أعادت انتخابات زحلة تأكيد خلاصة انتخابات عام 2009. الأحزاب الكبيرة تقضم من حضور القيادات الزحلية وشعبيتها. آل سكاف سيكونون لدورة نيابية جديدة خارج المجلس النيابي. وينضم إليهم هذه الدورة آل فتوش، الذين سعوا إلى وراثة الزعامة، فأصابهم ما أصابها. في المقابل، لم يكن العونيون أفضل حالاً. صحيح أنهم أثبتوا أنهم القوة الثانية زحلياً، لكن هذه القوة لم تكن لتسمح لهم بالحصول على أي مقعد بقوتهم الذاتية. ولولا طبيعة القانون الانتخابي وتحالفهم مع المستقبل، لما كانت زحلة قد تمثلت بمقعدين في تكتل «لبنان القوي».
ثالث الأحزاب الزحلية هو الكتائب. لكن تشتت قواه والخلافات الزحلية أصابته بجروح عميقة، بانت نتيجتها في الانتخابات، فكان مرشحها بعيداً عن المنافسة ولم تبتعد أرقامه عن أرقام المستقلين.
القوات هي الأقوى في زحلة. هذا ما تؤكده نتيجة الانتخابات. مرشحها جورج عقيص كان بلا منافس فعلي، بالرغم من أن المنافسين على المقعد الكاثوليكي كانوا من طينة ميريام سكاف ونقولا فتوش. حلّق جورج عقيص بعيداً عن أقرب منافسيه، محققاً 11363 صوتاً، بينما ذهب المقعد الكاثوليكي الثاني إلى ميشال ضاهر الذي حقق الرقم الأعلى في لائحة زحلة للكل (التيار الوطني الحر والمستقبل)، حيث تمكن من جمع 9742 صوتاً. من أين أتت هذه الأصوات، التي أدت عملياً إلى خسارة مرشحة المستقبل ماري جان بيلازكجيان، واقتصار الحصة المستقبلية على فوز عاصم عراجي؟ كل المؤشرات الأولية تدل على أن الوزن الأكبر في حصة ضاهر كان من الأصوات السنية. هذا أمر لا يحتاج إلى أدلة. عدد الناخبين السنة في الدائرة يتخطى الخمسين ألفاً، اقترع أقل من نصفهم بحسب النتائج غير الرسمية، أي نحو 20 ألفاً. نال عراجي 7224 صوتاً، فيما نالت بيلازكجيان 3851 صوتاً. أين الأصوات الباقية؟ تجيب مصادر مستقبلية بأن ضاهر اشترى نحو 5000 صوت سني على الأقل. الأسوأ أن ثمة من يشير إلى أن البيع كان منظماً وعبر مفاتيح، يتبع معظمها للمستقبل. هل هذا ممكن؟ لا بد للمستقبل نفسه أن يجيب عن هذا السؤال خلال الأيام المقبلة، علماً بأن مصادر مستقبلية في زحلة كانت قد اشتكت مراراً من تشتّت الماكينة وضعفها. مردّ ذلك، على ما ترجّح المصادر، تخوف أعضاء في الماكينة من عدم قبض مستحقاتهم، ما أدى عملياً إلى اعتمادهم على مصدر آخر للمال هو ضاهر، الذي عرف جيداً كيف يستغل الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها عدد كبير من أبناء قرى البقاع الأوسط.عمليات الشراء لم تقتصر على ضاهر، إلا أنه كان الأكثر بذخاً من بين كل المرشحين. الأكيد أن الانتخابات في زحلة تستأهل الدراسة. فما حصل هناك لم يحصل في أي منطقة. هناك بيع الأصوات كان يحصل في الشارع وعلى المكشوف وبلا خجل.
