من أصل قرابة 20 ألف ناخب من الطائفة العلوية، في طرابلس، لم يتعدّ عدد المُشاركين في الانتخابات النيابية أكثر من 6200 مُقترع. نال منها مُرشّح «لائحة الكرامة الوطنية»، أحمد عمران (المدعوم من الحزب العربي الديمقراطي) 2794 صوتاً. وقد اضطر الأمين العام للحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد، إلى أن يُرسل رسالة صوتية إلى أنصاره، قبل ساعةٍ من إقفال صناديق الاقتراع، يحثّهم فيها على المشاركة. فلبّى النداء 1500 شخص. التزام 31%، تقريباً، من العلويين، لا يشذّ عن نسبة الاقتراع المُتدنية لدى بقيّة الطوائف وفي مختلف الأقضية والدوائر الانتخابية. ولكن، تُعتبر الأرقام «زهيدة»، وتُناقض ما يُحكى دائماً عن وجود «بلوك علوي»، بمقدور الحزب العربي الديمقراطي وأمينه العام رفعت عيد «تجييره» في المواسم الانتخابية. لا بل أكثر من ذلك، هي إشارة إلى أنّ قرار جبل محسن السياسي بات مُشرَّعاً أمام مختلف القوى الطرابلسية والتيارات والأحزاب السياسية، بعد أن أدّت عوامل عدّة إلى «إضعاف» الحزب الأكبر في «الجبل» (العربي الديمقراطي)، وتشتت أصوات الطائفة. أدّى ذلك إلى أن ينال مُرشح «لائحة العزم» علي درويش 2246 صوتاً، ومُرشحة تيار المستقبل ليلى شحود 443 صوتاً، ومُرشح الوزير السابق أشرف ريفي، بدر عيد 277 صوتاً. نسبة المشاركة المُتدنية لا تدلّ فقط على انتفاء خبريّة وجود «بلوك»، بل هي مؤشر إلى حالة التمرّد في شارع جبل محسن، تجاه قياداته السياسية وضدّ «المرجعية» التي تولّت إدارة ملف «العلويين» والانتخابات النيابية. هناك من يقول إنّ «الكيدية في التعامل مع العلويين، ووضع أسماء الناس على الحدود لمنعهم من الدخول إلى سوريا، بسبب خلافات شخصية لا علاقة لها بالموقف السياسي»، سهّلت كلها التعبير عن النقمة بالاعتكاف عن الاقتراع.
وقد يكون المسار الانتخابي الذي مرّ به العلويون طوال الأشهر الماضية، أسهم في تفاقم حالة النقمة: 1) عدد المُرشحين الذين «تجرأوا» على التعبير عن نيّتهم الترشح، وقد فاق العشرة. 2) تقديم إحدى البعثات العربية في بيروت، الوعود لأكثر من مُرشّح بأنّه سيحظى بدعمها خلال الانتخابات. 3) التخبط الناتج من طلب السفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم علي منح أصوات «البلوك العلوي» للائحة رئيس المركز الوطني في الشمال كمال الخير (نالت لائحته 4122 صوتاً)، مقابل ضغط النائبين سليمان فرنجية وفيصل كرامي ورفعت عيد ليقترع الناخبون العلويون لمصلحة «لائحة الكرامة الوطنية» (الصمد وكرامي).
أرسل رفعت عيد رسالة صوتية إلى أنصاره، قبل ساعةٍ من إقفال الصناديق، يحثّهم فيها على الاقتراع


مرحلة الأخذ والردّ، امتدّت لقرابة الأسبوعين، في ظلّ ضياع القاعدة الناخبة. ولم يُحسم القرار إلا قبل 8 أيام من موعد الانتخابات، بفضل تدخل رئيس تيار المردة. فصدر «الأمر»، بأن تؤول الأصوات لمصلحة «الكرامة الوطنية»، ومُشاركة الـ3000 ناخب الذين يسكنون على طول الساحل السوري، على أن يُمنح كرامي قرابة ألف صوت تفضيلي لضمان مقعده النيابي. لم يستسغ عددٌ من «العلويين» هذا التكتيك، لاعتقادهم بوجود فرصة لإنجاح مُرشح من «نسيجهم»، فسُحبت الفرصة منهم بحُجّة «المصلحة السياسية».
لا توافق مصادر مُطلعة على أنّ «البلوك العلوي» انتهى. تقول إنّ «العربي الديمقراطي» لم يبدأ عمله الانتخابي رسمياً إلا قبل 8 أيام من موعد 6 أيار، «وكان يُدير الانتخابات شخصٌ من وراء الحدود (رفعت عيد)، على العكس من بقيّة القوى». إضافةً إلى «المساعدة» التي قدّمها فرنجية، من خلال تنظيمه زيارة لجبل محسن، وشدّ عصب الناس. ماذا عن الرقم المُتدني الذي ناله أحمد عمران؟ «صحيحٌ أنّ ــ على الورقة والقلم ــ الفارق بين عمران وعلي درويش لا يتعدّى المئات، لكن الفرق أنّ عمران جيّر من الأصوات العلوية لمصلحة كرامي ورفلي دياب، في حين أنّ درويش استفاد من تجيير الرئيس نجيب ميقاتي له». يعني ذلك، وفق المصادر، أنّ درويش «لم ينل أكثر من 1000 صوت علوي». وهناك سبب آخر، تُقدّمه المصادر لتبرير غياب «البلوك العلوي»، هو أنّ «عمران ليس مُرشحاً حزبياً، ومن الطبيعي ألا تكون هناك حماسة لدعمه».
وجود نائب حالياً (علي درويش)، ينتمي إلى جبل محسن، سيُفسح المجال أمام سحب القرار، أكثر فأكثر، من بين يدَي الحزب العربي الديمقراطي. وسيُساعد مختلف الشخصيات الطرابلسية والأحزاب، على بناء وجودٍ في «البعل». الكرة الآن في ملعب درويش، وتيار العزم من خلفه، لبناء شبكة صلبة تُعيد تعميق الرباط ما بين طرابلس المدينة وأحيائها. «المفتاح» الأساسي سيكون عبر الخدمات والتواصل مع الناس. من الطبيعي أن «يُقلق» هذا الأمر «العربي الديمقراطي»، الطامح إلى الحفاظ على المرتبة الأولى في جبل محسن. لكنّ المصادر المُطلعة، تؤكد أنّ «رفعت أثبت وجود مُحبّين يتأثرون بقراره. فليعيدوا رفعت عيد إلى جبل محسن، ويُقفلوا ملفّ المُبعدين، وبعدها يُحاسبون العربي الديمقراطي في الانتخابات».