بعدما كانت مساحة جرداء إلا من أعشاب قليلة نمت صدفة فوق الفضلات التي تُرمى من شبابيك السيارات، تحول جزء من المساحة المقابلة لحرج بيروت المغلق في وجه الزوار إلى مقهى أُقيمت أمامه فسحة خضراء صغيرة. المقهى الذي اتخذ «هنا بيروت» اسماً له، اختير موقعه، عمداً، عند تقاطع أوتوسترادَي السيد هادي نصر الله وجمال عبد الناصر، على «خط التماس» بين الشياح وطريق الجديدة، وذلك استكمالاً لمشروع المقهى الثقافي الطرابلسي، الذي أُنشئ منذ سنتين على «خط تماس» آخر بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن.المقهى، أو «القهوة» كما يفضّل أصحاب المشروع تسميته، يقدّم مشروبات باردة وساخنة ووجبات خفيفة. الفكرة الأساسية منه، بحسب المتحدثة الإعلامية باسم جمعية «مارش»، صاحبة المشروع، مريم لحام، أن يكون ملتقىً للشبان والشابات من كافة المناطق اللبنانية، للتلاقي وتطوير علاقاتهم وعرض مواهبهم في الموسيقى والتمثيل وغيرهما... يطمح المشروع إلى كسر الصور النمطية المسيطرة حول العلاقات بين هذه المناطق (الضاحية الجنوبية، خندق الغميق، طريق الجديدة، باب التبانة وجبل محسن...)، وخلق جو قد يبدو مثالياً، من دون دفع أموال كثيرة. الجزء الأساسي من المكان هو الفسحة الخضراء الصغيرة التي وضعت فيها وسائد كبيرة مصنوعة من مواد أُعيد تدويرها، إضافة إلى طاولات وكراسٍ خشبيّة قام الشبان أنفسهم بجمعها وتركيبها.
المشروع استكمال للمقهى الثقافي الطرابلسي الذي أُنشئ على «خط تماس» باب التبانة وجبل محسن


المشروع المموَّل من السفارة البريطانية في بيروت لم يأخذ وقتاً طويلاً ليبصر النور، بسبب تجاوب محافظ بيروت زياد شبيب مع الفكرة، وتعاون بلدية بيروت ومساندة بلدية الغبيري. الأخيرة ليست معنيّة عقارياً بالموقع، إلا أنها، بحسب عاملين في المشروع، «كانت طوال فترة العمل دائمة الاهتمام والسؤال عمّا إذا كانت قادرة على تقديم أي نوع من المساعدة».
تشكل جمعية live love recycle جزءاً من المشروع، إذ تعمل على تسلُّم كل ما يمكن إعادة تدويره من المقهى الذي يفرز بدوره نفاياته. والجمعية مدعومة من برنامج الغذاء العالمي، وهي تعمل على جمع المخلفات (من أي مكان في لبنان) وإعادة تدويرها، بعد تلقي الطلبات من خلال تطبيق خاص بها متوافر في متجري play وapple. فريق عمل «هنا بيروت» غرس 15 شجرة بهدف منح المكان طابعاً بيئياً مريحاً، إضافة إلى زراعة بعض الخضروات التي يمكن استخدامها في إعداد السلطات التي يقدّمها المقهى. ويتضمن المشروع العمل على إنشاء مكتبة عامة تُجمع كتبها من التبرعات، وإقامة نشاطات ثقافية وفنية وسهرات تخييم وورش تدريبية (غرافيك ديزاين، لغات، كومبيرتر، إلخ...). يُجمع الشبان الذين شاركوا في المشروع على أن غلبة الطابع العائلي على جو العمل طوال الفترة الماضية، هو ما جعله ينجح ويكون «لطيفاً إلى هذا الحد».
المشروع في طور النمو ولن يكون الأخير، تؤكد لحّام. بعيداً عن النيات الحسنة، ينبغي الإقرار بصعوبة أن يكون هذا المقهى حلاً لشبان وشابات أصغر من عمر النزاع. إلا أنه على الأقل يمكن أن يجذبهم برسوم الغرافيتي التي على جدرانه، وكوب الليمون الذي يمكن أن يشربوه وهم مستلقون في الهواء الطلق.