بعد تسع سنوات، مدَّد مجلس النواب خلالها ولايته ثلاث مرات، يُقبِل لبنان في غضون أسبوعين على استحقاق هو الأهم في الأنظمة الديمقراطية – أي الانتخابات النيابية.ذلك أن الانتخاب، فضلاً عن أنه يُضفي على السلطة المنتخبة طابع الشرعية ويمنح الحاكم الصفة للقيادة، هو مناسبة للمحاسبة والتغيير، وهو الفرصة المعطاة للمواطن للتعبير عن إرادته في اختيار من ينتدبه لإدارة شؤون بلده.
يُقبل لبنان على انتخابات طال انتظارها في ظل قانون انتخاب لا مثيل له في العالم، يتستَّر بالنسبية ليُخفي نظاماً طائفياً مذهبياً لا يجرؤ على قول اسمه، إلا أن الخطير هو أن هذه الانتخابات تجري من دون ضوابط.
وبالفعل، إن شرط الانتخابات النزيهة، الأساسي والأهم، هو أن تتأمن فيها المساواة التامة بين المرشحين. فلا ترجَّح مهابة السلطة وأدواتها مرشحاً على آخر، ولا يتفوق مرشح على آخر في الظهور الإعلامي.
ولكن كيف يمكن أن تتأمن قاعدة المساواة والحكومة التي تدير الانتخابات نصف أعضائها من المرشحين؟ كيف يمكن تحقيق المساواة بين مرشح قادر، بحكم منصبه، على توزيع خدمات لناخبيه، هي من نوع الرشى، كما أنه قادر، بفضل منصبه، على الإفادة من وسائل الاعلام للترويج لنفسه، في حين ان مرشحاً آخر يفتقر الى مثل هذه الإمكانات؟
إن الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب، المعروفة بـ»لجنة فؤاد بطرس»، كانت قد وضعت في مقدمة اقتراحاتها الاصلاحية قاعدة إجراء الانتخابات النيابية في ظل حكومة يكون رئيسها وجميع أعضائها من غير المرشحين، على أن تُدرج هذه القاعدة في الدستور لفرض التقيّد الدائم بها.
هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن قانون الانتخاب عهد الى «هيئة» مؤلفة من أحد عشر عضواً مهمة الإشراف على الانتخابات. وقد بدأت «الهيئة» تشكو من القدرات المحدودة المعطاة لها، والتي تحول دون إجراء رقابة جدية على الإنفاق الانتخابي وعلى الظهور الإعلامي للمرشحين. يضاف الى ذلك أن «الهيئة» بقيت لفترة طويلة بعد تأليفها من دون أموال تمكِّنها من ممارسة مهماتها، وهي لا تزال من دون جهاز بشري تابع لها أو ملحق بها. ليس أكيداً أن أعضاء «الهيئة»، أو بعضهم على الأقل، سوف يقبل أن يستمر في لعب دور «شاهد زور».
فكأن المقصود من إنشاء «الهيئة» هو إعفاء وزارة الداخلية من مسؤوليتها عن العملية الانتخابية وتحميل هذه المسؤولية الى هيئة تفتقر الى الصلاحيات والقدرات المادية والبشرية التي تمكّنها من القيام بعملها بصورة جدية.
لا عجب، والحالة هذه، أن تتوالى المخالفات وأن تتعدد الشكاوى بوتيرة متصاعدة، ولا من يسمع أو يستجيب: من تعليق الصور ونزعها، الى تعرّض المرشحين للتهديد والضرب، مروراً بالخطاب الطائفي والمذهبي لشدّ عصب الناخبين وباستخدام المرافق العامة والدوائر الحكومية ودور العبادة لأجل عقد لقاءات انتخابية والقيام بالدعاية الانتخابية.
هذا فضلاً عن استغلال مواقع السلطة بشكل مفضوح لغايات انتخابية، والكلام الكثير عن الرشى بأنواعها المختلفة، وعن حجز الأماكن في الطائرات لاستقدام ناخبين مقيمين في الخارج.
إزاء هذا الواقع، ليس غريباً أن تتوجه الأكثرية الصامتة من اللبنانيين، الرافضة للوضع الذي نعيشه، والراغبة في التغيير، الى لوائح تقدِّم نموذجاً جديداً للعمل في الحقل العام.
لوائح في مختلف الدوائر الانتخابية تضم مجموعة من الشباب والشابات نظيفة، مستقلة، نزلت بجرأة الى المعترك السياسي لأن القيادة السياسية فشلت في التعاطي مع أمور الناس وقضاياها.
ربما لم تسمع بأسماء الكثيرين منهم. يكفي أن كل واحد منهم آتٍ بخبرته وعلمه واختصاصه كي يتكامل مع رفاقه للعمل في خدمة لبنان.
مجموعات تموِّل حملتها الانتخابية بإمكانات محدودة من مؤيديها في الداخل، لا تستعطي الدعم الخارجي، بعيدة عن الطائفية، تعدنا بالنهوض بالوطن من كبوته على أساس برنامج معلن.
إنها فرصة سانحة في ظل تفكك القوى السياسية التقليدية، ووسط الفضائح والصفقات التي تحيط بها، للخروج من النفق المظلم الى فسحة من الأمل اشتقنا اليها.
إنها مناسبة لتوحيد جهود المجتمع المدني وعدم الاستكانة، بل للنزول بكثرة الى صناديق الاقتراع في السادس من أيار لإسقاط ورقة تعبِّر عن وجع مئات الآلاف من اللبنانيين الصابرين الصامدين وسخطهم. ورقة تعبِّر عن صرخة مدوِّية تقول:»كفى».
كفى استخفافاً بمشاعر الناس وعقولهم، وتؤكد أننا نستطيع، من خلال مثل هؤلاء، أن نحدث التغيير المنشود الذي يستحقه لبنان ويتوق اليه اللبنانيون!