الفشل الذي مُنيت به منظومة «مقلاع داود» الصاروخية الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل، في أول اختبار عملي لها، ستؤثر سلباً على الحسابات الإسرائيلية في أكثر من اتجاه. ليس تجاه الساحة السورية وحسب، حيث الفشل، بل قبلها وفي الأساس، تجاه الساحة اللبنانية وحزب الله، إذ تعد المنظومة «درة التاج» في طموح قدرتها على التصدي لصواريخ المقاومة المتوسطة المديات، حيث التهديد الأكبر لإسرائيل في المواجهات المقبلة.وفي استعادة للإقرار الإسرائيلي بالفشل الكبير للمنظومة، كما ورد في معظم وسائل الإعلام العبرية، أمس، يمكن الاكتفاء بالإشارة إلى ما ورد في القناة العاشرة العبرية: «منظومة مقلاع داود تفشل في اعتراض صاروخين سوريين من طراز «اس. اس. 21» (توتشكا)، وهي صواريخ روسية قصيرة المدى وقديمة، رغم أنها دقيقة جداً. أطلقت المنظومة الإسرائيلية صاروخين اعتراضيين: الأول، انفجر ذاتياً فوق الجولان، بعد تغيير الصاروخ السوري مساره، (هي ميزة يبدو أن منظومة مقلاع داود عاجزة عن التعامل معها)، أما الصاروخ الاعتراضي الثاني، فمجهول المصير ولم يعرف أين سقط وكيف (لاحقاً تبيّن أنه سقط في الأراضي السورية مع تقنياته). في الإجمال، صاروخان أطلقا من سوريا، شُخِّصا بواسطة رادار المنظومة الإسرائيلية على أنهما يستهدفان إسرائيل، أطلق باتجاههما صاروخان اعتراضيان، فشلا في الاعتراض، ليدل ذلك على خلل بنيوي كبير جداً تعانيه الدفاعات الإسرائيلية، تجاه الصواريخ المتوسطة المدى».

اتجاهات ما بعد الفشل العملياتي
منظومة «مقلاع داود» (العصا السحرية سابقاً)، هي إحدى المنظومات الإسرائيلية المخصصة لمواجهة طبقة تحدّ صاروخي موجودة في حوزة حزب الله، وهي ترسانة صواريخ تصل ـــ بحسب التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية ــــ الى الآلاف من الصواريخ، وهي تتسم بميزات تختلف كثيراً عما ألفته إسرائيل في حروبها السابقة مع المقاومة، إن لجهة المدى أو حجم الرأس المتفجر، وكذلك دقة الإصابة.
وإن كان قيل الكثير عن «مقلاع داود» الذي دخل الخدمة العملياتية منذ فترة غير بعيدة، وتحديداً فعاليته ومستوى الرهان الإسرائيلي عليه في الحرب المقبلة، حيث منظومة «القبة الحديدية» عاجزة عن المواجهة أمام صواريخ حزب الله، إلا أن الفشل العملياتي يثير تساؤلات لدى الجانبين، وإن بالتأكيد بتأثيرات عملية مختلفة، تجاه الحرب والمواجهات المقبلة وإمكاناتها. في ذلك، تسجل ثلاثة اتجاهات تأثير:
الأول، الفشل الابتدائي، في الأصل، لمنظومة «مقلاع داود»، هو في التقدير الخاطئ أن الصاروخين السوريين سيسقطان في المستوطنات الإسرائيلية؛ الثاني، الفشل اللاحق هو في اعتراض الصاروخين، بحيث ضاع أحدهما ولم يعرف اتجاهه ومصيره، فيما أخفق الثاني في اعتراض الصاروخ وفجر نفسه قبل أن يسقط هو نفسه على المستوطنين. الاتجاه الثالث يكمن في الفشل الرئيسي في تحديد مسار الصاروخين السوريين القادرين على تعديل مسارات الإطلاق، ومن ثم الإطباق والاستهداف، ما يعني أن المنظومة الإسرائيلية عاجزة تماماً عن التصدي في طبقات ثلاث خصصت لها، وهو ما جرى الإقرار به لاحقاً في التقارير الإسرائيلية أمام هكذا نوع من الصواريخ، برغم أنها منظومات صاروخية سوفياتية تعود الى حقبة سبعينيات القرن الماضي.

