من بين قلّة من الدوائر الانتخابية، تُعتبر المعركة في دائرة الشمال الثانية «سياسية» بامتياز. هي معركة «ابن البلد»، رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، الذي يريد أن يُثبت نفسه «سنّياً» ووطنياً، في وجه زعامة آل الحريري. ومعركة الوزير السابق أشرف ريفي، الطامح إلى أن يؤكد للجميع أنّه ليس مُجرّد «ظاهرة بلدية» عابرة، سمحت لها الظروف باختراق «ملعب الكبار». ومعركة تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري، ابن صيدا ومُرشح العاصمة بيروت، الذي يُريد إثبات حضوره في المناطق ذات الغالبية السنية، وخصوصاً الخزان الشمالي. وللوزير السابق فيصل كرامي، متآزراً مع جهاد الصمد، حصّته من المعركة، تحت عنوان «منع إقفال بيت كرامي» وإثبات الحضور. الوضع نفسه ينطبق على رئيس المركز الوطني في الشمال كمال الخير، الذي أصرّ على تشكيل لائحة، بعد أن تركه رفاقه في 8 آذار وحيداً. وبين صراعات الكبار، يُحاول «المجتمع المدني» والمستقلون، رغم انقسامهم على لائحتين، إيجاد مكانٍ لهم في الانتخابات المقبلة. الأجواء التي نقلتها وسائل الاعلام، وحرب الجماهير على وسائل التواصل الاجتماعي، في الأيام الماضية، توحي بأنّ البلد دخل رسمياً في «جوّ» الانتخابات النيابية. وهو ما تُنكره القوى السياسية الطرابلسية، «على الأرض لم يتحمّس الناس بعد، رغم الدور الذي تقوم به الأجهزة الأمنية للتضييق على الناخبين»، كما يؤكد أحد القيّمين على ماكينة انتخابية معارضة لتيار المستقبل. بعد إعلان كلّ من ميقاتي والحريري لائحتيهما، أعلن كرامي أمس «لائحة الكرامة». ومن المتوقع أن يُعلن ريفي، بداية الأسبوع المقبل، لائحته. «مهرجانات» إعلان اللوائح تحولت إلى ما يُشبه ساحة حرب، ومرّة جديدة كانت المدينة «صندوق بريد» لتبادل الرسائل بين السياسيين وتقاذف الاتهامات في ما بينهم، حول مَن مَنَع إنماء طرابلس، بينما النتيجة واحدة: طرابلس عاصمة الحرمان
«المُشاغب» أو «قاتل أبيه»

