو» وشركة الحمرا، ففازت «الحمرا» أيضاً.
لكن المفاجأة ظهرت عند عرض النتيجة الرقابة المسبقة لديوان المحاسبة. كان يفترض أن يكون الأمر روتينياً لكن قرار الديوان الصادر في 3/5/2018، جاء فيه الآتي حرفياً: «بنتيجة التدقيق الذي أجراه الديوان في المستندات المرفقة بالملف، تبين له وجود تطابق في نوع خط اليد ولون الحبر المعتمد في تعبئة عرضي الأسعار العائدين للشركتين المتنافستين... وبنتيجة ذلك أصبح من الثابت لدى الديوان أن ذات الشخص قام بتعبئة عرضي الأسعار الأمر الذي يشكل تواطؤاً يؤدي إلى إفساد النتيجة التي توصلت إليها المناقصة، وبالتالي اعتبارها مخالفة للقانون مما يستوجب عدم الموافقة عليها».
على رغم هذه النتيجة، طلب وزير الأشغال من مصلحة صيانة الأجهزة في المديرية العامة للطيران المدني دراسة «اعتدال» الأسعار بعد إرساء التلزيم. وفي الوقت نفسه، أجرى ديوان المحاسبة تدقيقاً إضافياً تبين على أثره أن «وزارة الداخلية أجرت في العام 2015 استدراج عروض لتأمين التجهيزات نفسها، فتقدمت شركة الحمرا في حينها بسعر يبلغ 2.750 مليون دولار، في حين أن سعرها في المناقصة الحالية بلع 5.122 مليون دولار، مما ينفي صفة الاعتدال عن السعر المعروض، ويجعل التلزيم مخالفاً للقانون ويقتضي بالتالي عدم الموافقة عليه».
ولولا تنبه الديوان إلى التواطؤ في المناقصة الأخيرة، فإن شركة الحمرا تكون قد فازت بكل تلزيمات الأجهزة الأمنية الخاصة بالمطار، إما عبر عقد اتفاقات رضائية معها أو عبر تأمين منافس وهمي في التلزيمات التي أجريت عبر إدارة المناقصات، ودائماً من خلال دفتر شروط مفصّل على قياسها.



جريصاتي يحرّك الملف قضائياً وفنيانوس يُبارك
بعد التقرير الذي نشرته «الأخبار»، أمس، عن تلزيم أجهزة الكشف على البضائع في مطار بيروت، وجه وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي، كتاباً إلى النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، طلب فيه «تحريك الدعوى العامة في صفقات مشبوهة تحصل في مطار رفيق الحريري الدولي ــــ بيروت قد تتوافر فيها عناصر الجرائم الواقعة على الإدارة العامة عملاً بالمواد 350 وما يليها من قانون العقوبات (الرشوة واختلاس الأموال العامة والغش في أموال الدولة)، والتي لم يمر عليها الزمن، بمقتضى المادة 14 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والإفادة عند الإتاحة القانونية بنتائج الملاحقة».
وفي وقت لاحق، أصدر المكتب الإعلامي لوزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال يوسف فنيانوس التوضيح الآتي: «حيث أن وزير العدل سليم جريصاتي قد وجه كتاباً إلى النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود طلب بموجبه تحريك الدعوى العامة في صفقات مشبوهة تحصل في مطار رفيق الحريري الدولي، يهمنا في هذا المجال التأكيد على السير ودعم أي ملف يستدعي التحقيق والإحالة إلى القضاء المختص لتبين الحقيقة كل الحقيقة في شأن سائر الملفات المتعلقة بعمل المطار على غرار موقفنا من ملف المزايدة الخاصة بالسوق الحرة وما أثير حولها والنتيجة التي خلصت إليها».


طارد النوارس
برز اسم صاحب شركة الحمرا عبد الهادي مقدم على خلفية أزمة النوارس التي واجهت مطار بيروت مع بداية عهد حكومة الرئيس سعد الحريري (قبل وقت وجيز من إقرار مجلس الوزراء للاتفاقات الرضائية مع الشركة)، وبعد قرار توسيع مطمر الكوستابرافا. إذ قدّم في ذلك الوقت هبة لمصلحة إدارة الطيران المدني هي عبارة عن 16 جهازاً طارداً للطيور، بقيمة 400 ألف دولار.
حينها قال الوزير السابق وئام وهاب إن تقديم عبد الهادي مقدم لأجهزة طرد الطيور مرتبط بسعيه إلى الحصول على صفقة أجهزة حماية في المطار ذات مواصفات سيئة، سبق أن رفض مطار أبو ظبي تركيبها.