هي ليسَت المرة الأولى التي يظهر فيها تباين أو اختلاف في الرؤية بين حزب الله وحركة أمل إزاء استحقاق سياسي أو اقتصادي ــــ اجتماعي أو محلي. غيرَ أن قضية الباخرة التركية التي مُنعت من الدخول إلى الزهراني، بكل فجاجتها، سرعان ما جرى استغلالها واستثمارها، فأشعلت جدالات عقيمة على مواقع التواصل الاجتماعي بين جمهورَي الحزب والحركة، بلغت حدّ التخوين والاتهام المتبادل بالفساد. لا يخفى على الطرفين أن واقع الناس الاجتماعي المؤلم والصعب، لا يحتاج إلى شواهد. الصرخة أصلاً موجودة في كل بيت لبناني، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بوفر كهربائي في زمن الحر وآب اللهاب. لم يكن «الإخراج» ناجحاً، فتحولت الباخرة إلى أسطورة. أخذت القضية أكبر من حجمها الحقيقي. نبشت فعلياً في ملف العلاقة ضمن ما يسمى «البيت الشيعي»، وكذلك بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، برغم توافق طرفي هذه العلاقة المستحيلة على «مكافحة الفساد معاً»، وفق ما أعلن رئيس التيار الوطني الحر بعد آخر زيارة له لعين التينة قبل أسبوع.
ما جرى استوجب قرع الجرس. القرار الاستراتيجي عند قيادتَي الطرفين حاسم ولا عودة عنه: ممنوع الاشتباك مهما كان العنوان صغيراً أو كبيراً. هذه الحقيقة لا تعني عدم تحمُّل المسؤولية، ولا معالجة أسباب العناوين الخلافية، لكن ثمة آليات معتمدة من قبل القيادتين لن يحيد عنها كلاهما، برغم الإحراجات التي سبّبتها الحملات العنيفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
جرى تبادل رسائل على أعلى المستويات. اتفقت القيادتان على عقد لقاء مشترك، أمس، في مكتب المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل في الضاحية الجنوبية. حضر عن حركة أمل عضو هيئة الرئاسة الوزير علي حسن خليل، وعضو هيئة الرئاسة في أمل أحمد بعلبكي، بالإضافة إلى الحاج وفيق صفا عن حزب الله.
وقد صدر عن المجتمعين بيان أشار إلى أنه «جرى نقاش موسع في القضايا المشتركة، وخصوصاً حول ما حصل خلال الأيام الماضية نتيجة وجهات النظر في موضوع الكهرباء التي تناولها الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء عن حسن نية أو عن سوء نية، وأُرفقت بتحليلات إعلامية في محاولة مكشوفة لإثارة الاختلافات بين الطرفين». وأكد المجتمعون أن ما جرى «لا يعكس حقيقة القرار الحاسم والأكيد لدى قيادتي الطرفين عن العلاقة المتينة التي ترسخت بينهما خلال كل الاستحقاقات وموقفهما المشترك في مقاربة واحدة للملفات الوطنية والسياسية والإنمائية وغيرها، وضرورة تنظيم هذا الأمر من خلال الهيئات المختصة».
أول أزمة تعصف بالعلاقة بين الحزب والحركة منذ «بلديات» 2004


وقال حسين الخليل لـ«الأخبار» إن الاجتماع «كان مثمراً للغاية، ويفترض أن يضع الأمور في نصابها السليم»، وأكد أنه سيصار إلى عقد لقاءات متخصصة على مستوى الجانبين لمقاربة ملفات محددة مثل ملف الكهرباء، رافضاً الخوض في تفاصيل الاجتماع، مؤكداً أن كل كلمة تضمنها البيان «تعبِّر بدقة عمّا جرى من نقاشات بنّاءة بين الطرفين».
وقالت مصادر حركية لـ «الأخبار» إن «هدف الاجتماع معالجة ذيول الاشتباك الذي حصل على مواقع التواصل نتيجة الاختلاف في موضوع الباخرة، وما سبّبه من توتر بين قواعد الحركة والحزب». وأشارت إلى أن «الاجتماع كان ضرورياً لتهدئة الأمور، وإعادة ترتيب الأولويات على قاعدة التحالف المتين الذي يجمع الحركة والحزب». وقد اتُّفق على «ضبط القواعد»، وأضافت إلمصادر أن «موضوع الباخرة انتهى، وكل منا يعرف رأي الآخر والأسباب التي تقف خلف هذا الموقف»، وبالتالي «نحن ندرك كيف ندير هذا الخلاف». وأكدت تمسك حركة أمل بموقفها الرافض لاستبدال المعامل بالبواخر، وقالت: «حتى لو قبلنا بصيغة الأشهر الثلاثة المجانية وبتحسين التغذية ساعتين أو ثلاث ساعات يومياً، كيف كان سيتصرف الجمهور، لو طلبنا بعد انتهاء الفترة المجانية رحيل الباخرة؟ قناعتنا أن المشهد نفسه كان سيتكرر وحجتنا ستكون أضعف».
الجدير ذكره أنه جرت محاولة لملمة شظايا باخرة «إيرسا سلطان» مع التسجيل المصور الأول من نوعه لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الذي تطرق فيه إلى ملف باخرة الكهرباء في الزهراني، والجدال القائم على مواقع التواصل الاجتماعي حول الأمر. وأشار إلى أن «موقف حزب الله بشأن الباخرة مختلف عن موقف حركة أمل»، موضحاً ما حصل من التباس في نقل كلامه الذي صرح به في بلدة دير الزهراني. وقد لحق به فيديو للشيخ أكرم بركات كرر فيه كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بأن «العلاقة مع أمل هي علاقة تكامل وجودي»، معتبراً أن «وحدة الشيعة هي الأساس».
يذكر أن السيد نصر الله سيطل على الجمهور المحتشد في باحة عاشوراء في الجاموس في الضاحية الجنوبية، يوم الثلاثاء في الرابع عشر من آب لمناسبة الذكرى الـ 12 لانتصار تموز.