سامي أحمد فتفت هو «قاتل أبيه» في السياسة. صحيحٌ أنّه من سلالة «الوراثة السياسية»، ولكنّ سامي قرّر أن يتفلّت من جلباب أبيه. «لبننها» الولد أكثر من أبيه، بدءاً من التواصل مع أبناء الضنية، وإيلاء أهمية أكبر للخدمات، وصولاً إلى «الاعتدال» في الخطاب السياسي. ولكنّ سامي أخذ بنصيحة «المُرشد» أحمد فتفت، كما يصفه، حين نقل له تذمر المواطنين من انشغال الشاب الدائم بالهاتف. والأمر الوحيد الذي طلبه من والده «هو مرافقتي لزيارة المفتي عبد اللطيف دريان».
مشوار ابن الـ٢٨ عاماً «التمردي» غير مُرتبط بترشحه للانتخابات. رفاقه في مدرسة الليسيه ــ طرابلس، يُخبرون عن سامي «المُشاغب»، والذي لم يكن يهتم «أبداً» بدروسه، مُفضلاً «تمضية وقته في شوارع المدينة». تبدّل نظام حياته بعد أن طلب منه سعد الحريري الترشح. بات يستيقظ الثامنة صباحاً، ويرتدي «الكرافات» معظم الأحيان... والخرزة الزرقاء في سوارٍ على يده.
يوم ١٤ آذار الـ٢٠٠٥، «منعني أبي من المشاركة في التظاهرة. هربنا من الصفّ». خوف الوالد على ولده، كبُر خلال سنوات ما بعد «ثورة الأرز». فلم يوافق النائب على أن يتسجل سامي في الجامعة الأميركية في بيروت، «وخيّرني بين جامعة البلمند، حتى أبقى في الشمال، أو السفر». فضّل، عام ٢٠٠٧ الذهاب إلى فرنسا، ومن جامعة «باريس ١»، حصل على شهادة في الاقتصاد. كيف يُمكن عضواً في تيار المستقبل أن يُشارك في تظاهرات «طلعت ريحتكم» ضدّ أزمة النفايات، التي سبّبتها السلطة، ثمّ «ورثتها» حكومة سعد الحريري؟ سامي جمع بين الاثنين، «ونلت نصيبي من القنابل المُسيلة للدموع»، مُبرّراً «أؤمن بالتيار المُنفتح».
«الصيت» عن الشاب «الطري العود» سياسياً، ولم يُختَر إلا بديلاً من والده. ولكنّ سامي يقول إنّه «منذ عام ٢٠١٦، بدأت العمل مع والدي، مُتابعاً الملفات في وزارات الداخلية والاتصالات والأشغال». في تلك السنة، أيضاً، كان سامي مؤيداً لانتخاب الرئيس ميشال عون، «ما دفع عدداً من نواب تيار المستقبل إلى التواصل معي، لمحاولة تبديل موقف أبي المعارض. هو كانت لديه أسبابه، المُحقة من منظاره».
في توزيع القوى في الضنية، يقول فتفت إنّ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، «يريد بناء زعامة في طرابلس، ورشّح عن المقعدين في الضنية لرفع حاصله فقط، في وقت أننا كتيار مستقبل نعمل منذ الـ٢٠٠٠. نحن أهل البيت، وهم الضيوف». الأمر نفسه ينطبق على الوزير السابق أشرف ريفي، الذي «لم يستطع تحقيق هدفه بالتوسع نحو الضنية». على الرغم من «عنفوان» الشاب في الدفاع عن حزبه، إلا أنّ هناك من يقول إنّ «المستقبل» رشّح فتفت لعدم تفلّت أصوات العائلة، ولكن الفائز سيكون النائب قاسم عبد العزيز، ولا سيّما أنّ والده لم يترك له رصيداً شعبياً إيجابياً. ينفي سامي ذلك، مؤكداً أنّ «ترشيحي ليس مناورة، أو إرضاء للعائلة».

المُرشَّحة غير المُسيَّسة!


في كانون الثاني الماضي، طلبت المحاضِرة الجامعية ديما الجمالي موعداً من رئيس الحكومة سعد الحريري لتُخبره عن الميثاق الوطني للأمم المتحدة المُتعلّق بالمسؤولية الاجتماعية والتنموية، الذي تُدير شبكته المحلية منذ الـ2015، «فانتهى الاجتماع بأن طلب منّي الترشح إلى الانتخابات النيابية».
ديما رشيد الجمالي. تطلب مراراً أن يُكتب اسمها الثلاثي، لأنّ والدها الراحل كان سبباً رئيسياً في قبولها الترشح. «كرّس حياته لطرابلس، كان رئيس الرابطة الثقافية فيها، ورئيس لجنة الحوار الإسلامي ــ المسيحي. وجدتها فرصة لإكمال المشوار». ورثت أيضاً عن والدها مقعداً في مجلس أمناء جامعة العزم. تقول، ردّاً على سؤال، إنّ «معزّتي للرئيس نجيب ميقاتي ثابتة، ولا يُفترض أن يكون هناك تعارض». وهي أيضاً، زوجة شقيق الدكتور محمد الفاضل، مُرشح ميقاتي عن أحد مقعدَي الضنية.
بسرعة، تبدّل أسلوب حياة السيّدة، «ننام 12 ليلاً، لنبدأ العمل من جديد عند السابعة صباحاً. مش معقول»، تقول ضاحكةً. أمضت جمالي سنواتها الـ18 في طرابلس. درست في «الليسيه»، وكانت كابتن فريقَي كرتَي القدم والسلّة في المدينة، قبل أن تنتقل إلى بيروت للدراسة في الجامعة الأميركية. ثمّ تابعت تحصيلها العلمي في الخارج، متنقلة بين الولايات المتحدة وبريطانيا، التي نالت فيها دكتوراه في السياسة الاجتماعية والإدارة. كتبت في مجال اختصاصها العديد من الكُتب والمقالات العلمية.
السيرة الذاتية لجمالي «غنية»، وفي الشكل، تُقدِّم صورة جميلة للائحة «المستقبل». ولكنّ مشكلتها أنّها تُغيّب الخطاب السياسي عن معركتها، برغم دوره الكبير في استقطاب الناخبين. الانتخابات في الشمال الثانية، سياسية بالدرجة الأولى، يُحاول فيها كلّ طرف إثبات وجوده. تُريد جمالي، أن تواجه ذلك «بالكلام عن الاقتصاد والتنمية. ما بدّي إحكي سياسة».
تُحاول جمالي أن تكون في طرابلس ثلاث أو أربع مرّات أسبوعياً، «قسمٌ تقبّل ترشحي، وقسمٌ مستغرب، ولكن غير مُعارض». الوزير محمد كبارة هو «الأب الروحي» لجمالي في المدينة. تُخبر ضاحكةً كيف أنّها زارت مع «أبو العبد» مستشفيات في محلة أبي سمرا، والتقيا عدداً من العائلات، «هو يُساعدني كثيراً، وسأقوم بجولات مكثفة معه». ترى أنّ «جزءاً من الشباب متشوق لرؤية وجوه جديدة».
تُدرك «البروفسورة» أنّ معركتها ليست سهلة، «رح إنجح؟ ما بعرف. صعبة». ولكنّ الحريري «صادق برفع نسبة انخراط النساء في العمل السياسي»، تردّ مُدافعةً أنّ ترشيحها ليس «شكلياً».

