حاذرت بلدية الجية، أمس، خوض مواجهة مع الباخرة التركية Ersa Sultan التي حطت رحالها بمحاذاة المعمل الحراري هناك، في شكلٍ موقت. وبعد جلسةٍ استثنائية للمجلس البلدي، عصر أمس، صدر قرارُ بلدي بتصعيد التحرك الشعبي في حال استمرَّ المعمل الحراري القديم بالعمل، و «إلاَّ فإنّ أبناء المنطقة والبلدات المجاورة سيوقفونه بأيديهم». أمّا في ما خصّ الباخرة، فقد جرى إجماعٌ على رفضها، «لأن المنطقة لا تتحمل ملوثات أكثر مما هو فيها»، من دون اتخاذ قرار بالقيام بأي خطواتٍ تصعيدية نحوها.تحرك بلدية الجية يهدفُ للضغط باتجاه توقيف معمل الجية الحراري القديم، ويأتي بالتوازي مع حراك بلدية برجا الذي بدأته قبل سنوات عبر القضاء لإقفال المعمل، نظراً للضرر البيئي الكبير الذي يسببه. وفي حديثه إلى «الأخبار»، يقول رئيس البلدية جورج القزي إنَّ «الهدف الأساسي هو التخلص من المعمل الحراري القديم، لأنه يقتلنا بسمومه، ونريد أن نعلم ما إذا كانت الباخرة الجديدة ستحلُّ مكانه، ريثما يتم تفكيكه». وأشار إلى أنَّ «هناك معلومات تثار بين المعنيين على أنّه في حال تمّ توقيف معمل الجية الحراري، يمكن الاستفادة من الباخرة أورهان باي ومعمل المحولات العكسية لتوليد الطاقة، وهما كافيان لذلك». وسأل: «ما دام الأمرُ بهذه السهولة، لماذا لم يتم توقيف المعمل عام 2012، مع وصول الباخرة التركية الأولى إلى الجية، ولماذا لم يتم استحداث معمل جديد بدلاً من القديم المهترئ».
الربط بين الباخرة وتفكيك معمل الجية الحراري القديم، نفته مصادر سياسية متابعة للملف. وكشفت لـ»الأخبار» أن «هناك مافيا من الموظفين النافذين، يسعون لإبقاء المعمل القديم ضمن الخدمة، ليبقوا مستفيدين من أموال الصيانة المرتفعة نظراً لقدم المعدات والمحولات. ومع بروز ملف الباخرة، تكثفت الاتصالات أخيراً، وأثمرت رفع إنتاج المعمل إلى 150 ميغا واط، مقارنة بالفترات الماضية التي كان ينتج خلالها حوالى 80 ميغا واط فقط»، معتبرة أنّ «الهدف من وراء ذلك هو التبرير للرأي العام، أنّ المعمل القديم يستطيع إنتاج الكهرباء بقدرة عالية، وبالتالي لا حاجة لباخرة جديدة في الجية».
إلى ذلك، فقد كشفت المعطيات أن «الكلام عن بقاء الباخرة لـ3 أشهر غير دقيق، وهناك نية لبقائها مدة أطول في الجية، إلا إذا باشرت مؤسسة كهرباء لبنان بتحضير الأرضية التقنية لها في الزهراني خلال الأيام المقبلة، علماً أن التحضير لذلك يحتاج إلى 3 أسابيع على الأقل». ورأت المصادر عينها أنَّه «في حال غادرت الباخرة منطقة الجية، فإنّ المعمل القديم سيعود للإنتاج حكماً، الأمر الذي سيعيد مسلسل التلوث إلى الواجهة وكأننا لم نفعل شيئاً، لأنّ الباخرة أورهان باي ومعمل المحولات العكسية لا يكفيان».
ومع استمرار الأخذ والرد في شأن وضع معمل الجية الحراري القديم، وإمكان توقيفه وتفكيكه، صدر قرارٌ قضائي عن قاضي الأمور المستعجلة في بيروت جاد معلوف، قبل أيام، بناء على الدعوى المقدمة من بلدية برجا ضد المعمل القديم، ليؤكد «وجوب توقيفه تماشياً مع قرار مجلس الوزراء رقم 19 تاريخ 18/4/2016. ونصّ القرار على أن «نوعية الهواء في برجا متدهورة على الأغلب، وأنّ معمل الجية الحراري لا يمتثل للحدود المسموحة من الانبعاثات خلال عملية التشغيل العادية، ومن المرجح أن تظهر انبعاثات أكبر خلال عمليات الإطفاء وإعادة التشغيل المتكررة بسبب أعمال تقنية مرتبطة بعمر المعمل».
