قبل الانتخابات، أعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي أن ترشيحاته ستكون على مستوى كل الدوائر، وأنه في صدد إحداث زوبعة تغيير على المستوى النيابي، ليرسو في ما بعد على سبعة مرشحين فقط، فاز منهم ثلاثة (أسعد حردان، سليم سعادة وألبير منصور) بنتيجة أصوات «مزرية»، كما يصفها أحد الحزبيين ممن ترشحوا الى الانتخابات. أثبتت النتائج أن الحزب القومي ليس في أحسن حالاته، وأن توقعات قياداته في واد وما أفرزته صناديق الاقتراع في واد آخر.كان أغلب الظن أن قانون الانتخاب على أساس النسبية سيؤمن للأحزاب العلمانية حضوراً برلمانياً يظهر حجماً تمثيلياً جماهيرياً أكثر من القانون الاكثري، إلا أن المفاجأة كانت في انكفاء حضور هذه الاحزاب بشكل جلي لمصلحة الاحزاب الطائفية.
(هيثم الموسوي)

في عملية تقييم سريعة، يرى رئيس «القومي» حنا الناشف أن الحزب حصد نتيجة «تحالفاته، وخطأ تقدير ماكينته الانتخابية، وضعفه الاعلامي». يقول: «كنا نتوقع نتائج أفضل من التي حصدناها، ولكن الاحصاءات ما قبل الصوت التفضيلي اختلفت عمّا بعده، وهنا كان الخلل. مثلاً في عكار قدّرنا أن أرقامنا تناهز 10 آلاف صوت، فإذا بها أقل من 5 آلاف». إلا أن المطلعين على عمل الماكينة الانتخابية في عكار ربطوا هذا التقدير «الصحيح» بالتحالفات، إذ إن «الارقام التي توقعتها الماكينة كان يجب أن تفرزها الصناديق لولا بعض التحالفات التي كانت سبباً في الخسارة».
يوافق الناشف على هذه الانتقادات، ويزيد عليها: «وقعنا ضحية مجاملات ضيّعت علينا فرصاً لحصد نتائج مغايرة، أفدنا الآخرين ولم نستفد منهم»، منتقداً القائلين إن فوز نوابه جاء نتيجة تصويت الحلفاء، وإنما «هي أصوات القوميين صافية»، من دون أن يغفل وجود «إحباط عند القوميين» أسبابه متعددة: الجو الطائفي الذي طغى على الانتخابات، الخلافات في وجهات النظر والحملات التي شنّت ضدنا على مواقع التواصل، وبعض الترهل داخل الحزب الذي نتج عنه ترهل إداري.
كيف يمكن الانطلاق من هذه الانتقادات لفهم سبب حصول القومي على 25 ألف صوت فقط في مجمل الدوائر التي خاض فيها الانتخابات، فيما كانت تقديراته تتعدى المئة الف؟
في الشوف ــ عاليه، وبعد أن سحب مرشحه في عاليه «إكراماً للحلفاء»، لم تزد حصة مرشحه سمير عون في الشوف على 770 صوتاً، فيما الاصوات المتوقعة لم تكن أقلّ من 3000 صوت. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن مناصري القومي لم يشعروا بأنهم معنيون بمرشحي حزبهم، من دون أن نسقط التحالفات التي كانت سبباً إضافيا في إخفاقه. حسب التقديرات، لو خاض القومي معركته الى جانب وئام وهاب لحصد مقعداً اضافياً. لكن انسحابه من عاليه وتحالفه مع التيار الوطني الحر وطلال أرسلان تسبّب في إحجام الكثيرين عن الانتخاب اعتراضاً، فيما تشتتت الاصوات المتبقية بين لائحتي وهاب وأرسلان.
على المقلب الآخر من الجبل، أي في المتن الشمالي، فإن إعادة ترشيح الحزبي العتيق غسان الاشقر بعد غياب طويل عن الساحة لم يكن موفقاً، وإن كان هدفه حسم الخلاف الداخلي على الترشيحات. لم تتجاوز أصوات الاشقر 2757 صوتاً، وهي لا تعكس حجم القومي في المنطقة، بحسب المتابعين. ثلاثة عوامل أثّرت سلباً على حظوظ الاشقر، وهي: وجود ابنة قبلان الأشقر مرشحة على اللائحة ذاتها، وإصرار ميلاد السبعلي على إكمال ترشّحه حاصداً 500 صوت فقط، ما شتّت أصوات القوميين، فضلاً عن وجود الياس أبو صعب على اللائحة، والذي نال في بلدته ضهور شوير، التي هي بلدته لكنها بلدة أنطون سعادة أيضاً، 1200 صوت مقابل 200 صوت لغسان الاشقر.
