«لمصلحة المواطن اللبناني وجيبته أخضعنا أنفسنا». «نقوم بما أنتم تريدونه». «نقوم بما يُخرج البلد من هذه الحالة، ونحن نعترف بأن هناك فساداً». بهذا الكلام ردّ رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على منتقدي مؤتمر «باريس 4» أو «سيدر» الذين يشتبهون في كونه يشكّل وصاية اقتصادية دولية على لبنان. ردّه جاء في مؤتمر صحافي عقده، أمس، في السرايا الحكومية لعرض نتائج «سيدر»، إلا أنه بدلاً من نفي الشبهات، كرّسها موحياً بأن الوصاية هي رغبة اللبنانيين، وأن بيع الأصول العامة في بازار المجتمع الدولي هو وصفة ناجعة لمكافحة الفساد!في الواقع، ورد في كلمة الحريري قبل بدء الأسئلة والأجوبة ردّ على هذه الشبهات أكثر إقناعاً، إذ قال: «CEDRE هو شراكة ما بين لبنان والمجتمع الدولي: شراكة لاستقرار لبنان، شراكة لتحقيق نمو مستدام، شراكة لإيجاد فرص عمل للشباب وشراكة لحماية النموذج اللبناني».
إذاً، الهدف يكمن في حماية النموذج اللبناني القائم منذ انتهاء الحرب الأهلية. هذا النموذج بشقّه الاقتصادي، سقط أربع مرّات حتى الآن، ما استدعى إنقاذه بأربع عمليات تسوّل دولية، عُقدت كلّها في باريس، وسُميّت باسم العاصمة الفرنسية ما عدا آخرها الذي سُمي، استدراكاً، «سيدر».
والمؤتمر الباريسي الأخير، قوامه الشراكة مع المجتمع الدولي والشراكة مع القطاع الخاص. برأي الحريري، يشكّل هذا المؤتمر خشبة خلاص. فهو من جهة «بداية لعملية تحديث اقتصادنا، بداية لإعادة تأهيل بنيتنا التحتية، بداية لإطلاق إمكانات القطاع الخاص وبداية لتحقيق النمو المستدام»، ومن جهة ثانية، يتضمن رؤية شاملة قائمة على أربع ركائز متكاملة: «برنامج إنفاق استثماري بالبنى التحتية، إصلاح مالي بمعدل 1% سنوياً (معدل خفض العجز نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي)، إصلاحات هيكلية لتحديث الإدارة ومكافحة الفساد وتحديث التشريعات لعمل القطاع الخاص وإصلاحات قطاعية لتحقيق الفائدة القصوى من الاستثمارات بالقطاعات، استراتيجية لتطوير القطاعات الإنتاجية وزيادة حجم الصادرات».
يدافع الحريري عما يرتّبه هذا المؤتمر من زيادة مديونية على الخزينة بالقول إن القروض التي حصل عليها من سيدر «هي ميسرة جداً وبفائدة لا تتعدى 1.5% مع فترات سماح تراوح بين 7 و10 سنين، وآجال تتعدى الـ 25 سنة». وهذه القروض «لن تستعمل إلا لتنفيذ مشاريع بنى تحتية، لبنان بأمسّ الحاجة إليها، ومن دونها سيكون لبنان مضطراً إلى الاستدانة بفائدة تتعدى 7% من الأسواق».
حزب الله لم يعارض المؤتمر، بل تحفظ وقال إنه يريد مناقشة المشاريع، وهذا حقه


لماذا تعدّ هذه المشاريع ضرورية؟ يقول الحريري إن هذه المشاريع ستطلق عجلة النموّ الاقتصادي، وستخلق فرص العمل، وبما أنها «ممولة من البنك الدولي والصناديق العربية والأوروبية، ستكون خاضعة لرقابة هذه المؤسسات، والمناقصات والتلزيمات ستكون وفقاً لقوانينها وإجراءاتها»، أي إنها لن تكون محكومة بمسار الفساد. ويضيف الحريري: «استقصدنا أن تكون هناك لجنة متابعة منبثقة من الدول والمنظمات التي حضّرت لمؤتمر «سيدر»، لأننا نعرف أنّ لدينا مشكلة في موضوع الفساد وغيره. لذلك أخضعنا أنفسنا لنريح الجميع، ولكي نقول للمجتمع المدني وللجميع إننا نقوم بكل ما يلزم لكي لا يكون هناك فساد».
