مضى أكثر من ثلاثة أعوام على تعطيل هيئة التفتيش المركزي. لم تلتئم منذ 23 شباط 2015. يومها، فجّر الخلاف بين رئيس التفتيش آنذاك القاضي جورج عواد والمفتش العام المالي السابق صلاح الدنف جلسات الهيئة. وقد بدا للمفتشين أنّ إلغاء هذا الجهاز الرقابي بات متقدّماً على جدول أعمال القوى السياسية، وليس من بينها من يريد أن يعيد له هيبته واستقلاليته وصلاحياته. فجأة، شعر المفتشون أنهم غير محميين و«ما حدا قابضنا بعد المشاكل الحاصلة، باعتبار أنّ الموظفين لن يخافوا من المساءلة ما دامت الهيئة لا تجتمع ولا تنشر قراراتها ولا تناقش حتى المفتشين في تفاصيل الملفات التي يحققون فيها والتوصيات التي يقترحونها، وكثيرون ممن لديهم شكاوى إدارية يحجمون عن تقديمها للتفتيش لكونهم غير مؤمنين بأن هذا الجهاز لا يزال يعمل فعلاً ويشكّل ملاذاً للموظف».
عندما عيّن القاضي جورج عطية رئيساً للتفتيش المركزي في 9 آذار 2017، توسم المفتشون في الرئيس الجديد خيراً «في ملاحقة الفساد والسعي للإصلاح الإداري»، بحسب تعبيرهم. لكن هذا التاريخ لم يكن أفضل مما سبقه، بل «جرى التضييق على المصالح والمديريات وتطبيق نهج إلغائي ومحاولة اختصار جهاز بأكمله بشخص الرئيس، والنتيجة استمرار تعطيل هيئة المجلس، فيما الشكاوى الموجهة إلى التفتيش لا تصل إلى خواتيمها الإدارية والموضوعية».
أمس، خرج هذا التذمر إلى العلن مع إعلان إدارة المناقصات تأجيل جلساتها لآجال غير محددة، بسبب التضييق عليها وعدم توفير مقومات انعقاد جلساتها من تأمين الغرف وما إلى ذلك. الإدارة قررت الخروج إلى الإعلام من دون الحصول على إذن مسبق من المسؤول المباشر، أي رئيس التفتيش، في مخالفة لأصول التخاطب والتصريح. وهي إذ أقرّت بالمخالفة، قالت إنها فعلت ذلك بعدما ضاقت السبل بها والمكان الذي لا يستوعب أعداد العارضين في جلسات المناقصات التي قد تضم 40 عارضاً وأحياناً 200 عارض كما في الجلسة التي كان مقرراً عقدها أمس عن أدوية لصالح وزارة الصحة. ولم تلق مراجعة الإدارة، بحسب البيان الذي أرسلته إلى الوكالة الوطنية للإعلام، لرئاسة التفتيش على مدار سنة كاملة صداها، رغم الكتب الكثيرة المرسلة إليها في هذا الشأن. وسألت الإدارة: «هل نعقد الجلسات تحت الشجرة؟ ولماذا التضييق علينا ولمصلحة من؟»
رئيس التفتيش يصف ما ورد في بيان إدارة المناقصات بـ «الادعاء الباطل»


المفاجأة كانت أن الوكالة الوطنية نشرت البيان ومن ثم سحبته بلا أي تعليل. ولما سألت «الأخبار» مديرة الوكالة لور سليمان عن السبب، أجابت: « لم ينشر ليتم سحبه». ولدى إطلاعها على «screenshot» عن المنشور على الموقع الالكتروني للوكالة، أوضحت سليمان أنها تشارك حالياً في مؤتمر في باكستان «وقد استلمت البيان على هاتفي الخاص وأرسلته مباشرة إلى المحررة من دون أن أقرأه ومن دون أن ألتفت إلى أّنه غير موقع من الرئيس المباشر للإدارة، أي من رئيس التفتيش، وبالتالي لا نستطيع أن نتبناه كوكالة رسمية، ولما تصفحت الموقع وجدت ضرورة سحبه لهذا السبب وهكذا صار وقد سحبته قبل نصف ساعة من الاتصال الهاتفي الذي تلقيته من رئيس التفتيش، وبالمناسبة لم يستمر البيان على الموقع أكثر من دقيقتين».
سليمان تنفي نفياً قاطعاً ما أشيع عن أنّ رئيس التفتيش طلب منها سحب البيان تحت طائلة الاستجواب أو التنبيه باعتباره رئيس الموظفين الرسميين. ما حصل، كما قالت، أنّها هي من طلب من عطية إرسال كتاب خطي، وأنّ الكتاب «لم يتضمن أكثر من التمني بسحب البيان لأنّه غير موقع من الرئيس المباشر». علماً أنه ليس لدى رئيس التفتيش أي سلطة إدارية وقانونية على الوكالة الوطنية ولا يملك أن يعطيها أية أوامر. وقد استغربت إدارة المناقصات كيف يمكن لإعلام حر أن «يمحو» بياناً يتعلق بشؤون الناس من دون أن يفصح للقراء الذين يملكون حق الوصول إلى المعلومات لماذا نشر ولماذا سحب.
القاضي عطية وصف في اتصال مع «الأخبار» ما ورد في بيان إدارة المناقصات بـ «الادعاء الباطل بالشكل والمضمون، ولا أريد أن أقول أكثر فهما كلمتان تختصران الموقف». وقال إن الإدارة خالفت أصول التخاطب والتصريح، و«لست بصدد أن أرد على مرؤوسي في الإعلام، فأنا شخصياً قانوني وأحترم القانون، والفساد برأيي ليس هدراً في المال العام فحسب، انما أيضاً في حسن تطبيق القانون، وإذا انهار التسلسل الإداري انهارت الإدارة».



ماذا في بيان إدارة المناقصات؟
تضمن بيان إدارة المناقصات الآتي: «بسبب امتناع رئاسة التفتيش المركزي عن تجهيز إدارة المناقصات بغرفة إضافية لإجراء جلسات فض العروض، والإصرار على حشرها في ثلاثة أرباع الطابق من المبنى الذي يشغله التفتيش المركزي والمؤلف من أكثر من 10 طوابق، علماً بأنّ رئاسة التفتيش المركزي تتجاهل الكتب الخطية الموجهة إليها اعتباراً من شهر حزيران 2017 لتزويد إدارة المناقصات بالموارد واللوازم للاستمرار في سير عملها ولا ترد عليها لا سلباً ولا إيجاباً، في ظاهرة لافتة تخالف أصول التخاطب الإداري، فإن إدارة المناقصات أصبحت مضطرة لتأجيل الجلسات التي تتجاوز الامكانات المتاحة لها إلى آجال غير محددة، وستصدر كتباً بهذا المعنى إلى الوزارات والإدارات المعنية، كما سيصار إلى الإعلان عن كل تأجيل وفقاً لأحكام القانون».