(مروان بوحيدر)
طوال المسيرة بين الدورة وانطلياس، أمسك غارو يدي ابنتيه الصغيرتين محدثاً إيّاهما بالأرمينية. هو الذي جاء أجداده من أضنة لا يزال يحتفظ بسندات الملكيّة التي «بدأت تهترئ». بدورها لا تريد إيفا «أن تنسى»، ورغم سنواتها العشرين تعرف الكثير عن قضيّة أجدادها الذين أتوا من «غيسارياس»، هكذا لا تزال تسمّيها، وهي قيصرية اليوم. يثابر زاريه على المشاركة في المسيرة السنوية التي تتزامن مع مسيرات تنظمّها الدياسبورا الأرمينيه حول العالم. زاريه المتحدّر من مرعش لا يزال يتابع أخبار المنطقة عن بعد ولا يريد زيارة تركيا. موقفه كسواه من المشاركين واضح: «نريد استرجاع أراضينا والاعتراف بالإبادة والتعويض المعنوي والمادي. حينها فقط يزول العداء». تتعدّد الأسماء: غازي عنتاب، مرعش، إزمير، ديار بكر، أورفة، طومارزا، سيباسقيا... كلّها مناطق يسترجعها الأرمن اللبنانيون ويخبرون عن ذكريات أجدادهم فيها وعن المعالم الأرمينية والكنائس التي تحوّلت آثاراً أو ربما «تغيّرت» وجهة استعمالها.
على طول أوتوستراد الدورة ــــ انطلياس، انتشر خطّ المشاركين يحملون العلم الأرميني. حضور الشباب اللافت عوّض تراجع الأعداد مقارنة بالأعوام السابقة. ليانا ورفيقاتها حملن لافتات بالعربية والإنكليزية تشجب تشجيع الإنتاج التركي على حساب الصناعة اللبنانية: «شجّع الكعكة العصرونية اللبنانية بدلاً من السيميت». ليانا تعرف «كل شيء» عن تاريخ أجدادها الذين خرجوا مرغمين في مسيرة الموت من «غيليغيا» كما تعرفها، أو كيليكيا أو اسطنبول. تختلف الأسماء لكن مطلب «الاعتراف» واحد. «أنا متحدرة من الناجين من الإبادة وأطالب بالعدالة لأسلافي» كتب على لافتة أخرى. بيرلا مثلاً، من أب لبناني وأم ارمنيّة لكنّها تعرف اللغة الأرمينية «وتاريخ الشعب الذي أؤمن بقضيّته وأتابع أخبار أرمينيا عبر السوشيل ميديا».
على مدخل كاثوليكوسية الأرمن في انطلياس، حيث اختتمت المسيرة، وزّعت مجموعة من الشباب وروداً بألوان العلم الأرميني على المشاركين. في باحة بيت كيليكيا كان برنامج الختام ثقافياً بامتياز، بدأ بالنشيد الوطني اللبناني وتخلّلته موسيقى وشعر وكلمة الشبيبة وكلمات الأحزاب الثلاثة وكلمة السفير الأرميني في لبنان صاموئيل ماكرتشيان. أمام نصب الشهداء الأرمن، صفّت أكاليل الزهر وأضيئت شعلة. هنا ترتاح عظام داخل صندوق زجاجي شفاف «يعترف» بوضوح بآثار مذبحة فاق عمرها القرن ولم تنل اعترافاً كاملاً بعد.