ما إن أُعلن ترشيح تيار المستقبل لنعمة محفوض على لائحته في دائرة الشمال الثانية، حتّى «صُلِب» النقابي السابق. لم تبقَ وسيلة إعلاميّة، أو مجموعة سياسية ومدنية «مُستقلّة»، إلا وأطلقت نيرانها باتجاه الرجل. هجومٌ «مُبرَّر» على محفوض، لأنّه بنى خطابه زمن هيئة التنسيق النقابية، على مواجهة السلطة وأحزابها وكلّ من يُحاول الانتقاص من حقوق الفئات المحرومة. تيار المستقبل مكون سياسي أساسي من مكونات هذه السلطة، التي ناورت وناورت لحرمان الموظفين سلسلة الرتب والرواتب. وآل الحريري يُمثلون «رأس المال»، الذي من المفترض أن يُواجهه محفوض، كـ«يساري»، إذا أراد أن يكون مُتجانساً مع تعريفه لنفسه. لا ينفع تبريره أنّه «كلّ عمري كنت 14 آذار. ومن 2005، وأنا صقرٌ من صقورها». فمحفوض ينتمي إلى حزب اليسار الديمقراطي، الذي يُحدّد في خطابه السياسي أنّه قريب من 14 آذار في ما يتعلّق بـ«الدفاع عن الخطّ السيادي»، ولكن تفصله «القضايا الاجتماعية والاقتصادية» عن تيار المستقبل. انطلاقاً من هنا، لم يكن من المُتوقع أن «يشلح محفوض الفولار» الأزرق حول رقبته، وأن يشبك يده بيد الفريق الذي ادّعى طوال الفترة السابقة أنّه بمواجهةٍ معه. ظنّ محفوض أنّه بهذه الخطوة «يحفظ رأسه»، ويُعبّد طريقه باتجاه المجلس النيابي، ولكن إذا صحّت التوقعات الانتخابية، فإنّ الحصة التي قد ينالها «المستقبل» لا تتضمن مقعداً لـ«الأقليات». وتجدر الإشارة، إلى أنّ «تنكّر» محفوض لتاريخه المعاصر، لم يبدأ من التحالف مع التيار الأزرق. فبحسب مُتابعين لنشاط هيئة التنسيق، محفوض كان أول من دقّ المسمار في نعش «الهيئة»، يوم قرّر تعليق إضراب مُعلمي المدارس الخاصة، بعد أيّام من إعلان الإضراب الشامل، تاركاً الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنّا غريب وحيداً.
من رافق نعمة محفوض، في الفترة السابقة، يصفه بأنّه انتهازي، استغلّ المُعلمين من أجل مصالحه الخاصة. وقام بكلّ التحركات منذ البداية، طمعاً بالفوز بمقعد نيابي.
«انتهازي؟»، يسأل محفوض «الأخبار»، مُضيفاً: «أين كانت مصلحتي حين تركت عملي الخاص، وكانت التظاهرات على حساب عائلتي؟ كذلك فإنّها ليست المرّة الأولى التي أترشح، بل الرابعة. مرّة انسحبت لعبدالله حنا في رحبة والثانية لنضال طعمة». ويرى أستاذ الرياضيات أنّ «قسماً من الذين يُهاجمونني غيرانين. قسمٌ حقود. وهناك قسمٌ عاقل، يقول: اتركوه يصل». يُحاول محفوض اللعب بين النقاط، من خلال تمييزه بين موقفه السياسي ودوره في هيئة التنسيق، الذي اقتضى منه وضع مواقفه السياسية جانباً، «فقد كانت أولويتنا هموم الناس، وذوي الدخل المحدود. وخضنا معركة ضدّ السلطة».
يوصَف محفوض بالانتهازي، استغل المُعلمين من أجل مصالحه الخاصة


لا يرى محفوض أنّ الحملة عليه «بمحلّها، لأنّني لم أُغيّر بعد خطابي. وأحد الشروط مع المستقبل كان أن أبقى مثلما كنت». يُشبه محفوض في كلامه أحزاب السلطة، التي تُحاول اختراع نظريات جديدة لتبرير تحالفاتٍ انتخابية غير طبيعية. غيّر أو لا يُغيّر في خطابه «الاجتماعي»، لن يهرب من واقع أنّه تحالف مع «الحريرية الاقتصادية» التي ساهمت في تدمير البلد، وتفقير الفئات الفقيرة، وإلغاء الطبقة الوسطى، وتدمير القطاع العام، وفرض ضرائب على الناس. فكيف سيتمكن من تمييز نفسه؟ مُجدّداً: «قلت في بيان ترشيحي إنّ نعمة سيبقى حالة نافرة مُنسجمة مع نفسها أينما كانت. وحتى لو كان سعد الحريري رئيس حكومة وفرض ضرائب على الناس، سأكون ضدّه». ولكن سبق للحريري أن قام بذلك، ما الموقف الذي اتخذه محفوض؟
«كلّ شي عم بصير بالبلد (قاصداً التحالفات بين السياسيين) ما في إلا نعمة؟ هيدي انتخابات، والترشح تا نوصل. بدّي أوصل أنا، مش عم بترشح تا اتسلى»، يقول. محفوض يستغل تيار المستقبل ليصل، «والتيار يستغل قوتي الشعبية ليرفع الحاصل. هذا تبادل مصالح مؤقت يجب أن نفهمه». أما عن الانضمام إلى كتلة «المستقبل»، فأمرٌ لم يُبحث، «إذا تبنّت الكتلة المسائل التي أطرحها، فلا مانع». يتكلّم محفوض كما لو أنّه عاد من الغربة حديثاً إلى البلد.
قبل الانضمام إلى «المستقبل»، كان محفوض يُفاوض المجموعات المستقلة والمدنية لتشكيل لائحة، ويقول ناشطون إنهم يحتفظوم بتسجيلات صوتية لمحفوض يجزم فيها بأنه لن يكون إلا معهم. يجيب النقابي الطامح بأنّه اكتشف أن «الأنا لدى المجتمع المدني طاغية». أليست هذه «الأنا»، مُتضخمة، في مكانٍ ما، لدى محفوض أيضاً؟
يقول النقابي إنّه «طوال شهرين حاولت جمعهم (المستقلون)، ولكن دقّ الميّ ميّ». فضّل الخروج من لعبة «المجتمع المدني» المُقسّم إلى أقسامٍ عدّة، وعدم اختيار فريق منهم للتحالف، لأنّه «ما بدّي بهدل حالي. أنا بنقابة المعلمين لمّا خسرت جبت 3000 صوت، بدي اترشح معن وجيب 200 صوت؟».
ما إن أعلن محفوض عدم تحالفه مع المستقلين، «تلقيت ثلاثة عروض، من الوزيرين السابقين فيصل كرامي وأشرف ريفي والمستقبل». الجواب لكرامي كان «أنّ الأخير مُتحالف مع رفلي دياب (المردة)، فردّ كرامي عليَّ بأنّ الأمور لم تكن محسومة ويدرس كلّ الخيارات». فشلت المفاوضات مع ريفي «رغم أنني أعتبره الأقرب لي بالموقف السياسي»، لأنّ اللواء المتقاعد «يُريد مُرشحين يملكون المال». نقشت بينه وبين «المستقبل»، الذي «اعترف مسؤولوه بأنّهم أخطأوا بحقي فترة نقابة المعلمين».
ألن تكون مُتجانساً أكثر مع نفسك لو انسحبت؟ «طرحت هذا الخيار على عددٍ من الأصدقاء، فقالوا لي إنّهم مع خيار الترشح، رغم كلّ سلبياته».