«انتحاري» الميناء على لائحة المستقبل


«هل تعلم أنّك مشروع انتحاري؟»، سأل الإعلامي (في حينه) ملحم رياشي، الطبيب وليد الصوالحي، يوم ترشّح عام 2005 مُنفرداً في محافظة الشمال، في عزّ الانقسام السياسي بين 8 و14 آذار. كان معظم الناس يصف طبيب الأنف والحنجرة بـ«المجنون»، لأنّه قرّر مواجهة «المحادل»، ولكن، «حين نلت قرابة 5000 صوت، اعترفوا بوجود حيثية مُعينة»، يُخبر الصوالحي. كان شعاره «صوتك أملك». الرجل الذي يدور في فلك «ثورة الأرز»، أصرّ على الترشح، «ليس ضدّ هذا الخطّ»، ولكن 14 آذار «تحالفت مع أشخاص مؤيدين للوجود السوري، بحجة أنّه لا يُمكن التخلّي عنهم، رغم أنّنا قلنا لهم إنّ هناك طاقات جديدة يُمكن الاستفادة منها»، كذلك أنّنا «كنا نريد الانتفاضة».
ابن الميناء، الذي تُكنّى عائلته بـ«النمر»، قرّر إعادة الكرّة في هذه الدورة الانتخابية، ولكن على لائحة تيار المستقبل. التقى برئيس الحكومة سعد الحريري، «وكان نقاش حول الخطّ الذي يُمثله تيار المستقبل. قلتُ له إنّه يُمثل الاعتدال، ومن يُمثّل هذه الرؤيا نسير معه، أكنّا مُرشحين أم لم نكن». بعد أيام قليلة، «طُلب منّي الترشح».
أبناء الميناء يعرفون الصوالحي، رئيس قسم أنف ــ أذن ــ حنجرة في مستشفى النيني، وعضواً في مجلسها البلدي بين عام 1998 وعام 2004. تعلّم في ثانوية الميناء الرسمية، قبل أن ينتقل إلى فرنسا لنيل شهادته في الطبّ. عاد إلى لبنان عام 1994، «بسبب رفيق الحريري. فخلال تردّدي على البلد، وجدت أنّ الأمور تتحسن وهناك جوّ إيجابي دفعني إلى العودة».
حين أُعلن ترشيح الصوالحي، سمِع الطبيب كلاماً كثيراً، أنّ ترشيحه هو فقط من أجل رفع حاصل اللائحة، لكون تيار المستقبل «ضامناً» فقط الفوز بالمقعدين السُّنيين اللذين يشغلهما النائبان محمد كبارة وسمير الجسر. لم يقتنع بهذه «الشائعات»، لأنّ هناك العديد من الأشخاص «الذين يملكون حضوراً وتمثيلاً شعبياً أكثر منّا نحن الثلاثة الجُدد (ديما جمالي، شادي نشابة، والصوالحي)، وكان يُمكن أن يُفيدوا في رفع الحاصل، ولكن لم يُرشَّحوا». يعتبرها معركة حقيقية، رغم أنّه لم يبدأ بعد جولاته الانتخابية، اتكاله على «المرضى الذين أستقبلهم من كلّ المناطق. التواصل الثنائي والمُباشر، بدون تزلف، أفضل».

