مرة أخرى، تقارب الحكومة اللبنانية موضوعاً حيوياً وحقوقياً وأساسياً وسيادياً كالجنسية بشكل مثير للجدل. مراسيم التجنيس تصدر تحت جنح الظلام منذ عهود إلى اليوم، ومهما اختلفت ردود الفعل حولها، فهي تتفق على أنها تمنح الجنسية اللبنانية لأصحاب المال والمصالح، من دون أن تكسبها لأشخاص تتوفر فيهم الشروط القانونية للحصول على الجنسية أباً عن جد، ومن دون أن تفتح النقاش بشأنهم حتى.ونحن نطرح السؤال مرة أخرى أيضاً: أين هم مكتومو القيد من المعادلة السياسية والقانونية اليوم؟ مستحقو الجنسية ممن ولدوا وترعرعوا وعملوا في لبنان، ويموتون فيه. ومتى ستضع الدولة هذه المسألة على قائمة أولويات أجندتها لتبحث لها عن حلول جماعية تضع حداً لتفاقم مشكلة كتمان القيد وتزايدها بطريقة تزيد من معالجتها صعوبة يوماً بعد يوم؟
الدولة اللبنانية لم تضع يوماً مثل هذه السياسة أولوية لها، ولا يبدو من الخطاب السياسي القائم أن هذا قد يحدث قريباً. بل هي تضع اعتبارات متعددة ترقى إلى صفة «المصالح الوطنية العليا» لحرمان نصف شعبها من حق نقل جنسيته إلى أولاده، تاركة حق الأم اللبنانية في منح الجنسية حلماً تتلاعب فيه الرغبات السياسية والطائفية والديمغرافية.
وإذ كنا لا ننازع بمنح الجنسية بمرسوم لمن تتوفر فيه الشروط، شرط اعتماد معايير الشفافية في قبول الطلبات ومبادئ والمساواة وإتاحة الفرصة العادلة أمام الجميع للتقدم بطلب تجنس، واعتماد معايير واضحة في التحقق من استحقاق الجنسية وفق شروط القانون، نطلق صرخة لهذه الدولة أن تنظر أخيراً إلى مكتومي قيدها وإلى أولاد نسائها وتضع سياسة تضع حدا لحرمانهم من الجنسية والحقوق.
فبعد التأكيد أن غالبية مكتومي القيد يمكنهم اليوم اللجوء إلى القضاء لإثبات وإعلان حقهم بالجنسية اللبنانية، وكذلك من هم من فئة قيد الدرس الذين ما زالت الدولة تدرس وضعهم منذ أكثر من نصف قرن، وبعد التأكيد أن اكتساب هؤلاء لجنسية تحق لهم بحق وبموجب القانون أقوى وأهم من حصولهم عليها بمنّة من الدولة عبر آلية تجنس موضوعة أصلاً للأجانب. اليوم، بات مكتوم القيد يطالب بمساواته بمن يُمنحون الجنسية بالتجنس، متنازلاً عن حقه في الحصول عليها بحق لأنها حق صعب المنال، ومتنازلاً عن الامتيازات التي يمنحها إياه هذا الاكتساب ليحصل على الأقل على جنسية.
ومع كل الجهود التي انصبت من لجان وزارية وبرلمانية ومن سياسيين لتبرير حرمان المرأة اللبنانية من حق منح الجنسية لأولادها عندما تكون متزوجة من رجل أجنبي أو رجل عديم الجنسية مكتوم القيد ما سيؤدي إلى تفاقم هذا الظلم، واقتراح قانون يمنحها هذا الحق مبتوراً إن لم نقل مقلوباً. اليوم أيضاً، ستجد المرأة اللبنانية المتزوجة من عديم الجنسية نفسها تطالب بتجنيس أولادها ليحصلوا على جنسية بلد أمهم أو بالأحرى بلدهم الأم أيضاً بطريقة أقل من حقهم، لكن على الأقل تساويهم بمن يحصلون عليها على طبق من فضة.
جمعية روّاد الحقوق