بعيداً عن ضجيج المواكب الإحتفالية السيّارة بنتائج الإنتخابات، يفترش «ابو محمد» التراب ساندا ظهره الى شجرة صغيرة، عند اطراف حقلي الحشيشة والبطاطا في أحد سهول قرى غرب بعلبك. ينفث دخان سيجارته الــــ«سيدرز» وهو يعطي توجيهاته لنجله بمعالجة احد بخاخات المياه أو نقلها من مكانها. هل أدليت بصوتك الأحد؟ يجيب: «الرزق بيطعميني وبيطعمي عيالي، أما التصويت للمسؤولين ما رح يطعمينا، ولكننا إنتخبنا لأجل كرامتنا فقط». بعتب، يتحدث الرجل الستيني عن معاناة آلاف المزارعين «وحتى اليوم لا تنده ما في حدا غير الوعود».زراعة الحشيشة في البقاع، في رأي «أبو محمد»، «ممنوعة ــــ مسموحة». ممنوعة لأنها مخالفة للقانون وتلاحق الأجهزة الأمنية زارعيها والمتاجرين بها، لكنها «مسموحة بفعل ارادة المزارعين، وعلم الدولة بتقصيرها في تأمين الدعم الفعلي للزراعات التقليدية، او الزراعات البديلة عن الحشيشة». يدرك «أبو محمد»، «تقصير المسؤولين» تجاه المزارعين وعدم قدرتهم على معالجة مشاكل الزراعة أو شرعنة زراعة القنب الهندي، لكنه يصرّ على أنه لولا لائحة «الأمل والوفاء».. «لا كنا زرعنا بطاطا ولا حشيشة ويمكن كانوا التكفيريين عم يزرعوا مكاننا هون».
حقول القنب الهندي تتقاسم السهل الفسيح مع البطاطا وعدد محدود منها زرعت بالبصل في القرى التي تعتبر الأفقر في بعلبك الهرمل وتفتقد الخدمات العامة من بنى تحتية ومستشفيات ومحطات صرف صحي. المزارع علي ن. الذي يرقب من داخل سيارته العمال اثناء «تعشيبهم» لحقل الحشيشة، بدا اكثر نقمة على الدولة ومسؤوليها لجهة عدم معالجتهم مشاكل المزارعين، مستعرضاً السنوات الطويلة التي مضت من بداية تسعينيات القرن الماضي وقرار رئيس الوزراء رفيق الحريري مكافحة زراعة القنب الهندي، و«الوعود الكاذبة» بمشاريع الزراعات البديلة و«سرقة» المبالغ المالية التي قدمتها الأمم المتحدة للبرنامج والتي قدرت بـ300 مليون دولار، وصولا الى انتفاضة المنطقة لدى محاولة الدولة إتلاف الحقول في العام 2012 وزيارة وزير الداخلية مروان شربل لليمونة، ووعود مجلس الوزراء حينها بمساعدة مزارعي الحشيشة على مدى خمس سنوات بمبلغ 35 مليار ليرة سنويا، «وهيدي صار مارق 6 سنين وما شفنا مساعدة او شرعنة للزراعة ولا زلنا نلاحق قضائيا لأننا زرعنا نبتة ناجحة تناسب تربتنا ومناخنا. هيدا عدل شي؟».
مشاكل القطاع الزراعي الحالي تطول. من إقفال معمل الشمندر السكري والغاء زراعته، إلى عدم حماية ودعم الزراعات التقليدية من قمح وشعير وبصل وثوم وغيرها وعدم دعم القطاعات الانتاجية الأخرى القائمة على المبادرات الفردية. لا ينفي المزارع الثلاثيني انه يزرع الحشيشة من اجل دعم زراعته للبطاطا، لأن زراعة البطاطا «سنة شبعة وعشرة جوعة»، ودونم البطاطا «بيخسر كل سنة وما حدا بيسأل. لذلك نعتمد على الحشيشات الخضير ببيعه للتجار او المزارعين الكبار حتى نبقى واقفين ونطعمي عيالنا، والحمد لله نوابنا ووزراؤنا بيعرفوا بمشاكلنا وأوجاعنا وما شفنا معالجة بالفعل وإنما دائما وعود سرابية، وكرمال اللي جرب المجرب 30 سنة كان عقله مخرب، إنتخبت مرشح من غير لائحة حزب الله وحركة امل، يمكن يكون سند لنا بالمرحلة المقبلة».