التعاظم الصاروخي لحزب الله
على ذلك، بات بالإمكان فهم المواقف والتصريحات، وكذلك الخطوط الحمر والتهديدات المنفلتة والمتطرفة باتجاه الساحة اللبنانية، كجزء لا يتجزأ من مواجهة حيازة المقاومة هكذا نوع من الصواريخ، تعجز الدفاعات الإسرائيلية عن مواجهتها، في حال نشوب الحرب أو المواجهات العسكرية على أنواعها. في الوقت نفسه، بات بالإمكان إدراك مستوى ردع المقاومة في وجه إسرائيل، رغم حجم التهديد الكبير المتشكل أمامها، في التعاظم الصاروخي لحزب الله، دقة ومديات.
يجب الإدراك أن المسألة تتعلق بقوة تدميرية يصل حجمها إلى مئات الكيلوغرامات للصاروخ الواحد، مع قدرة إضافية على الوصول حتى أقصى نقطة في جنوب فلسطين المحتلة، تضاف إليها دقة إصابة كبيرة جداً، من دون هامش خطأ من ناحية عملية. هذه القدرة بات بالإمكان وضعها وموضعتها إلى جانب قدرات ثبّت حزب الله نديته فيها في مواجهة الجيش الإسرائيلي، قبل 12 عاماً في حرب تموز عام 2006: القتال البري المباشر، بما يشمل تحييداً كبيراً جداً لسلاح المدرعات والمشاة، تحييداً لا يحتاج الى شواهد لسلاح البحرية الإسرائيلي؛ خسائر متوقعة كبيرة جداً، في الأرواح والمعدات؛ قدرة إطلاق صواريخ بالمئات في اليوم الواحد (يقرّ الإسرائيلي حالياً أن القدرة باتت بالآلاف)؛ إضافة الى تعطيل الحياة في فلسطين المحتلة بأحجام كافية بذاتها لمنع الإسرائيلي من إدارة حرب بلا أثمان في جبهته الداخلية.

القدرة التدميرية باتت موجودة
وعلى خلفية هذه القدرات وغيرها، وأيضاً بسببها، استطاع حزب الله إفشال أهداف حرب 2006، عبر الصمود والتصدي أولاً، والإرادة على مواصلة القتال وإن غير المتكافئ طوال 33 يوماً ثانياً. هكذا، حقق حزب الله انتصاره من خلال إفشال إسرائيل ومنعها من تحقيق أهدافها، وهو انتصار بمعان استراتيجية تجاوز الساحة اللبنانية تجاه الإقليم برمته. لكن مع ذلك، كان في الحرب ثغرة، لو كانت منتفية لكانت منعت الحرب من أساسها، تماماً كما تفعل القدرة الحالية الموجودة لدى حزب الله منذ سنوات، في منع إسرائيل من سلوك خياراتها الاعتدائية، رغم كل المصلحة الكامنة في ذلك.
إحدى أهم الميزات التي اتسمت بها الحرب السابقة، هي محدودية قدرة المقاومة على الرد على عمليات التدمير التي شنها العدو، بالحجم الذي يمنع هذه العمليات. الميزان في هذه المعادلة كان يميل وبشكل شبه كامل نحو العدو على حساب المقاومة.
