في العشرين من الشهر الحالي، تنتهي ولاية المجلس النيابي لعام 2009 التي مُدّدت ثلاث مرات. 79 نائباً سيعودون إلى بيوتهم، فيما يكمل 49 آخرون المسيرة لأربع سنوات جديدة، تبدأ الاثنين في 21 أيار. في مجلس عام 2018 حصة وازنة للنواب الجدد. هم 79 نائباً، 16 منهم سبق أن تذوقوا طعم «السعادة» النيابية في دورات سابقة.
في اليوم نفسه، يتوقع أن يحمل رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته إلى قصر بعبدا، حيث يطلب منه رئيس الجمهورية تصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وفي اليوم نفسه أيضاً، يعود الرئيس نبيه بري نائباً ليوم واحد أو يومين، فيما يحل مكانه النائب ميشال المر، بصفته الأكبر سناً في المجلس (86 عاماً). ستكون مهمته محصورة بالدعوة إلى جلسة انتخاب الرئيس ونائبه وأميني السر وثلاثة مفوضين، وكذلك إدارة الجلسة، التي يُرجّح أن تُعقد في 22 أو 23 أيار، بمعاونة أميني سر، هما النائبان الأصغر سناً: سامي فتفت (29 سنة) وطوني فرنجية (31 سنة).
بحسب المادة 44 من الدستور، ينتخب النواب رئيس المجلس ونائبه بالاقتراع السري، وبالغالبية المطلقة من أصوات المقترعين، وإذا لم تتوفر هذه الأغلبية في الدورة الأولى وفي دورة ثانية تعقبها، يتم الاكتفاء بالأغلبية النسبية في الدورة الثالثة. الأغلبية المطلقة في هذه الحالة لا تعني النصف زائداً واحداً من عدد أعضاء مجلس النواب، إنما من عدد المقترعين حصراً. أما الأكثرية النسبية، فتعني فوز المرشح الحاصل على العدد الأكبر من الأصوات، مهما كان هذا العدد. إذا تساوت الأصوات، فالأكبر سناً يعد منتخباً.
هذه المادة الدستورية تسعى إلى مواجهة كل السيناريوات المحتملة. لكن بوجود الرئيس نبيه بري، لن يكون هنالك إلا سيناريو واحد، يتكرر منذ 26 عاماً: نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي لأربع سنوات جديدة وعميداً لرؤساء المجالس النيابية في أربع رياح الأرض!
لا أحد من أشد المعارضين لبري يتوقع أن يتم الانتقال إلى الدورة الثانية. فالأكثرية المطلقة يضمنها بري في جيبه سلفاً، حتى لو كان عدد المقترعين 128 نائباً. 65 نائباً هو الحد الأقصى الذي يحتاج إليه بري للعودة إلى المقعد الذي اعتاده منذ عام 1992. وهو مضمون سلفاً لبري.
فلحزب الله وحركة أمل وحلفائهما 45 مقعداً في مجلس النواب (29 نائباً للحزب وأمل، ثلاثة نواب لكل من القومي والمردة، تسعة نواب مستقلون هم: فيصل كرامي، جهاد الصمد، عبد الرحيم مراد، جميل السيد، إدي دمرجيان، أسامة سعد، إبراهيم عازار، فريد هيكل الخازن ومصطفى الحسيني، إضافة إلى نائب جمعية المشاريع عدنان طرابلسي). يبقى 20 نائباً. أصوات اللقاء الديموقراطي التسعة محسومة لبري، وكذلك الأصوات الأربعة لكتلة العزم، والثلاثة للطاشناق. ويكتمل النصف زائداً واحداً مع إضافة ميشال المر ومصطفى حسين وفؤاد مخزومي وإيلي الفرزلي.