مرشّحة محمد الصفدي في «المستقبل»


اختار تيار المستقبل ليلى شحود مُرشحة على لائحته عن المقعد العلوي في طرابلس. هي السيّدة الثانية على اللائحة، وأول امرأة من طائفتها تترشح إلى الانتخابات البلدية عام 2004. أرادتها، يومها، معركة «تسجيل موقف»، ولكنّها كانت المُرشحة الوحيدة عن الأقليات التي تفوز بمقعد. فازت في البلدية مُجدّداً في انتخابات الـ2010، «الفوز كان مضموناً بعد التوافق بين كلّ القوى». تحدّيها لـ«المجتمع» بدأ منذ صغرها، حين كان يُقال لها «انتِ بنت ما مفروض تتدخلي»، من دون أن ترتدع من تلك الإشارات التي كانت تصلها في البيت والمدرسة والشارع.
لا تسكن شحود في منطقة جبل محسن، ولا تربطها علاقات جيدة مع الحزب العربي الديمقراطي، أو آل عيد. إلا أنّ ذلك لم يحل، خلال مشاركتها في «البلدية»، دون السعي إلى تنفيذ مشاريع في «البعل». تذكر، على سبيل المثال: تأهيل الأدراج والأرصفة، إنشاء حديقة بمساحة 5500 متر مربع، ومتابعة مشاكل المواطنين اليومية. «إذا تذكّر الناس ذلك، ينبغي أن أكون الأولى شعبياً». هذا كان جوابها، ردّاً على سؤال أنّ حظوظها متدنية، لا سيّما أنّه ليس من المتوقع أن تصبّ أصوات «البلوك العلوي»، للائحة تيار المستقبل.
شحود هي ابنة المدرسة الرسمية في طرابلس، والجامعة اللبنانية. أجبرتها الحرب اللبنانية على الانتقال إلى جامعة الجنان، حيث نالت إجازة في الإعلام. كتبت ما بين عامي 1993 و2004، في صحيفة الأديب السياسية. التزمت الكتابة عن مآسي الناس. في عام 1986، انتقلت إلى العمل في القطاع المصرفي، «لأنّه يسمح لي بتأمين مردود مادي».
ترشحت إلى الانتخابات النيابية «لأنني أحتاج إلى المزيد من النفوذ لأخدم أهلي والمحرومين في مدينتي». لم تنتسب يوماً إلى حزب سياسي، «عقلي مرن ولست مؤدلجة. ولكنني أؤمن بالدولة المدنية». يُقال في المدينة إنّ شحود حاصلة على دعم الوزير السابق محمد الصفدي، لا سيّما أنّ ابنتها تعمل في مؤسّسته، أما هي فتعتبر أنّ «علاقتي جيدة مع كلّ القوى السياسية، لأنّني منذ البداية انصرفت إلى العمل البلدي».
الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري تواصل معها، بعد أن قدّمت ترشيحها إلى وزارة الداخلية، «وأنا أعتبر المستقبل حزباً عابراً للطوائف والمناطق».
أكثر من عشر سنوات أمضتها ليلى شحود في العمل البلدي في مدينة طرابلس. «العلوية» التي تحدّت نظرة المجتمع «الذكوري» إليها، أصبحت اليوم المُرشّحة الرسمية عن المقعد العلوي على لائحة تيار المستقبل.