لم يقل الحريري أي نموّ سيحصل بنتيجة هذه الاستدانة، ومن يستفيد منها، ومن يدفع ثمنها. اكتفى بالقول إن هذا الأمر يحصل في ظل «توافق سياسي لم يكن موجوداً في السابق»، وإن هذا التوافق يشكّل مظلّة «للاستحصال على الإصلاحات»، إلا أنه لم يتوسّع في طبيعة الإصلاحات المنوي تنفيذها والتزام لبنان بها أمام المجتمع الدولي، بل ركّز على أنها ستكون «شفافة» وتهدف إلى «إيجاد إدارة (عامة) تستطيع أن تدير هذه المشاريع بشكل أفضل، وتفعيل الهيئات القانونية لتحريك الاقتصاد، سواء في الكهرباء أو الاتصالات أو الطيران المدني أو كل الهيئات التي أقمناها».
بهذا الكلام يبدو الهدف واضحاً من خلال التركيز على الإدارة التي تستطيع أن تدير هذه المشاريع. فالواضح أن تنفيذ هذه المشاريع سيكون منوطاً بمجلس الإنماء والإعمار، وليس بإدارة المناقصات أو أي إدارة لبنانية أخرى، إذ إن هذه الإدارات ستكون خاضعة لعملية إعادة هيكلة تطيح كل المكتسبات التي حققها العاملون في القطاع العام على مدى السنوات الماضية من تقديمات اجتماعية وسلاسل رتب ورواتب وأنظمة تقاعد. أما الهيئات القانونية التي يتحدث عنها الحريري، فهي هيئات ناظمة للقطاعات المذكورة ستشرف على تنظيمها بعد خصخصتها عبر الشراكة مع القطاع الخاص.
ورداً على سؤال عن النظام الضريبي، قال الحريري إنه سيُعمَل على إصلاح هذا النظام، من دون أن يحدّد شكل الإصلاح ولا أي شرائح يصيب. لكن رؤية الحريري وفريقه الاقتصادي لا تبتعد كثيراً عما طرحه صندوق النقد الدولي لجهة زيادة الضريبة على القيمة المضافة وزيادة الضريبة على استهلاك المحروقات.



الحريري وحزب الله و«سيدر»
كان لافتاً للانتباه أسلوب تعاطي الرئيس سعد الحريري مع الانتقادات التي وجّهها حزب الله إلى مؤتمرات الدعم ومناقشة كل مشروع على حدة. فقد قال رئيس الحكومة: «الحزب لم يعارض المؤتمر، بل تحفظ وقال إنه يريد مناقشة المشاريع، وهذا حقه، لم لا؟»، لكنه قال أيضاً: «إذا ارادوا مناقشة كل مشروع على حدة، فلا مانع لدي إذا كانت هذه المناقشة ستكون علمية وتصبّ في مصلحة المواطن اللبناني ومنع الفساد. ولكن إذا كنا سنناقش هذه المواضيع من منطلق سياسي، فعندها سأمانع». كذلك عمل الحريري على تبسيط انتقادات حزب الله بالقول: «إذا كانت لدى أيٍّ كان حلول أخرى في هذا الموضوع، فليطرحها. أنا لم أضع مشروعاً من تلقاء ذاتي، بل شاركت فيه الجميع، وكل الكتل السياسية شاركت في وضعه. الخلافات حول مؤتمر سيدر تتمحور حول أولوية المشاريع».