أمّا في ما خصّ الباخرة التركية Orhan Bey الموجودة منذ عام 2012 بالقرب من معمل الجية القديم، فقد لفت القرار إلى أنّ «استعمال عدد أكبر من المحركات على متنها (11 محركاً بدلاً من 7)، ينتج انبعاثات هوائية أكثر في المنطقة، مما يتيح احتمالاً أكبر لخرق معايير جودة الهواء».
إذاً، بناءً على النص القضائي في شأن الباخرة «أورهان باي»، ومع دخول الباخرة الجديدة Ersa Sultan في الخدمة، فإنَّ ذلك سيفرض بالحدّ الأدنى، تشغيل 20 محركاً من الباخرتين (7 من أورهان باي – 12 من إرسا سلطان). فالشركة التركية المشغلة للباخرتين «كرباورشيب»، كشفت أنَّها «ستنتج من الباخرة الجديدة 235 ميغاواط، وستساعد في زيادة التغذية الكهربائية ساعتين في اليوم، وذلك لمدة 3 أشهر»، ويعني ذلك أنّ محركات الباخرة الجديدة ستعمل كاملة، الأمر الذي سيزيد احتمال خرق معايير جودة الهواء، وبالتالي تلوث أكثر، وهذا ما يخشاه أهالي إقليم الخروب.
مخارج محطة الجيّة لا تتحمّل مجمل الطاقة المنتجة من المعمل القديم والباخرتين


واقعياً، فإنَّ ما أعلنته الشركة التركية في شأن حجم الطاقة المنتجة من الباخرة الجديدة لا يتماشى تقنياً مع الشبكة الكهربائية القائمة في الجية، إن لم يتم توقيف المعمل القديم في شكلٍ كامل أو تخفيض إنتاجه إلى الحدود الدنيا. حالياً، في محطة الجية 7 مخارج كهربائية أساسية: 4 مخارج بقدرة 150 كيلو فولت/ توتر عالٍ، 3 مخارج بقدرة 66 كيلو فولت / توتر عالٍ». وبحسب مهندسين، فإنَّ «هذه المخارج الكهربائية الـ7 غير كافية لتحمِّل مجموع الطاقة المنتجة من المعمل القديم، الذي لن يتوقف في شكل كامل، ومن الباخرتين ومعمل المحولات العكسية، الأمر الذي يفرض أمرين يجب القيام بهما لحل هذا المشكلة: الأول يتمثل باستحداث مخارج كهربائية جديدة لاستيعاب الطاقة المنتجة من البواخر، ويستغرق ذلك وقتاً كبيراً. أما الأمر الثاني، فيستوجب توقيف المعمل القديم نهائياً والاستفادة من الطاقة المنتجة من البواخر فقط، وذلك تماشياً مع قدرة المخارج الكهربائية على استيعاب الطاقة المنتجة». وإزاء ذلك، فقد أكدت مصادر مؤسسة «كهرباء لبنان لـ «الأخبار» أنَّ «المكان الأفضل للباخرة تقنياً هو منطقة الزهراني وليس الجية، وهذا ما سعت إليه المؤسسة في بادئ الأمر».
وتوازياً، يتابع مجلس «الإنماء والإعمار» ملف معمل الجية، وقد أنجز دارستين أعدهما الإستشاري EDF وتتعلقان بالإجراءات اللازمة لإزالة مادة الأسبستوس والنفايات الصلبة وتلوث التربة من الموقع تمهيداً لتفكيك المعمل الحالي، وقد أصبح دفتر الشروط لأعمال التفكيك جاهزاً. وعلمت «الأخبار» أنَّ «مجلس الإنماء والإعمار كلف مكتب الدراسات الإنكليزي Mott Macdonalds منذ 10 أيام، لدراسة موقع معمل الجية الحالي، لتحديد المعدات والتجهيزات المستخدمة في المعمل القديم، والتي يمكن الاحتفاظ بها، ومن المفترض أن تنجز الدراسة أواخر العام الحالي».