كلّما دقّت طبول الحرب في الإقليم، تنفّس الفريق السياسي اللبناني، المُقرّب لا بل المحسوب على السعودية، الصُعداء. لا يملّ هؤلاء من بناء رهاناتهم على التطورات الإقليمية، «أملاً» في أن تؤدّي إلى تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، وحزب الله في الداخل. الحسابات نفسها، بدأ هؤلاء بإسقاطها على تشكيل الحكومة الجديدة، بالتزامن مع المعركة السعودية ـــــــ الإماراتية (بمُساعدة الفرنسيين والأميركيين والإسرائيليين، ومُرتزقة عرب وأجانب) على مطار الحُديدة ومينائها في اليمن. لم يكن أحدٌ من أعضاء «الفريق السعودي»، يتخيّل أنّ المقاومة الحوثية في اليمن، ستصمد وتُدافع عن أرضها، هذه المدّة، وهي المحاصرة منذ نحو ثلاث سنوات.استنتج «الفريق السعودي» أنّ حزب الله «مزروك»، وبحاجةٍ ماسّة إلى أن ترى التشكيلة الحكومية الجديدة النور سريعاً. يُبرّرون ذلك بأنّ أي تبدّل في الميزان الإقليمي، لمصلحة السعودية، سيزيد من أوراق الضغط بيد هذه الأخيرة، وينعكس بالتالي على حزب الله.
يُضاف إلى ذلك، تعليق الفريق نفسه آماله على «جنون» الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وجديته في التصعيد ضدّ «أعدائه» في منطقتنا. بناءً على ذلك، اعتقد أعضاء «الفريق السعودي» أنّ من الأفضل كبح سُرعة تشكيل الحكومة، ما دام حزب الله يُريدها سريعة. علماً أنّ السفراء الأوروبيين، أبلغوا المسؤولين اللبنانيين ضرورة الانتهاء من العمل على الحكومة بأسرع وقت، لسببين: أولهما، الالتزامات المتصلة بمؤتمر «باريس 4»، وثانيهما، الوضع المالي والاقتصادي الخطير. هذه «النظرية»، لا تلتقي مع رؤية الرئيس المُكلف سعد الحريري للملف الحكومي.
المُضحك، أنّه عند كلّ استحقاق في البلد، يُكرّر «الفريق» نفسه النغمة نفسها. في بعض الأحيان، يكون حزب الله «مُعطِّلاً». وفي حالاتٍ أخرى، يتحول حزب الله إلى «المُستعجل» من أجل إتمام الانتخابات أو تأليف الحكومة. «يُبالغ» هؤلاء، في كلّ مرّة، بالاعتماد على أحداث سوريا والعراق واليمن وإيران، ليُحدّدوا على أساسها برنامج تحركات حزب الله في الداخل اللبناني.
لا يشكّ أحدٌ في أنّ حزب الله، الشريك في محورٍ يضمّ شركاء آخرين في المنطقة، له أجندة مُتعدّدة الأجنحة، وهي لا تنحصر بـ«ساحةٍ» ما. ولكن، ذلك لا يعني أنّ خسارة معركة أو ربح أخرى، كالحُديدة التي تبعد 2242.3 كلم عن بيروت، سيكون له ترددات على تشكيل الحكومة في لبنان. يوجد مسار إقليمي ثابت، يميل بنسبةٍ كبيرة، إلى مصلحة المحور المُعادي للولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية. ولا إمكانية لانحراف في هذا المسار، إلا إذا طرأت أحداثٌ، من مستوى سقوط النظام السوري أو الإيراني. نجاح السعوديين والإماراتيين ومن معهم في السيطرة على مطار الحُديدة ثم المدينة ومرفئها، قد «يُفرمل» اندفاعة قوى المحور الآخر، من دون أن يعني ذلك حصول تبدلات «دراماتيكية»، أو أن هناك «حسبة» تصب في خانة «تقريش» هذه المعركة أو تلك في السياسة اللبنانية الداخلية. تشكيل حكومة، إجراء انتخابات، الحصول على هذه الحقيبة أو تلك، كلّها مجرد «تفاصيل» في موازاة المسرح الإقليمي المحتدم. قد يكون وجود حكومة، حائط دعمٍ يرتكز عليه حزب الله الضنين أكثر من غيره باستقرار البلد، وهو الذي يريد تطبيق استراتيجيته الجديدة، المُتعلقة بمحاربة الفساد، أي تطبيق شعاره الانتخابي: «نحمي ونبني». كذلك إنّ انتظام عمل المؤسسات، ومحاولة وقف الانهيار الاقتصادي والمالي، مصلحة عامة لكلّ القوى السياسية. ولكن، التأخر في إعلان الحكومة، لن يُشكّل أبداً عامل ضغطٍ على حزب الله، المُحصّن بأكثرية داخل مجلس النواب وشرعية شعبية وقوّة سياسية أساسها عدد من الحلفاء الأقوياء في ساحاتهم. يعني ذلك أنّ تشكيل حكومة جديدة هو واحدة من أولويات «الحزب»، من دون أن تكون «الأولوية» التي يسعى إليها بأي ثمن. يختلف بذلك، عن فريقَي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، التواقين للبت سريعاً بالملف الحكومي. هكذا، حاولت الأجواء المُقربة منهما، إشاعة مناخ إيجابي بأنّ الحكومة لن تتأخر. على الرغم من وجود عراقيل عدّة، لم تُذلل بعد.
