وأخيراً، قال مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان كلمته إزاء فلسطين. ففي ختام رسالة رمضان التي وجهها أمس، قال دريان إن الواجب «هو التضامن مع فلسطين وشعبها العربي ومع القدس وأهلها والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة. صحيح أن القدس ومساجدها وكنائسها هي حق للعرب لا شك فيه، لكن حتى الحق لا بد من أن يتجدد استحقاقه بالنضال وبعدم التسليم. ينبغي أن يظل واضحاً أننا لن نقبل استعمار القدس ولا استعمار فلسطين أياً تكن وسائل القهر والإرغام».إزاء سقوط عشرات الشهداء الفلسطينيين وآلاف الجرحى برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي ونقل الولايات المتحدة الأميركية سفارتها إلى القدس المحتلة وإعلانها عاصمة للكيان الصهيوني، هل كان موقف دريان على قدر الحدث التاريخي؟.
هذا السؤال طرحه عدد من المشايخ الذين يدورون في فلك دار الفتوى. مع ذلك، يسجل لدريان أنه استذكر فلسطين، ولو أن المنتظر منه أكبر، كأن يدعو، على سبيل المثال لا الحصر، خطباء المساجد إلى تخصيص خطبهم عن فلسطين وأن تنظم وقفات ومسيرات تضامنية وإطلاق حملات دعم ومؤازرة للشعب الفلسطيني. لكن دريان لم يفعل ذلك، ربما إلتزاماً منه بتعليمات تيار المستقبل، خصوصاً أنه قرر زج دار الفتوى في المعارك الانتخابية لمصلحة تيار المستقبل، وهو أمر كان نافراً في بيروت وطرابلس وعكار والمنية والضنية وصيدا والبقاعين الغربي والأوسط. جاء ذلك تتويجاً لتعميم وجهه إلى خطباء مساجد الجمعة ( 5 أيار) لتضمين خطبهم دعماً لرئيس الحكومة سعد الحريري واصطحبهم إلى بيت الوسط قبل أن يستقبل الحريري في دار الفتوى.
يهمس عدد من مشايخ عائشة بكار بأن صمت دار الفتوى إزاء فلسطين «يصب في خانة صمت السعودية والإمارات وربما بلغ بهما الأمر حد الطلب من دريان عدم تصدير مواقف علنية». وليس خافياً أن دريان قرر أن يستظل سياسياً بالفيء السعودي والإماراتي، مخالفاً قواعد انتخابه التي تلزمه بالنأي بالنفس عن اشتباكات الداخل والخارج. ثم هناك الدعم المالي الذي تحوله هاتان الدولتان للمشايخ كرواتب ومنح تعليمية وتأمين صحي. وكانت الإمارات قد أوكلت قبل يومين دريان مهمة توزيع حصص المساعدات التموينية في بيروت والبقاع والشمال وصيدا من خلال هيئة الإغاثة في الدار (وفي صيدا من خلال صندوق الزكاة).
حاولت قوى سياسية إقناع قباني بعد انتهاء ولايته بلعب دور سياسي، إلا أنه رفض


صمت عائشة بكار كان له صداه المعاكس في تلة الخياط. بعد أربع سنوات من مغادرته منصبه، عاد مفتي الجمهورية السابق الشيخ محمد رشيد قباني إلى الشاشة من بوابة فلسطين. وجه الرجل دعوات لحضور مؤتمر صحافي يعقده في منزله في تلة الخياط «لتوجيه رسالة حول فلسطين والقدس». أصدر قباني فتوى «بوجوب الجهاد في سبيل الله لتحرير فلسطين والقدس وبيت المقدس من الاحتلال الإسرائيلي الأجنبي لها، وذلك بياناً للحكم الشرعي في الإسلام».
قباني استذكر أن الخليفة عمر بن الخطاب حرر القدس من احتلال الرومان ومن بعده قام صلاح الدين الأيوبي بتحريرها من الحملات الصليبية. أما في التاريخ الحديث، فقد احتلها «يهود وعد بلفور الصهاينة». من هنا، «أجدد التأكيد في فتواي الدينية الشرعية أن فلسطين هي أرض عربية تاريخية إسلامية للشعب الفلسطيني وأن تحريرها من احتلال يهود وعد بلفور فرض وواجب شرعي على شعب فلسطين، وعلى كل دول العرب والمسلمين وشعوبهم، ولا يجوز للفلسطينيين ولا لدول العرب والمسلمين، بل ويحرم عليهم جميعاً ديناً وشرعاً وإسلاماً، أن يستسلموا أو يتصالحوا أو يتنازلوا للمحتلين اليهود الأجانب ولو عن شبر واحد من أرض فلسطين لـما يسمونه دولة إسرائيل. كما يحرم عليهم جميعاً أن يعترفوا بما يسمونه «إسرائيل» و كل ما سموه ويسمونه اتفاقات سلام عربية - إسرائيلية تتضمن اعترافاً هي اتفاقات باطلة وغير شرعية وغير ملزمة ديناً وشرعاً وإسلاماً لا للفلسطينيين ولا للعرب ولا للمسلمين ولا لأجيالهم الحالية ولا القادمة».

هل تكون الفتوى مقدمة لعودة قباني؟.
تقول أوساط المفتي السابق لــــ«الأخبار» إن خطوة قباني «مبادرة فردية وموقف وجداني خالص كرجل دين يجب عليه نصرة الحق لتبرئة ذمته أمام الله». القوى السياسية التي آزرته خلال حرب تيار المستقبل عليه، حاولت إقناعه بعد انتهاء ولايته بلعب دور سياسي، إلا أنه رفض. خلال السنوات الأربع الماضية، واصل قباني عمله الديني وشارك في مؤتمرات عدة خارج لبنان من دون تصدير مواقف سياسية «تجعله محسوباً على فريق من دون آخر» قالت أوساطه.