«مكافأة» المقعد الماروني


قبل قرابة خمسة أشهر، طُرح داخل تيار المستقبل ترشيح عضو مكتبه السياسي جورج بكاسيني، ليكون «خرزة» المقعد الماروني «الزرقاء» في طرابلس. لماذا ابن وطى حوب في تنورين دون غيره؟ «وفاءً لإخلاصه»، يقول مُقرّبون من سعد الحريري. فرئيس تحرير صحيفة «المستقبل»، بقي في ظلّ الأزمة المادية التي مرّ بها تياره «صامداً إلى جانب الحريري. وتحمّل عبء إنهاء خدمات عددٍ من الموظفين». حتى حين «استفظع»، في البداية، التسوية الرئاسية وانتخاب الرئيس ميشال عون، «عاد بكاسيني لينتظم». وخلال أزمة احتجاز الحريري في السعودية في تشرين الثاني الماضي، «خاض بكاسيني معركة شرسة في الدفاع عن رئيس الحكومة، وضدّ كتبة التقارير، كما سمّاهم، الذين حرّضوا على الحريري». أما هو، فيقول لـ«الأخبار» مُدافعاً عن ترشيحه، إنّه «في مجلس محافظة الشمال في تيار المستقبل منذ عام ٢٠٠٧، موجود دائماً في طرابلس ولديّ أصدقاء فيها».
بكاسيني بدأ مسيرته المهنية في «الديار»، ثم انتقل إلى «السفير». كان من ضمن مجموعة تعرّفت إلى مستشار رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، هاني حمود. ومن خلال الأخير، بدأت صداقة بكاسيني مع الحريري الأب. العلاقة الوثيقة بين ابن تنورين وحمود، أسهمت في أن يُصبح بكاسيني من حلقة الحريري الضيقة. في جريدة المستقبل، شغِل بكاسيني منصب مدير التحرير، إلى أن أصبح هاني حمود المستشار الاعلامي لسعد الحريري، فعُيّن في منصب رئيس تحرير «المستقبل». قُرب بكاسيني من الحريري الأب أدّى إلى إصداره عام ٢٠٠٨ كتاب: «الطريق الى الاستقلال ــ خمس سنوات مع رفيق الحريري».
يرفض بكاسيني أن يتعامل مع ترشيحه كـ«كمالة عدد» اللائحة: «مش عم نلعب»، يقول. ويُترجم كلامه باللقاءات اليومية التي يُنظّمها في طرابلس، مُتنقلاً بين أحيائها الشعبية ومقاهيها حيث يتجمّع «المثقفون»، والمراكز الاقتصادية والشبابية والسياسية. ومنذ ٢٠ يوماً، «أداوم في طرابلس».
واجه ابن البترون حملة ضدّ ترشيحه في الفيحاء. بالنسبة إليه، هي تنقسم إلى قسمين، «أنا أول مُرشح ماروني أُعلنَ. لم يعرفوا أنّ معظم المرشحين الآخرين من خارج المدينة». أما السبب الثاني، «فأتفهمه، لأنّ تجربة أغلب النواب السابقين لم تكن مُشجعة. من حقّ الناخبين أن يعتبوا، ويَحذَروا من هكذا خيار». في كلّ الأحوال، «إذا انتُخبت نائباً، فسأقيم في المدينة، وأبقى إلى جانب أهلها».

مُرشّح عبد الغني كبّارة


شادي نشابة هو «بروفيل» الرجل الذي استخدم سِتار «المجتمع المدني» ليكون بوابة عبوره إلى السلطة. ولمّا وجد أنّ هدفه لن يتحقق مع هذا المجتمع، انتقل إلى جبهة تيار المستقبل، علّه يفوز بالمقعد النيابي. قبل تبنّيه من التيار الأزرق، كان السؤال عن «المجتمع المدني» في طرابلس يقود مُباشرةً إلى نشّابة. عضو بلدية الفيحاء، مؤسّس جمعية «أوتوبيا» عام 2012، ومجلس إنماء طرابلس عام 2016. شغل سابقاً منصب مدير برنامج إدارة الأنظمة الدولية (MSI)، الشركة التي كانت تُنفذ مشاريع تنموية مموّلة من الوكالة الأميركية للتنمية (USAID). انتشرت أخبارٌ عن إدارة «مشبوهة» و«سوء أمانة مالية»، من قبل نشابة، لعددٍ من المشاريع، فيردّ بأنّ من يُروّج لذلك «لا يعرف كيفية عمل الـMSI. فوظيفتي كانت أن أُقدّم أفكاراً، تُنفذها مؤسسات محلية، وهناك فريق مسؤول عن الهبات لا علاقة لي به».
على الموقع الإلكتروني الخاص، يُقدّم نفسه «مدينياً» يَنشد «التغيير»، من خلال خيارٍ بديل من أركان السلطة، المسؤولة عن «الواقع المتردّي». إلا أنّ نشابة فضّل «الطريقة الأسهل» للفوز بمقعد نيابي: التحالف مع تيار المستقبل. يُبرّر لنفسه قائلاً: «أؤمن بالتغيير من داخل المؤسسات». لم يشفع ذلك لابن الـ34 عاماً. يُصوّب عليه في المدينة، لتخلّيه عن «المجتمع المدني». الأصوات المعترضة على ترشيحه وجدت لها أرضاً خصبة داخل البيئة الزرقاء أيضاً. ولكنّ نشابة «مدعومٌ» من مستشار رئيس الحكومة لشؤون الشمال عبد الغني كبارة، الذي «قرّبني من تيار المستقبل». لم يكن نشابة يوماً بعيداً عن السياسة. مصدرٌ في تيار العزم يؤكد أنّ الشاب «بدأ العمل معنا، في ضهر المغر (القبّة)، حيث طلبنا منه تنظيم نشاطات باسم الجمعية، بتمويل منّا»، إلى أن بدأ ينسج علاقات مع الجمعيات الأميركية، «فابتعد عن العزم». قبل الانتخابات البلدية، وتشكيل لائحة تضم كلّ القوى السياسية، «سأله أحد مسؤولي العزم إن كان يقبل أن يترشح على لائحته. فكان جوابه: أكيد!». ولكن، دخل عبد الغني كبارة على الخطّ، مُستميلاً نشابة إلى صفّه. يرفض نشابة الغوص كثيراً في ملف «العزم»، نافياً أي ارتباط معه، ومؤكداً أنّه تواصل في «البلدية» مع عمر الحلاب في البداية، ثم مع عزّام عويضة، «وتسميتي تمّت من قبل المستقبل».
منذ الـ2005، ودراسته في جامعة اللويزة، «كنت في 14 آذار»، وحالياً يؤمن بأنّ تيار المستقبل «سيُساعد لتحقيق مشاريع اقتصادية لطرابلس».