بالطبع، القدرة التدميرية باتت موجودة حالياً، وهو ما أقر به العدو، كجزء أساسي وكنتيجة عضوية، لتعاظم عسكري متواصل منذ عام 2006، وهي نتيجة بذاتها دالة على الفشل الإسرائيلي الحالي والمستمر، في المواجهات الأمنية والعسكرية المتفرقة، ما دون الحرب، بعد حرب عام 2006، سواء في الساحتين اللبنانية أو السورية، بما بات يعرف بالمعركة بين الحروب، التي تهدف بشكل أساسي الى منع العدو، أي حزب الله، من التعاظم العسكري النوعي والكمي.
نعم، لا يعني امتلاك هذه القدرة التدميرية أن الميزان العسكري التدميري انقلب لمصلحة المقاومة. وكذلك لا يعني تعادلاً في القدرات التدميرية، لكن أصل وجود قدرة تدميرية بحوزة حزب الله، (ثبت أمس تعذر الحؤول دونه) هو معطى بحد ذاته من شأنه أن يكون حاضراً وبشكل دائم على طاولة صناع القرار في تل أبيب، ويحول دون قرار تفعيل مروحة واسعة من الخيارات العدوانية، كانت لتكون حاضرة بمستوى أو بآخر في حال لم يكن لدى المقاومة قدرة التدمير، المشار إليها.

تصوروا ماذا سيحل بتل أبيب؟
لتقريب الصورة أكثر، يكفي تصور ما قد يحدث في تل أبيب، من دمار غير مسبوق في تاريخ الحروب الإسرائيلية في حال تفعيل هذه القدرات التدميرية لدى المقاومة. بالإمكان تصور ما يحدث في حال سقوط عدة صواريخ مع رؤوس متفجرة لنصف طن لكل منها، مع دقة استهداف أيضاً، على وزارة الأمن ومبنى الأركان في تل أبيب؟ (أو أهداف حيوية أخرى). نعم، بالإمكان تصور ردة الفعل الإسرائيلية اللاحقة، لكن الأهم منها هو تصور ردة الفعل المسبقة الرادعة، المبنية على تصور التدمير، الذي بحد ذاته يمنع إسرائيل من استخدام خيارات تدميرية ابتداءً للحؤول دون الرد تدميرياً. في هذا المعنى، وضمن سياق هذه النتيجة، يصبح للقوة التدميرية لحزب الله وإمكان استخدامها، بمعنى وجودها دون استخدامهما الفعلي، مفعول ردعي كبير جداً، ثبت خلال السنوات 12 الماضية مدى فعاليته وتأثيره وجدواه.
كانت إسرائيل تمنّي النفس بأن لديها منظومة اعتراض صاروخية ناجعة جداً في اعتراض القوة التدميرية لحزب الله، في حال نشوب الحرب، أو مواجهات محدودة تستدعي استخداماً لصواريخ موجودة بالآلاف في حوزة حزب الله، شبيهة بصواريخ «توتشكا» (أو ما يقرب أو يزيد عنها). منظومة «مقلاع داود»، كانت مخصصة لمواجهة هذا النوع من الصواريخ، لكن مع فشلها، وثبوت هذا الفشل، في الاستخدام الأول لها، مفاعيل سلبية جداً، تزيد حتى على النتائج السلبية للحدث نفسه، إن لجهة إسرائيل وجمهورها ومؤسستيها العسكرية والسياسية، وإن لجهة الجانب الثاني من الحدود، أي لدى حزب الله، في الثقة أكثر بالقدرات ومستوى وحجم الردع في مواجهة العدو، الأمر الذي سيكون له مفاعيل كبيرة جداً لدى الجانبين.
نظرة حزب الله إلى سلاحه وفعاليته ومستوى فعاليته وجدواه، يعادل في الواقع تأثير وفعالية وجدوى السلاح نفسه، وخاصة مع إدراك مستوى من العجز أو التعذر أو الصعوبة، لدى العدو على الحد من فعاليته، وهذا تحديداً أهم مؤشر جراء فشل منظومة «مقلاع داود» أمام الصواريخ السورية في الجولان السوري المحتل.