وزارة الخارجية اللبنانية، لن تقبل طلب ترشيح مُساعد وزير الخارجية للشؤون المالية والإدارية جمال الغانم، حتّى يكون رئيساً للبعثة الدبلوماسية الكويتية لدى لبنان. قرار الوزير جبران باسيل، يأتي من خارج «أدبيات» الدبلوماسية اللبنانية. المراجع الكويتية أُبلغت بالأمر، ومنعاً لأي إحراج دبلوماسي، ستُبادر إلى سحب طلب ترشيح الغانم، والتمديد للسفير الحالي عبد العال القناعي. خطوة باسيل تُعدّ «جريئة»، بعد أن كانت الكويت قد رفضت، منذ إنجاز التشكيلات الدبلوماسية في تموز 2017، استقبال طلب اعتماد السفير اللبناني المُعيّن لديها، ريّان سعيد. لم يضع لبنان شروطاً على هوية السفير الكويتي، أو انتمائه الديني، كما أنّه ترك «الحرية» للكويت بإرسال طلب الترشيح، مُحتفظاً لنفسه بحقّ القبول أو الرفض. في العادة، كانت هذه الطلبات تُقبل بسرعة قياسية، ولكن مرّ شهر تقريباً على تقديم طلب ترشيح الغانم، من دون قبوله لبنانياً.
ليس أمراً عابراً أن يُشهر لبنان «البطاقة الصفراء» بوجه دولة أخرى، فكيف إن كانت خليجية. كما أنّه ليس بسيطاً أن تتمكّن «الخارجية» من فرض خيارها على الطرف الثاني، من دون التسبّب بأزمة بين البلدين. ولكن، لم يكن بالإمكان قبول اعتماد سفير دولة، ترفض مُجرّد إرسال أوراق اعتماد سفير لبناني.
يُعيد تصرّف «الخارجية» للأذهان، يوم رفضت رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية تعيين موعد للسفير السعودي حتى يُقدّم أوراق اعتماده، بسبب تجميد السعودية تعيين السفير اللبناني لديها فوزي كبّارة. علماً أنّه في حالة السفيرين اللبنانيين لدى السعودية والإمارات، «استشرس» رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري لحلّ الملّفين، آخذاً الأمر على عاتقه، في حين أنّه في موضوع ريّان سعيد تطغى اللامبالاة، وتُرمى الكرة في ملعب رئيس مجلس النواب نبيه برّي، «الذي قال إنّه سيحلّها مع الكويتيين، بسبب علاقاته المميزة معهم. وإذا لم ينجح، فإنّ المخرج الوحيد هو في إجراء تبديل بين الكويت وبعثة دبلوماسية أخرى، أو طرح اسم آخر غير ريّان سعيد»، بحسب مصادر قصر بسترس.
ردّ وزارة الخارجية على ترشيح الكويت، للغانم، كسر «الأعراف» السائدة، ولكنّه كان ضرورياً لحفظ ماء وجه لبنان، بعد أن وضعت الكويت، وبطلب سعودي، «فيتو» على استقبال الدبلوماسي اللبناني، لأسباب طائفية ـــ سياسية، بين انتماء سعيد إلى الطائفة «الشيعية»، وربط كلّ أبناء هذه الطائفة بحزب الله وإيران. حُمّلت الكويت ما لا قدرة لها على احتماله، على رغم وجود نسبة كبيرة من المواطنين «الشيعة» فيها.
العلاقة بين لبنان والكويت، لم تكن يوماً سيئة، منذ استقلال البلدين حتى تاريخه. وعلى رغم تماهيها مع سياسات السعودية إقليمياً، إلا أنّ الكويت حاولت دائماً أن تلعب دور «الوسيط» خليجياً وعربياً، في محاولة منها لـ«حفظ رأسها»، وهي الواقعة في نقطة جغرافية حساسة بين العراق والسعودية. أتت ما عُرفت باسم «خلية العبدلي»، لتُثير موجة على وسائل التواصل الاجتماعي ضدّ إيران وحزب الله، وتُشكّل مادة للأصوات الدينية والسياسية الكويتية المحسوبة على الرياض، في تحريضها على هذا الفريق. وبما أنّ «التويتر» في الكويت، أحد صُنّاع الرأي العام، لم تستطع السلطات الكويتية إلا أنّ تسير بهذه الموجة.
خلال زيارة ميشال عون للكويت، في كانون الثاني الماضي، برز اتجاه إلى إيجاد حلّ للموقوفين في «خلية العبدلي». وكان من المفترض أن يكون الملّف الدبلوماسي على جدول البحث، إلا أنّه «شُطب» بطلب كويتي. ومن حينه، أُقفل على الموضوع في أدراج وزارة الخارجية. وعلى رغم «تطور» ما بدأ يُسجّل في العلاقة بين إيران والدول الخليجية، وأولى بوادره افتتاح مكتب رعاية المصالح الإيرانية في السعودية، إلا أنّ هذا الأمر لم ينسحب على الضغوط الخليجية المستمرة على لبنان.
في المقابل، يحرص لبنان الرسمي على أفضل العلاقات مع الكويت، لا سيّما بعد زيارة عون إليها، وإعادة تفعيل التعاون الاقتصادي الثنائي، والزيارة الأخيرة لرئيس مجلس الأمّة الكويتي مرزوق الغانم الذي أعلن، من قصر بعبدا، رفع الحظر على زيارة الكويتيين إلى لبنان قبل فترة. وربّما لذلك، أرادت «الخارجية» التكتّم على قرارها، وعدم تظهيره في الإعلام. وعلى العكس من ذلك، تتحدّث مصادرها عن «الدور الإيجابي» للكويت تجاه لبنان، وبأنّ «التعاون الدبلوماسي مع الكويت، هو في المرتبة الثانية، بين الدول الخليجية». وتقول المصادر إنّ هذا القرار اتُخذ، «حتى لا تنكسر هيبة الدولة ولردّ الاعتبار».