مِن حارق علم «المستقبل» إلى رافعه


في مكانٍ هادئ، من «مدينة الرئيس الشهيد رفيق الحريري» ــ المنية، يقع منزل المُرشح عثمان علم الدين. علَم المستقبل على سطح المنزل. علمٌ ثانٍ خلف الكُرسي التي يجلس عليه سيّد البيت. الخرزة الزرقاء وجدت مكانها أيضاً. كلّ «الديكور» كفيل بأن ينسى المرء أنّ علم الدين أحرق سابقاً أعلام تيار المستقبل وصور سعد الحريري، ردّاً على ترشيح النائب كاظم الخير إلى الانتخابات النيابية الفرعية عام 2010. كان يُفترض في تلك الدورة انتخاب خلفٍ للنائب الراحل هاشم علم الدين، شقيق عثمان. اتفقت العائلة على ترشيح بشير، شقيق النائب الراحل. «خيّب» الحريري آمال العائلة الأكبر في المنية، رافضاً أن يفرض عليه أحد اسم المُرشح، فقرّر التحالف مع كاظم صالح الخير.
الشقاق الثاني بين تيار المستقبل وعثمان علم الدين كان خلال الانتخابات البلدية، عبر ترشيح نبراس علم الدين (ابن شقيق عثمان) إلى «البلدية» في وجه عمّه. حُكي يومها عن دور لكاظم الخير في «شقّ» العائلة، كون عثمان يُعتبر منافسه الأول إلى النيابة.
منذ الـ2010 حتى الـ2018، لم يكن علم الدين بعيداً عن الخطّ السياسي لـ14 آذار، و«الثورة السورية». هناك من يقول إنّ للرجل «مُساهمات» في الأحداث السورية. يُعتبر عثمان من «المموّلين» المحتملين لمعركة المنية. لديه «جماعته» في المنطقة، وتربطه علاقات جيّدة مع الأجهزة الأمنية. على الرغم من ذلك، لم يكن التحالف مع «المستقبل» الخيار الأول لعلم الدين. البداية كانت مع نجيب ميقاتي، قبل أن يفتح قناة اتصال مع أشرف ريفي، الطامح إلى ضرب تيار المستقبل بـ«أدواته».
يقول أحد المُطّلعين على الانتخابات في طرابلس إنّ علم الدين «زار بيت الوسط، ليُخبر الحريري أنّه سيعمل ضدّه في الانتخابات، قبل أن يتفق الرجلان على التحالف، ويتصل عثمان من بيروت بكاظم الخير، ويُبلغه بالاتفاق مع المستقبل».
ينفي علم الدين كلّ ما تقدّم، «كلّ العالم تعرف العلاقة بيني وبين المستقبل. ولا مرّة إلا وكنت من أهل البيت». حتى إنّه «لا علم لي بمفاوضات كنت أُجريها مع ميقاتي أو ريفي»، يقول الرجل بوجهٍ بلا تعابير. وقع خيار «المستقبل» عليّ «لأنّني ابن أول بيت سياسي في المنية. وبدأت العمل السياسي منذ الـ2005 مع هاشم علم الدين». أصوات العائلة «ستكون موحدة»، وكلّ الترشيحات التي تدور في فلك التيار الأرزق لن تؤثر سلباً عليه، «لأنّ المنية وفيّة للمستقبل».