مع المنحى الدراماتيكي الذي أصاب العلاقة بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية وتحول العِناق بينهما إلى «خِناق»، يتبدّى لدى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري شعور متناقض. الأول، قلق من أن يؤدي تهاوي اتفاق معراب إلى زيادة الضغط عليه في مسألة التشكيل، وبالتالي يُجبره على المفاضلة بين بعبدا ومعراب، بكل ما يُحيط بهذه المفاضلة من اعتبارات داخلية وخارجية. الشعور الثاني، وهو على النقيض الأول، إيجابي، لاستشعاره حاجة الطرفين إليه، ومن ثمّ قدرته على فرض نوع من التوازن في علاقته مع التيار الوطني ورئيس الجمهورية من جهة، وتوظيف موقفه من تمثيل القوات في الحكومة لصالحه سعودياً من جهة أخرى.المطّلعون على سير المفاوضات يتحدثون عن «عدم استياء الحريري من تأخّر ولادة الحكومة». هو «يعلَم أنها ستتشكّل عاجلاً أو آجلاً، وسيكون هو رئيسها»، لا بل إنه «مُستفيد من الواقع الراهن، كما هو». طرحت إشكالية استفادة الحريري من الخلاف بين العونيين والقواتيين، خصوصاً في ضوء ما أفرزته الانتخابات النيابية من نتائج. على مدى 18 شهراً من عمر التسوية الرئاسية، تراجعت شعبية الحريري نتيجة وقوعه بالكامل في أحضان ميشال عون وجبران باسيل. تدريجياً، كانت تتوسع مروحة الانتقادات الى حدّ اتهامه بالتنازل عن صلاحيات رئاسة الحكومة لصالح الرئاسة الأولى. نتيجة هذا الأمر، يُمكن القول إن الخلاف العوني ــــ القواتي يشكّل بالنسبة إلى الحريري فرصة متعدّدة الأوجه؛ أولاً، نقل العقدة الحكومية من ملعبه الى الملعب المسيحي. وهو ينجح، الى حدّ ما، في رفع المسؤولية عن كاهله بالقول إنه لا عقد داخلية تخصّه هو، ولا حتى خارجية من نوع القول إن السعودية ليست صاحبة مصلحة في التأليف الحكومي السريع. حتى إنه نقل إلى رئيس الجمهورية، بحسب مصادر مطّلعة، أن «لا عوائق خارجية تحول دون تشكيل الحكومة».
ثانياً، يستطيع الحريري أن يدخل من باب الخلاف بين العونيين والقواتيين لفرض توازن ما في طبيعة علاقته بالطرفين. فرئيس الحكومة المكلف يعلم بأن وقوفه الى جانب رئيس الجمهورية يعني وجود طرف مسيحي على يمينه (سمير جعجع) سيظل يعتمد سياسة المزايدة عليه. وفي الوقت ذاته، سيسمح الانحياز لعون بأن ينجح الأخير في محاصرته. وقد بيّنت تجربة عامين صحّة هذه الفرضية. انطلاقاً من هنا، يستفيد الحريري من هذا الخلاف للوقوف في الوسط. يكفي لعب دور الوسيط بين عون وسمير جعجع، للإيحاء بأن الطرفين يتحملان مسؤولية عرقلة ولادة الحكومة، وهو بوقوفه هذا، يضع نفسه على سكة استثمار هذا المعطى في مرحلة ما بعد ولادة الحكومة.
لن ينجرّ الحريري الى أي ضغط من نوع أن يطلب عون منه السير بحكومة من دون القوات اللبنانية، ولن يقدم على أيّ أمر من شأنه أن يشعر وليد جنبلاط بالاستقواء عليه أو حتى تشريع اللعب في بيته الداخلي. بالنسبة إليه، فإن وقوفه اليوم إلى جانب جعجع وجنبلاط، يساعده لاحقاً في أن يرسي هذا الثنائي نوعاً من التوازن داخل الحكومة، لا سيما في حال وقوع خلاف بينه وبين عون أو باسيل. وقد ذهب بعضهم أبعد من ذلك للإشارة إلى تعويل الحريري على جنبلاط وجعجع في حال تغيّر المُعطى الإقليمي، أو تراجع الفريق الآخر عن التسوية، أو مثلاً في مواجهة طرح من نوع إعادة التواصل رسمياً مع الدولة السورية!
أما الشقّ الآخر، فيتصل بالجانب السعودي تحديداً. وعلى خلاف ما يُحكى عن عدم تدخّل السعوديين في ملف الحكومة، فإن إشاراتهم واضحة لجهة «رفض أي استهداف للقوات». السؤال هو الآتي: من يضمن أن لا يدفع الخلاف مع القوات رئيس الجمهورية إلى زيادة الضغط على الحريري لتشكيل الحكومة، سواء بتمثيل القوات (بما يرضي باسيل ولا يرضي جعجع) أو من دونها؟ وهل يستطيع الحريري الذي أكد أمام باسيل أكثر من مرة أنه لا يريد الاشتباك مع عون، مهما كانت الأسباب، أن يتفادى «الاشتباك»؟ وماذا إذا قرر المواجهة أو المهادنة، وأيّ كلفة سيدفعها في الحالتين؟