أكثر من مفاجأة كشفتها انتخابات دائرة الشمال الثانية التي تضم طرابلس والمنية ـــ الضنّية، يتوقع أن تترك تداعيات واسعة على المشهد السياسي في المدينة، في ظل تساؤلات إن كانت نتائج هذه الانتخابات ستشكل حافزاً لإجراء قراءة نقدية، ومراجعة في أداء ومواقف الأطراف السياسية المختلفة، أو لا.أولى هذه المفاجآت وأبرزها تمثلت بالخسارة المدوية التي نزلت بالوزير السابق أشرف ريفي، بعدما فشلت لائحته «لبنان السيادة» في الحصول على حاصل انتخابي، بعدما كانت أغلب المؤشرات واستطلاعات الرأي تؤكد حصوله على حاصل انتخابي، وتطلّعه نحو حاصل ثانٍ، لكن النتيجة جاءت مخيّبة له ولأنصاره.
ومع أن ريفي اعترف بخسارته، إلا أنه لم يعترف بأسبابها، التي كان أبرزها العبء الذي تحمّله بسبب فشل بلدية طرابلس في أدائها ومهماتها، ورمي هذا الفشل على ريفي كونه يعتبر عرّاباً للبلدية، بعدما استطاعت لائحته التي دعمها في انتخابات 2016 أن تحصد غالبية أعضاء المجلس البلدي على حساب تحالف سياسي واسع، ما جعل ريفي يفشل في تكرار تجربة الانتخابات البلدية في الانتخابات النيابية.
وثاني أسباب خسارة ريفي تمسّكه بخطاب سياسي حاد ومرتفع السقف، يحمل في طيّاته الكثير من التحريض السياسي والطائفي والمذهبي، ظنّاً منه أن تمسّكه بهذا الخطاب يستطيع من خلاله وراثة «الحريرية السياسية» وسحب البساط من تحت الرئيس سعد الحريري، لكن ريفي نسي أن هذا الخطاب فشل منذ زمن، ولم يعد يطعم خبزاً لفقراء المدينة.
ثانية هذه المفاجآت كانت النسبة غير المرتفعة للناخبين، والتي لم تتجاوز 40 في المئة، علماً بأن انتخابات 2009 بلغت نسبة الاقتراع فيها 46%، ما جعل الحاصل الانتخابي ينخفض، علماً بأن توقعات كثيرة سبقت استحقاق الأحد الماضي كانت تشير إلى ارتفاع في نسبة الاقتراع، لأسباب كثيرة أبرزها حدّة التنافس وأهمية الصوت التفضيلي. لكن تدنّي نسبة الاقتراع خيّب التوقعات.
أما ثالثة هذه المفاجآت، فتمثلت في حصد الرئيس نجيب ميقاتي المرتبة الأولى بين مرشحي طرابلس والدائرة من حيث عدد الأصوات التي نالها، إذ تجاوز عدد أصواته التفضيلية 20 ألف صوت، جامعاً بذلك عدداً يفوق الأصوات التي نالها مرشحو تيار المستقبل الثلاثة الناجحين، محمد كبارة وسمير الجسر وديما جمالي التي سجّلت إنجازاً غير مسبوق كونها أول امرأة في تاريخ مدينة طرابلس تفوز بمقعد نيابي. لكنه جاء في المقابل على حساب تراجع حصّة تيار المستقبل في هذه الدائرة من 8 نواب إلى 5، لكن القاعدة الزرقاء رأت بفوز 5 مرشحين سنّة «دليلاً على قوة حضورنا وتجذّرنا في طرابلس».
حصل الصمد على أصوات تفوق أصوات مرشّحَي المستقبل مجتمعَين في الضنية


إلا أن الرقم العالي الذي حازه ميقاتي كان في المقابل موضع تساؤلات ونقد، فهو كان قادراً على تجيير عدد قليل من الأصوات إلى المرشح على لائحته محمد الجسر ليمكّنه من منافسة جمالي، ولكنه لم يفعل. فهو رغم أن انتخابات طرابلس أثبتت أنه الأقوى والأول فيها، فإنه فضّل أن يستأثر بأصواته لنفسه، بحيث أن كتلته المكوّنة من أربعة مقاعد اقتصرت على نواب الأقليات في المدينة، جان عبيد عن المقعد الماروني، نقولا نحاس عن المقعد الأرثوذكسي وعلي درويش عن المقعد العلوي. لكنّ مقرّبين منه رأوا في الأمر «جانباً مختلفاً، لأنه يظهر ميقاتي بمظهر الراعي والحاضن للأقليات في المدينة، وهو أمر يفيده على المدى البعيد».
ورابعة هذه المفاجآت جاءت من الضنية، بعدما احتل جهاد الصمد المرتبة الأولى بتفوّق لافت، وهو ما كانت ترجّحه استطلاعات الرأي، إلا أن الأصوات التي نالها بلغت ما يزيد على مجموع مرشحَي تيار المستقبل مجتمعَين، الفائز سامي فتفت والخاسر قاسم عبد العزيز، منهياً بذلك سيطرة التيار الأزرق على مقعدي الضنية منذ نحو 13 عاماً، ومعيداً تمثيل المنطقة نيابياً إلى وضعه الطبيعي، ما شكّل صدمة كبيرة في صفوف التيار الأزرق.
الضنية شهدت عشية يوم الانتخابات مفاجأة من العيار الثقيل، تمثلت في انسحاب المرشح على لائحة العزم جهاد يوسف لمصلحة تيار المستقبل، ما أثار إرباكاً في صفوفه استفاد منه فتفت الذي استطاع الاستفادة من أصوات يوسف التي تشتّتت، وجيّرها لمصلحته على حساب عبد العزيز.
وإذا كان فوز فيصل كرامي متوقعاً نظراً إلى الدعم الكبير الذي تلقّاه من حلفائه في فريق 8 آذار، فإن الأصوات التي نالها طه ناجي، مرشح جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) في طرابلس، والتي ناهزت 4 آلاف صوت، كانت لافتة، وأكدت حضور الجمعية كـ«بلوك» انتخابي قوي في المدينة، جعلت مناصريه يأملون حتى آخر لحظة أن يسجل خرقاً.