قبل نحو عشرين سنة، تحديداً سنة 1999، عامَ للمرة الأولى زورق مطاطي صغير فوق مياه نهر العاصي. «حدث» سيكون له تأثير اجتماعي واقتصادي كبير في ما بعد على حياة المدينة النائية المنسية. ربما لم يخطر في بال علي عواضة، عندما غامر بإدخال رياضة الـ«رافتينغ» إلى نهر العاصي، العوائد التي ستجنيها الهرمل منه. ما هي إلا سنوات قليلة حتى بات العاصي والـ«رافتينغ» صنوين، وبات لكل مطعم «رافتاته» (زوارق مطاطية). منذذاك، ما عاد صيف الهرمل يعني سباحة في مياه النهر الباردة ولا غداء على ضفته فحسب. بل، أولاً وقبل كل شيء، يعني الـ«رافتينغ» الذي يستقطب نحو 12 ألف شخص سنوياً من لبنانيين مقيمين ومغتربين وسياح. وهو عدد قابل للزيادة أضعافاً في ما لو أُحسن تنظيم هذه الرياضة.«العصر الذهبي للرافتينغ كان بين 2001 و2010»، يقول مدير نادي «سكواد للرافتينغ» نورالدين المقهور. إذ كان يدير هذه الرياضة من تلقى تدريباً متخصصاً فقط. بدأت الحكاية مع عواضة، الشاب الجنوبي الذي كان يجذف في نهر الكلب والليطاني والأولي، قبل أن «يكتشف» العاصي ومياهه الغزيرة على مدار العام... فكانت المجازفة. درّب عواضة مجموعة من «التلاميذ» على «أصول» الرافت، لتنطلق اللعبة ويقترن اسمها بالعاصي. لكن غياب أي نوع من التنظيم أدى الى فوضى في إدارة اللعبة حتى بات كل مطعم «نادياً» قوامه بعض «السبيحة» الذين تدربوا على قيادة الـ«رافت». علماً أن أياً من هذه النوادي غير مرخّص، وبعضها لا يلتزم تماماً بمستلزمات الأمان التي تقتضيها اللعبة كتوافر الـ«كاسك» (لحماية الرأس) والـ«لايف جاكيت» (سترة الحماية من الغرق). فيما يتهاون البعض في نوعية الزوارق المطاطية. إذ أن الـ«رافتات» أنواع، بحسب المقهور، فـ«هناك الممتاز (صناعة أميركية وأوروبية) ويصل سعره إلى حدود 7000 يورو»، وهناك النوع «الهردبشت من صنع الصين المعرّض للتنفيس ويصل سعره إلى 1500 دولار».
هذا التهاون يعود في جزء كبير منه الى غياب التنظيم والمضاربة وخفض الأسعار لاستقطاب الزبائن ما يحول دون مراعاة معايير السلامة. إذ تصل الأسعار في بعض النوادي إلى 10 آلاف ليرة على الشخص للواحد، فيما تبلغ كلفة الشخص في فرنسا 120 دولاراً وفي تركيا 100 دولار! وبالطبع يكون ذلك على حساب الأمان والمتعة الحقيقية. إذ أن الرحلة التي يفترض أن تستغرق نحو ساعتين ونصف ساعة لقطع حوالى ثمانية كيلومترات، تستغرق بالعشرة آلاف ليرة أقل من ساعة واحدة.
يلفت المقهور الى أن الرقابة على التزام النوادي بمعايير السلامة من مسؤولية الدولة والاتحاد اللبناني للكانوي كاياك، ولكن «ما حدا سائل عن الاتحاد... والاتحاد لا يولي أهمية للهرمل».
رئيس الاتحاد اللبناني للكانوي كاياك مازن رمضان أكد لـ «الأخبار» أن للانتساب للاتحاد شروطاً، منها أن يحوز المدرب على شهادة تدريب وإنقاذ، إضافة إلى امتلاك المعدات والتجهيزات المتعلقة بالسلامة العامة كالحبال ومعدات الإنقاذ والإسعافات الأولية. أما «المؤسسات» (متجنباً تسميتها «أندية») المنتشرة على العاصي فتعمل بمفردها وليس فيها واحدة عضو في الاتحاد اللبناني للكانوي كاياك، كون «الرافتينغ لعبة ترفيهية ربحية بخلاف الكاياك التنافسية والاحترافية»، وبالتالي يعود للبلديات تنظيم شؤون اللعبة. فيما الاتحاد، بحسب رمضان، جاهز لتقديم الاستشارة والمساعدة في تأمين ما يلزم من شروط مزاولة اللعبة».
اللعبة الأجنبية صارت في لبنان «هرملية» بامتياز، وهي بحاجة إلى تنظيم عاجل. صحيح أن أي حادثة خطيرة لم تقع بعد، ولكن «إن وقعت حادثة كهذه فسوف تسيء لسمعة هذه اللعبة وتضر بالجميع، ولن يقال إنها وقعت في ناد معين». يقول المقهور عن لعبة جعلت الهرمل قبلة للترفيه ووضعتها في قلب الحدث «وهذا ما لم تنجح في فعله كل الخطب السياسية إنما... زورق مطاطي صغير».