لم يسمع الحريري إلا حرصاً سعودياً على أن تنال القوات اللبنانية حصّة وازنة


الانتهاء من العمل على التركيبة الوزارية، يضغط على ميشال عون، لأنّه كان السباق إلى اعتبار أنّ أولى حكوماته هي بعد الانتخابات النيابية. ولكن، بعد مرور سنة ونصف السنة على ولاية «الجنرال»، وحصول خضّات عديدة أثرت سلباً بصورة العهد الرئاسي، بات الأخير أكثر المُحتاجين إلى حكومة جديدة، تُعطي العهد دفعاً مُهماً. أما الرئيس المُكلّف سعد الحريري، فيُريد هو الآخر، كما ينقل عنه مستشاروه، إعلان «بشارة» ولادة الحكومة. لا يهمّ الحريري إن كانت حصته النيابية قد تقلصت، أو أنّه سيخسر مقعداً أو مقعدين مُخصصين للطائفة السنية. جُلّ ما يُريده الرجل، أن يعود إلى السرايا الحكومية رئيساً «شرعياً»، صاحب سلطة ونفوذ، ويُنفذ التزاماته المالية مع ما يُسمى «المجتمع الدولي». ولكن، قد يرى البعض أنّ «استعجال» الحريري، يتعارض مع عدم جديته في بداية تكليفه، والتي ظهرت على شكل إجازتين طويلتين، واصطدامه، بطلب الولايات المتحدة الأميركية عدم تخصيص حقيبة أمنية «حساسة» إلى حزب الله. علماً أنّ الأمر لم يكن مطروحاً لبنانياً منذ الأساس. إضافةً إلى ما يُقال عن تمنّي السعودية عليه، إبطاء العملية الحكومية.
تردّ مصادر معنية بالملف الحكومي، بأنّ سعد الحريري التقى خلال زيارته للسعودية فقط وزير الداخلية السعودي عبد العزيز بن سعود بن نايف. وهو لم يلمس توجهاً سعودياً واضحاً، بقدر ما سمع «حرصاً ملكياً» على أن تنال القوات اللبنانية حصّة وازنة، «كان الرقم بدايةً 5 وزراء، الأمر الذي عارضه بشدّة الوزير جبران باسيل». حاول الحريري كثيراً، «إرضاء» حليفة السعودية الأولى، القوات اللبنانية، لينتهي الأمر بضمان حصولها على 4 حقائب.
التأخر في تشكيل الحكومة اللبنانية، ناتجٌ من إصرار التيار الوطني الحرّ على إعطاء حصة درزية لطلال أرسلان، وعلى الحقيبة السيادية التي تُطالب بها القوات اللبنانية، وتوزير أحد النواب «السنّة» من فريق 8 آذار. الداخل اللبناني «يتأثر» بالأحداث الإقليمية، من دون أن يعني ذلك أنّ لهذه المعارك «تأثيراً» مُباشراً بالوضع المحلي. ولكن، الفريق المُتأثر بالسعودية في لبنان، يُصرّ على الرهان الخاطئ على أحداث المنطقة، وربطها بما يريده حزب الله من الساحة المحلية. إنه الدوران ــــ الرهان في الحلقة المفرغة نفسها منذ 13 عاماً حتى يومنا هذا!