سوء تقدير من ماكينة حزب الله يؤدي إلى هزيمة نقولا فتوش


الأرقام العالية التي حققها عقيص وضاهر أنهت سريعاً حظوظ سكاف وفتوش. لم يعد مهماً إن كانت لائحة الكتلة الشعبة ستحوز الحاصل أو لا، ولم يعد مهماً إن كانت لائحة حزب الله ــــ فتوش قد حازت حاصلين أو ثلاثة. فحصول لائحة سكاف على الحاصل لم يكن ليغير شيئاً في نتيجتها الشخصية، لأنها حققت المرتبة الثالثة من بين المرشحين الكاثوليك (6348 صوتاً).
صاحب الأصوات التفضيلية الأعلى في زحلة كان مرشح حزب الله أنور جمعة بـ15601 صوت، بينما منافسه الأول، أي نزار دلول، لم يحصل على أكثر من 3947 صوتاً. هذا يعني أن الحزب كان قادراً على تأمين فوز حليفه فتوش (5737 صوتاً)، بمنحه أكثر من 4 آلاف صوت إضافي، لكنه لم يفعل. لماذا؟ بحسب مصادر معنية، يبدو أن ماكينة الحزب كانت قد تخوفت من احتمال صب المستقبل أصواته باتجاه دلول لا بيلازكجيان، كما كان يتردد. وهي تحسبت لهذا السيناريو بعدم توزيع الأصوات إلا بشكل محدود، مقابل إعطاء كل الأصوات التفضيلية لمرشح الحزب. صحيح أن مصادر مطلعة سبق أن أعلنت منذ إعلان ترشيحات الحزب أن يهدف إلى تأمين حاصلين، فيما على الحلفاء في اللائحة العمل على تعزيز أصواتهم التفضيلية، إلا أن هذا القرار الذي يبدو أن مفاعيله لم تتغير أدى إلى هزيمة الحليف الأقرب إلى الحزب.
في اليوم الانتخابي ترقب حزب الله وجهة التصويت المستقبلي لخشيته من الضغط على مرشح الحزب في فترة قبل الظهر، لكن بعد الظهر كانت الأمور قد اتضحت: نزار دلول لن يستطيع المنافسة. بالنتيجة، أهّلت الـ23546 صوتاً اللائحة للحصول على مقعدين (2.082 حاصلاً)، وعليه كان المقعد الثاني من نصيب ادي دمرجيان الحاصل على 77 صوتاً فقط، لأن مقعده (الأرمن الأرثوذوكس) كان الوحيد الذي بقي بعدما استوفت اللوائح الرابحة حصصها، بالنظر إلى عدد الأصوات التي حازها مرشحوها، والتي كانت أعلى من أرقام مرشحي لائحة حزب الله – فتوش، الذين حصلوا جميعهم على نتائج متواضعة (باستثناء جمعة وفتوش).
على مقلب لائحة المستقبل – التيار الوطني الحر، فقد سمح لها عدد الأصوات الذي حققته (36391) بالحصول على ثلاثة مقاعد، ذهب الأول لضاهر (الثالث في الترتيب العام للفائزين) والثاني لعراجي (الرابع في الترتيب العام)، ولأن سليم عون كان الخامس في ترتيب الأصوات التفضيلية بحصوله على 5567 صوتاً (منافسه على المقعد إيلي ماروني لم يحصل إلا على 1213 صوتاً) آل له المقعد الأخير الخاص باللائحة فاستنفدت حصتها. بقي المقعد الأرثوذوكسي. المتنافسان الأبرز على المقعد هما قيصر المعلوف وأسعد نكد. وبالرغم من أن نكد تفوق على المعلوف بعدد الأصوات التفضيلية (4138)، إلا أن استيفاء اللائحة لحصتها من المقاعد جعل المقعد يؤول إلى المعلوف (3554 صوتاً)، لتكون النتيجة النهائية نائبين لكل من القوات والتيار الوطني الحر، نائباً لكل من حزب الله والمستقبل، وإدي دمرجيان الذي لم تتضح وجهته.