أما في دائرة زحلة، فلم يكن ترشيح ناصيف التيني موفقاً، حيث لم يحصد إلا 522 صوتاً، وفي بيروت الثانية «تقدمت اعتبارات التحالف الاستراتيجي مع حزب الله على مصلحته كحزب»، فتخلى القومي عن مقعد الاقليات بعد تمنّي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وتلبية لرغبة الرئيس ميشال عون، ساحباً مرشحه فارس سعد لحساب مرشح التيار.
يشكو القومي من الحلفاء قبل الخصوم لأنهم أخذوا من الحزب ولم يعطوه


وتختلف النظرة الى عكار عن غيرها من الدوائر، إذ حصد مرشح القومي إميل عبود 4915 صوتاً، ولكنه لم ينجح لعدم بلوغ اللائحة الحاصل الانتخابي. «حمل الحزب لائحة «القرار لعكار» على اكتافه، وبدل أن يستفيد من مرشحيها أفادهم». توصيف يوافق عليه الناشف ضمناً ليقول: «بناءً على نصيحة الحلفاء، سرنا في خيار التحالف مع وجيه البعريني، وحصل الخلل في تأييدهم لنا»، فضلاً عن «تشتت الصوت العلوي»، رافضاً تحديد من المقصود بالحلفاء.
ولم تكن أصوات الفائزين أفضل رغم دخولهم البرلمان، إذ جاءت نسبة الاصوات مخيّبة. ففي دائرة البقاع الثالثة لا يُعدّ فوز النائب ألبير منصور (5881 صوتاً) هو الفوز المرتجى، خصوصاً أن اختياره جاء بناءً على قدرته على تجيير أصوات تفضيلية، فضلاً عن أصوات المحازبين، لتأتي النتيجة مخيّبة على المستويين. فمنصور لم يحصد في بلدته راس بعلبك أكثر من 500 صوت، فيما أصوات القوميين لم تكن بالزخم المتوقع لمصلحته.
وفي الجنوب الثالثة، ورغم فوزه بـ3321 صوتاً، إلا أنه فوز أقلّ من متوقع لمرشح القومي النائب أسعد حردان. وجود مرشح للقوات وآخر للتيار الوطني الحر سحب من رصيد القومي. يشكو الأخير هنا سوء توزيع الأصوات التفضيلية، «لكن المسألة مع الحلفاء لا تقاس وفق هذا المنحى». أما في دائرة الشمال الثالثة، ففاز سليم سعادة بنسبة 20 في المئة من الاصوات (5263 صوتاً) هي قوة الحزب في الكورة.
يشكو الحزب من الحلفاء قبل الخصوم، وفي مقدمهم التيار الوطني الحر الذي أخذ منه ولم يعطه، و«مونة» حزب الله ولو على حساب مصلحته: «حركة أمل وحزب الله لم يعطيا القومي أصواتاً تفضيلية، لا في الجنوب الثالثة ولا في البقاع الشمالي، ولا في الكورة ولا في المتن الشمالي.
لكن كل هذا «لا يقود الى الحديث عن نهاية القومي»، لأن «الانتخابات لا تنهي حزباً مساحة انتشاره تتعدى لبنان»، حسب الناشف الذي يحتسب نتائج حزبه على عكس ما يحسبها الآخرون: «ربحنا مقعداً إضافياً ولم نخسر، وفزنا بفضل أصوات الحزبيين القوميين». يرفض تحميله مسؤولية كل ما تقدم: «أنا أُسأل عن فترة تسلّمي رئاسة الحزب، أي قبل 5 أشهر، وقد تسلمت في فترة الاستعداد للانتخابات». يعلن الانتهاء قريباً «من إعداد تقرير مفصل عن مكامن الخلل ونقاط الضعف في العملية التي حصلت لرفعه الى المجلس الاعلى، ليصار الى تصويب الموضوع. وإذا لم يتم إقصاء المسؤولين عن الخلل، فعلى الأقل محاسبتهم».
متّعظاً من تجربة الانتخابات المريرة، ينوي الناشف «العودة الى الخارطة السياسية بعد أن ابتعدنا عن المطالب الاجتماعية والقانونية. لن أقبل بمقعد وزاري من دون حقيبة، حتى وإن قبِل المجلس الاعلى».
حين يعزز قانون الانتخاب الاصطفاف الطائفي يتراجع حضور العلمانيين، ليغدو الحزب القومي، وفق تعبير الناشف، «مثل الخروف الابيض داخل مجلس النواب، العلماني الوحيد الذي يختلف لوننا عن لونهم».