يتنقل محمد سلوم بسرعة بين صالة المقهى الداخلية وباحته الخارجية لتلبية طلبات الرواد الذين يتوافدون بعد الإفطار وصلاة التراويح في مسجد المحتسب الأثري المجاور. لعب الورق والنرجيلة والليموناضة والمشروبات الساخنة والسحلب والأطباق الخفيفة للسحور (...) يتناولها الرواد على وقع أنغام أغان طربية. قبل عقود، كانت المقاهي تقدم سهرات الإنشاد وحلقات الذكر ورقص الدراويش وجلسات الحكواتي. يلفت الأستاذ الجامعي طالب قره أحمد الى أن مقاهي صيدا القديمة في باب السراي وضهر المير والمصلبية هي التي عرفت الناس إلى الحكايا والدمى المتحركة وخيال الظل (حيث يتحرك أشخاص أو دمى خلف شرشف أبيض). وفي بحث لطلال مجذوب، يتبين أن أول حكواتي في المدينة كان محمد الشقلي الحلبي الذي وفد إليها عام 1837. تأثر به أفراد من آل السروجي، أبرزهم عبد الرحمن وإبراهيم اللذان تبدلت كنيتهما من السروجي إلى الحكواتي في سجلات القيد. ومن الحكواتيين الذين ذاع صيتهم أبو أسعد الذي عرف بحكواتي الحية، ومحمد المياسة والفلسطيني النجمي. الأخير قدم عروضه في مقهى البابا في ساحة ضهر المير. وكانت له طريقة خاصة في السرد، كما كان يجلس فوق طاولتين ويقرأ من كتاب ألف ليلة وليلة.
تراجع عدد المقاهي من 120 الى 12 وبعضها مرّ عليه أكثر من 200 عام
اتسعت المقاهي التي كانت عبارة عن غرف ضيقة وطالت الحداثة أدواتها. القهوة التي كانت تُعدّ على الجمر أو الرمل وتقدم بركوة نحاسية، صار البعض يُعدّها بآلة الكبس. غاب الفقراء والعمال الذين كانوا ربع أو ثلث أو نصف فنجان قهوة، حيث كان الفنجان الصغير أحياناً يتقاسمه ثلاثة أشخاص. وتطورت لائحة المشروبات التي كانت محصورة بالقهوة والشاي والأينر (القرفة) والسحلب والأعشاب.
في زمن العثمانيين، نظمت السلطات وضع المقاهي، فأجبرتها مع الدكاكين والحلاقين وباعة الشاي على الإقفال في العاشرة ليلاً شتاءً وفي الحادية عشرة ليلاً في الصيف. في رمضان الحديث، أوقات السهر مفتوحة في المقاهي التي تجاور البيوت، إذ يحاول أصحابها الاستفادة من الموسم قبل أن تتقلص حركة الزوار إلى ما دون النصف بقية أيام السنة.