5 أعوام مضت، ولم تتحرك الأجهزة الأمنية لإتلاف حقول الحشيشة، على الرغم من الإحصائيات المستمرة للمساحات المزروعة ومواقعها. يعزو أمنيون ذلك إلى عدم مساندة الجيش للأجهزة الأمنية لانشغاله في معركته مع الجماعات التكفيرية في السلسلة الشرقية، الأمر الذي سمح بتنامي المساحات المزروعة بالقنب الهندي وارتفاع انتاجه، وبانتاج كبير خفّض اسعار «هقة» الحشيشة عند تقلص عمليات التهريب، حيث وصلت الى 250 دولاراً لـ«الهقة» (1250 غ)، في حين أنها ارتفعت الى 600 دولار عند تهريب كميات ضخمة من السوق اللبنانية إلى ليبيا ومصر والأردن. حالياً، وبحسب أحد كبار مزارعي القنب الهندي في بعلبك ــــ الهرمل، يقتصر التصريف على المناطق اللبنانية، «ولكن بكميات محدودة، بانتظار تصريف الكميات الأكبر وارتفاع سعرها الذي تدنى حاليا بشكل لافت وصل الى 150 دولاراً للهقة». في الوقت عينه يؤكد انه رغم انخفاض سعر الهقة الى هذا الحد، فإنها «تبقى مربحة».
«صار مارق 6 سنين وما شفنا مساعدة او شرعنة للزراعة ولا زلنا نلاحق قضائيا»


تتفاوت آراء مزارعي الحشيشة كما في التصويت، كذلك في شأن تشريع الحشيشة، إذ يشير احد مزارعي بتدعي إلى ضرورة تشريع الدولة لزراعة حشيشة الكيف وفق قانون يحصر زراعتها بمنطقة بعلبك الهرمل التي ترى فيها الدولة منطقة «خارجة عن خارطتها الزراعية والانمائية، ولا بد من محاسبة المسؤولين عن ذلك، والوقت المناسب لذلك في الاستحقاقات ومنها النيابية الحالية واحد المرشحين رفع شعار السعي لتشريع الحشيشة واليوم انتخبته وعلى راس السطح». الطرح نفسه في دير الأحمر، لكن يختلف كلياً عند مزارعي جارتهم اليمونة. الانتخابات، بحسب رايهم هنا «سياسية بحتة وليست إنمائية»، ويرون ان الانماء «سيبقى مفتقداً لأن البقاع محروم منذ إعلان لبنان الكبير، ولن تتغير الأمور، وانتخابنا للائحة الأمل والوفاءهو انتخاب لكرامة منطقتنا ووفاءً للتضحيات التي بذلت ذوداً عن شرف البلد بسائر طوائفه وأحزابه بعيدا عن حسابات الحشيشة، ومن بعدها سنحاسب كل من وعدنا بوعد كاذب» كما يقول احد مزارعي الحشيشة.
يتحدث بعض المزارعين عن وعود تلقوها من سياسيين بقرب موعد تشريع زراعة الحشيشة وفق آلية شبيهة بزراعة التبغ ورخصها، على امل إنشاء مصانع للإفادة من ساق النبتة ذات الألياف المرنة والقوية والصالحة لصناعة حبال الليف المتينة بدلاً من استيرادها، فضلا عن ألبسة من نوع الجينز. مزارعو الحشيشة انتخبوا بالإنماء والسياسة، ويبقى السؤال هل تتخذ الدولة قرارا بإتلاف موسم هذا العام أم ستتجرأ على سن قانون تشريع للحشيشة؟.



المطالِبون بالعفو العام صوتوا لـ«الوعد»!
توالت الوعود بصدور قانون للعفو العام، وارتفع منسوب التفاؤل بإقراره بعد طلب رئيس الجمهورية ميشال عون من وزير العدل سليم جريصاتي اعداد مسودة لتصنيف الموقوفين وفرزهم بحسب جرائمهم. إلا أن التواريخ التي حددت كمهلة ليبصر القانون النور فيها سقطت وبقيت الوعود وعوداً. عشية السادس من أيار، شارك عدد كبير من اهالي الموقوفين والمطلوبين للقضاء بجرائم مختلفة في الإقتراع والتصويت لـ«الوعد» الذي قطع لهم بقرب صدور قانون العفو العام. أحد أبناء بريتال اكد لـ «الأخبار» تصويته للائحة «الأمل والوفاء» لأنها «الخيار الصحيح القادر على اقرار قانون العفو العام، وسبق وأرسل الرئيس نبيه بري موفدا الى البلدة ووعد بإقراره». وأكّد الناطق باسم لجنة العفو في بعلبك ــــ الهرمل قاسم طليس تلقّي اهالي بريتال وعداً من رئيس مجلس النواب باقرار القانون بعد اكتمال الدراسة المخصصة له، الأمر الذي شكل حافزا لدى بعض اهالي المطلوبين للتصويت لصالح اللائحة. وأكد طليس أن أكثر من 60% من المطلوبين في بعلبك ــــ الهرمل «مظلومون»، إما في تشابه اسماء او محاضر سير تحولت لقرارات جزائية ومخالفات بناء، مشدداً على أن اقرار قانون العفو العام هو المدخل الرئيسي لإنماء المنطقة ويمثل نقطة البداية المنتظرة من المسؤولين بعد الانتخابات.