انتهت ولاية هيئة المجلس الدستوري الحاليّة منذ نحو ثلاث سنوات
طبعاً، المقصود بالدولة هنا، مجلس النوّاب ومجلس الوزراء. عموماً، هو محقّ في ذلك، ولا يُمكن أن يُلام شخص يشغل منصبه عن سبب عدم حماسته لترك هذا المنصب، أو أن يتظاهر ضد نفسه، وبالتالي يتحمّل مجلسا النوّاب والوزراء، ومعهما رئيس الجمهوريّة، مسؤولية الدخول إلى الانتخابات النيابيّة، التي طال اتنظارها، بلا مجلس دستوري جديد يتناسب، ولو شكلاً، مع دخول البلاد في «عهد جديد». هذا المجلس هو مَن يبتّ في الطعون الانتخابية، وهذه، كما يُرجّح، ستكون كثيرة بعد انتهاء الانتخابات، بل البعض يلوّح بالطعن مِن الآن بالاجراءات والآليات والثُّغَر القانونيّة (وهي متوافرة بكثرة على ما يبدو). كانت «الأخبار» قد نشرت تقريراً قبل نحو ستّة أشهر، تذكيريّاً، بعنوان «المجلس الدستوري خالصة مدّته». الظاهر أنّ مَن كان عليه أن يتذكّر لم يتذكّر. أعضاء هذا المجلس يأتون وفق المحاصصة الطائفيّة، وبالتالي السياسيّة، لذا ما مِن مشكلة ظاهريّة لإهمال أمر التعيينات، ما مِن مزاحمة وما شاكل، لذا لا يُستبعد أن يكون السبب هو «عدم فضاوة» المسؤولين لأمور نافلة مِن هذا النوع. لديهم أمور أكثر أهميّة، طبعاً!
نقص طائفي!
الآن أصبح الوقت ضاغطاً. عضو آخر في «الدستوري» يقول: «لا أتصوّر أنّ تعيينات جديدة ستحصل قبل الانتخابات، على الأرجح ذهبت المسألة إلى ما بعد الانتخابات، لأنّهم إذا أرادوا التعيين الآن، فعليهم أن يجروا أولاً تعديلات في القانون، إذ نحن خارج المُهلة القانونيّة للترشّح لعضويّة المجلس الدستوري. نحتاج أن نستقبل طلبات ترشح جديدة».
بالمناسبة، كثيرون مِمَّن ترشّحوا عند انتهاء ولاية المجلس الحالي، قبل نحو ثلاث سنوات، أصبحوا الآن خارج شروط الترشّح لكونهم تخطوا السنّ القانونية (74 سنة). هذا أدّى إلى عدم وجود مرشّحين مِن طوائف مُعيّنة، وهذه مشكلة إضافيّة، وبذلك تتعطّل عمليّة التعيين التي تجري وفق المحاصصة الطائفيّة. بالتأكيد، هذه المحاصصة غير منصوص عليها في قانون المجلس، بل هي عرفيّة، وما دامت طائفيّة فلا يُمكن القفز فوقها في بلادنا. كلّ هذا يُحتّم فعلاً إجراء تعديل قانوني للمهل قبل فتحها إن كان لـ«الدولة» نيّة لتعيين مجلس جديد. في المرحلة الماضية كان هناك شغور في الترشّح الكاثوليكي، والآن، بحسب متابعين، هناك نقص أيضاً في الترشّح الدرزي (يوزّع أعضاء المجلس وفق الآتي: اثنان موارنة، اثنان شيعة، اثنان سُنّة، اثنان أرثوذكس، واحد درزي وواحد كاثوليكي).
«أنجزنا سبعة مؤلفات»
في مقابل ذلك، ذكر وزير سابق أنّ لديه معلومات عن نيّة لطرح مشروع قانون، قريباً، بغية فتح مهلة للترشّح إلى عضويّة «الدستوري». يقول: «صحيح أنّ موعد الانتخابات أصبح قريباً، لكن هناك بعض الوقت، هذا لو أراد المعنيّون، فيكون هناك تعديل قانوني (عبر تقصير المُهل ولمرّة واحدة) ومن ثم تعيينات جديدة، لكن في النهاية يصعب الجزم إن كان هذا سيحصل». لنتخيّل أن يحتاج أحد الخاسرين في الانتخابات المقبلة أن يطعن في العمليّة الانتخابيّة، أمام المجلس الدستوري، فيجد أن هذا المجلس هو نفسه محلّ لغط، وإن كان لدى هيئته الحاليّة ما يتيح لها الاستمرار في العمل قانوناً. إنّما في الشكل، والشكل ليس تفصيلاً هنا، نكون أمام ارتياب مشروع. نحن نتحدّث عن هيئة المجلس الدستوري التي حصل حولها خلاف في السابق، وكلام فيه الكثير مِن الطعن بالنزاهة، تحديداً عندما جرى الطعن بقانون تمديد ولاية مجلس النوّاب، فشهدت الهيئة انقساماً طائفيّاً بين أعضائها. آنذاك، اعتكف بعض الأعضاء عن الحضور، وهم (صدفة!) مِن طوائف السياسيين المعترضين على الطعن، ما أدّى إلى تعطّل العمل تماماً.
هذا المجلس نفسه، بالأعضاء ذاتهم، هو مَن سيبت بطعون الانتخابات المقبلة! يُذكَر أنّ المادّة 65 مِن قانون الانتخاب الجديد تنصّ على الآتي: «إنّ قرارات المجلس الدستوري، الصادرة بالطعون الانتخابيّة، تتمتع بقوة القضيّة المحكمة الملزمة للمحاكم العدليّة والإداريّة كافّة ولجميع إدارات الدولة». هذا المجلس، في الأصل، ليس وجوده مجرّد ترف. لتقدير دوره في العمليّة الانتخابيّة، على سبيل المثال، تكفي الإشارة إلى المادّة 66 مِن قانون الانتخاب الجديد، التي تنصّ على الآتي: «يُعاقب المُرشّح الذي لم يقدم البيان الحسابي ضمن الشروط والمهلة المنصوص عليها (...) أو الذي تجاوز سقف الإنفاق الانتخابي كما هو محدد... بإبطال انتخابه (وإن فاز) من قبل المجلس الدستوري». سيكون هناك الكثير مِن الكلام حول هذا المجلس في المرحلة المُقبلة. أحد أعضاء «الدستوري» أصبح عمره 82 سنة. عضو آخر، أصغر بقليل، يقول: «نحن كبرنا وختيرنا، عم نأدّي دورنا، خلّي الدولة تشوف شغلها. عموماً نحن عم نقوم بشغلنا ومكفيين». نسأله: ما هو عملكم الآن؟ يُجيب: «أنجزنا سبعة مؤلّفات قانونيّة، لم يسبقنا إليها أحد، ونحن نُشارك في الكثير مِن الندوات والمؤتمرات».