بشغف، نشر التلامذة «اختراعاتهم» الصغيرة في باحة مكتبة كلية العلوم في الحدث. أخيراً، باتوا هنا في قلب «مباراة العلوم»، الفسحة العلمية السنوية، ليحصدوا نتائج عمل استغرق ليالي طويلة شحنوا خلالها طاقاتهم وحرّروا خيالهم خارج إطار المناهج الدراسية. تنافسوا أمام هيئة التحكيم في شرح تفاصيل مشاريع مبتكرة تحاكي حاجاتهم وتبحث عن حلول للمشاكل الحياتية: الصحة، النفايات، التلوث، الكهرباء، الطاقة البديلة وغيرها. «الاختراعات» تنوعت بين تصاميم تشغيلية ونماذج بحثية وإيضاحية تناولت فئات ست: المشاريع التشغيلية والروبوت، تكنولوجيا المعلومات، علم الفلك، العلوم الفيزيائية والكيميائية، الصحة وعلوم الحياة والبيئة والموارد الطبيعية.التنافس المتاح للجميع من مدارس رسمية وخاصة لا يزال يعكس تفاوتاً في الدعم بين المدرستين. ورغم أنّ إدارات بعض المدارس الرسمية لا تتلقف الفرصة بالأهمية نفسها لجهة توفير الدعم المالي والبيئة الحاضنة، إلا أنّ الطلاب ينخرطون أكثر فأكثر، وأعدادهم تتزايد عاماً بعد آخر.
المتبارون الصغار يفاجئونك بغنى معلوماتهم والمحاججة في شرح أفكارهم. يرى صادق بركة، الأستاذ المشرف على أعمال طلاب سيدة الجمهور، أن المخترعين الصغار يتفاعلون أكثر مع الأفكار، ويحرصون على الوصول إلى نتائج لا يمكن أن يصل إليها المخترعون الكبار، لأنهم يختبرون المجال العملي قبل النظري، بعكس حاملي الشهادات العليا والدكتوراه. طلابه المنخرطون في الأندية العلمية المختلفة في المدرسة (إلكترونيك، روبوت، الاتصالات، فيزياء...) تعاونوا على ابتكار «خزنة رقمية» كل في اختصاصه «max pro» أوmaximum protection أو حماية مطلقة. يتولى طالب البكالوريا، راين نعمة، الحديث عن مشروع استغرق 5 أشهر بنهاراتها ولياليها، حيث تمكن ورفاقه من إنتاج خزنة تصوّر البصمة بمجرد اللمس بها وتبعث الصورة إلى صاحب الخزنة، وتسجّل المعلومات المتعلقة بالأغراض التي يودعها صاحبها فيها وتذكره بها إذا اضطر إلى استخدامها. الشباب ينتظرون تسجيل مشروعهم الذي لا مثيل له في العالم، كما قالوا، كبراءة اختراع في وزارة الاقتصاد، ويترقبون التمويل ليصبح قابلاً للاستخدام في المنازل والشركات والمصانع.
بثقة وتحدٍّ كبيرين، يدافع محمد سرحان، الطالب في صف البكالوريا ـ قسم أول في مدرسة البيادر، عن اختراعه، وهو عبارة عن جهاز مصغّر لتخطيط القلب يضعه المريض على يده تماماً كما جهاز قياس الضغط، ويقرأ المعلومات على التليفون، التي تحوّل في الوقت نفسه إلى الطبيب المعالج. بدا من كلام الشاب أنّه درس المشروع من كل جوانبه لجهة إمكان استخدامه في المنزل. عقد، كما قال، لقاءات مع الصليب الأحمر لدرس اعتماده في سيارة الإسعاف. الأهم في ما يقوله سرحان، القدرة التنافسية للجهاز، وسعره المنخفض والقدرة الكبيرة على تطويره ليصبح قابلاً للتطبيق.
المساهمة في معارض دولية بحثاً عن مستثمرين محتملين للابتكارات


الأستاذ المشرف في مدارس المقاصد، طلال دندشلي، يقول إن بعض المشاريع تحتاج إلى الإيمان بأنّ العمل البحثي ليس مضيعة للوقت، بل فرصة ذهبية للتعلم بواسطة المشاريع واكتساب المفاهيم الفيزيائية والمعلومات بالممارسة خارج مناهج دراسية انتهت صلاحيتها ووسائل تقليدية لا تبني لدى التلميذ حسّ المبادرة وثقافة العمل البحثي ولا تعزز لديه مهارات المناقشة.
«تجربة ممتعة» أمضاها فؤاد بكار، المشرف على المشاريع في مدرسة أمجاد، مع طلابه الذين اختاروا موضوعاً بحثياً شيقاً ويهم في الواقع كل أسرة وهو التوعية على مخاطر بداية الحصة الدراسية في السابعة صباحاً. انصرف الطلاب، أمجد مراد، لين خطار، حسام أحمدية ويارا حبوب للعمل على دراسة عينة من 100 تلميذ يذهبون إلى المدرسة في السابعة إلا ربعاً، وجرت مراقبة الضغط والسكري والحرارة لهم خلال فترة معينة، فحصل الفريق على نتائج مخيفة لجهة ارتفاع نسبة «الميلاتونين» أو هورمون النعاس في الدم.
في نسختها الخامسة عشرة انتقلت مباراة العلوم من قصر الأونيسكو إلى قلب مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث، أو «المكان الذي يشبهنا»، كما يقول رضوان شعيب، رئيس مجلس إدارة الهيئة اللبنانية للعلوم والبحوث (الهيئة المنظمة للحدث)، فأساتذة الجامعة جزء أساسي من هيئة تحكيم المشاريع.
ثمة هدفان للمباراة يتحدث عنهما شعيب، الأول هو السعي إلى المشاركة في ورشة تطوير المناهج الدراسية التي طال انتظارها في المركز التربوي للبحوث والإنماء، لجهة التركيز على إفراد حيّز واسع لإنتاج العلم والمعرفة ومحاكاة ابتكارات الطلاب. والثاني المساهمة في المعارض العلمية الدولية، بحثاً عن مستثمرين محتملين لهذه الابتكارات، وهو الهدف الأول من ربح الجوائز.
جديد المباراة هذا العام هو توسيع بيكار المشاركة لجهة دعوة طلاب المدارس اللبنانية في بلاد الانتشار.



حاضنة أعمال للمخترعين

(هيثم الموسوي)

في سبيل دعم المبتكرين والمخترعين من داخل مباراة العلوم وخارجها، أنشأت الهيئة الوطنية للعلوم والبحوث «حاضنة أعمال» توفّر البيئة والإرشاد اللازمين لإطلاق شركات ناشئة. محمد ترحيني، التلميذ في ثانوية جبشيت الرسمية سابقاً والطالب في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية حالياً، يستعد لتحقيق شغفه في خوض مجال ريادة الأعمال وتأسيس شركته الخاصة بتكنولوجيا المعلومات، بالتعاون مع الحاضنة. لا يخفي الشاب أن المشوار طويل ودونه صعوبات كثيرة «لكنني قبلت التحدي وسأنجح».