هذا يعني أن بري لن يحتاج إلى أي كتلة أخرى، علماً بأن من المتوقع أن يحصل إضافة إلى ما سبق على أصوات كتلة المستقبل (20 نائباً)، التي يلتزم رئيسها التصويت لبري، تماماً كما يلتزم بري تسمية الحريري لرئاسة الحكومة. وبالرغم من أنه لن يكون مستبعداً تسرّب بعض أصوات الكتلة، إلا أن ذلك لن يكون سوى الاستثناء الذي يثبت قاعدة دعم تيار المستقبل لرئيس المجلس. وفيما لم تتضح وجهة «الكتائب» (ثلاثة نواب) بعد، يُرجّح أن تكون الورقة البيضاء أبرز خياراته، تماشياً مع توجهاته منذ ما بعد خروجه من الحكومة. «القوات» بدوره لم يحسم وجهته بعد، علماً بأن ثمة من يرى أن لا مصلحة للقوات بمواجهة بري، انطلاقاً من أن ما يجمعهما أكبر مما يفرقهما، على ما يشير مصدر متابع، ولا سيما في ما يتعلق بالعلاقة مع التيار الوطني الحر ومع ما يسمى بكتلة العهد. لكن ذلك لا يمنع من أن يسعى «القوات» إلى تحصيل بعض التعهدات المتعلقة بحصته الحكومية والتي يسعى الى أن تكون أربعة وزراء.
العقبة الأساسية تشكّلها كتلة لبنان القوي التي يترأسها جبران باسيل. كل الترجيحات تشير إلى أن انتخابات رئاسة المجلس ستكون محطة جديدة على سكة العلاقة المأزومة بين بري وباسيل، والتي ستكون نتيجتها على الأرجح السعي إلى حجب أصوات الكتلة عن بري. رفض انتخاب بري ليس إلا جزءاً من الحسابات المتبادلة بين الطرفين. كتلة التنمية لم تنتخب ميشال عون للرئاسة، وكتلة لبنان القوي لن تنتخب بري لرئاسة المجلس. لكن باسيل يدرك أنه غير قادر على فرض هذا الموقف على كل أعضائها أو حتى على كل الحزبيين. فالنائب السابق لرئيس المجلس إيلي الفرزلي، على سبيل المثال، لن يكون صوته إلا إلى جانب بري، وكذلك النواب الثلاثة لحزب الطاشناق، كما يمكن أن ينضم إليهم شامل روكز وآخرون.
رصيد بري النيابي 65 نائباً مضموناً... والنتيجة قد تتخطى التسعين نائباً


يدرك أشد خصوم بري أنه باق في مكانه، لذلك فإن أقصى طموحهم هو السعي إلى وصوله أضعف من عام 2009. فهل يتحقق ذلك؟ في ذلك العام، حصل بري على 90 صوتاً. وبحسب المعطيات الحالية، فإن بري لن يكون بعيداً عن هذا الرقم، مع إمكانية كبيرة لتخطيه.
مع الانتهاء من انتخابات رئيس المجلس، ينتقل النواب إلى انتخاب نائب الرئيس. يبدو الموقع محصوراً بين نائبين، إما إيلي الفرزلي، الذي سبق أن خبر هذا المنصب لسنوات طويلة وبرفقة بري، وإما الياس أبو صعب، الذي طرح التيار اسمه سابقاً (قبل تبني التيار ترشيح الفرزلي في البقاع الغربي) لتولي هذا المنصب. فعلى أي اسم يستقر التيار، وأي منهما يمكن أن يحوز الأغلبية داخل المجلس؟
بعد انتخاب الرئيس ونائب الرئيس، اللذين تمتد ولايتهما طوال ولاية المجلس، يحين موعد انتخاب أميني السر، اللذين يُنتخبان وفق الآلية نفسها، لكن يُعاد انتخابهما في تشرين الأول من كل عام، والأمر نفسه يحكم انتخاب المفوضين الثلاثة (يُقترع لثلاثة أسماء في ورقة واحدة).
بعد انتخاب مكتب المجلس، يبقى انتخاب أعضاء اللجان النيابية ورؤسائها ومقرريها. وهؤلاء ليس انتخابهم محكوماً بمهلة زمنية، كما هيئة مكتب المجلس (15 يوماً). في عام 2009 لم ينتخب أعضاء اللجان إلا بعد تشكيل الحكومة، تجنباً لإحداث شواغر في اللجان في حال توزير أحد أعضائها، إلا أنه يرجح أن لا يتكرر السيناريو نفسه هذا العام، وخاصة أن الجميع يدرك أن تشكيل الحكومة لن يكون يسيراً أو سريعاً. وعليه، فإن انتخاب اللجان قد لا يتأخر أكثر من أسبوعين.
في هذا الوقت، يكون مسار تشكيل الحكومة قد انطلق باستقالة الحكومة، ثم دعوة النواب إلى استشارات نيابية ملزمة، فتكليف الحريري تأليف حكومة جديدة.